"القراءةُ الحرة ، هي نصفُ التعليم . د. طه حسين". الثقافة تُقاس بحجم معلوماتك، والذكاء يُقاس بقدرتك على الاستيعاب، والوعي يُقاس بكيفية استعمالك للمعلومة، والمنهج يُقاس بقدرتك على استخراج النتائج من المقدمات بطريقة سليمة، واتصافك بأحد الأوصاف السابقة لا يعني بالضرورة اتصافك بالبقية، فقد تكون مثقفًا بلا ذكاء أو مثقفًا بلا منهج.
بالنظر إلى مقولة "الإنترنت يحولني إلى أبله" التي أطلقها الكاتب الأمريكي نيكولاس كار؛ الذي نشر مقالات عن تأثير الإنترنت على المخ البشري. افتراض أن الرسائل والنصوص القصيرة تؤثر في اللدونة العصبية والمشبكية في المخ، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على التركيز على مهام طويلة الأمد ككتابة المقالات أو قراءة الكتب. و من أجمل وأفضل ما قرأته تعليقاً على هذا الموضوع؛ مقالا عظيما للشاعر الاسباني الكبير . بيدرو ساليناس.. يستحق بالفعل أن يستعاد مرارا وتكرارا.. ففي مقال شهير له حول هذا الموضوع، يحذر من ثقافة تؤدى إلى انتاج من أسماهم " الأميون الجدد".
فيقول : " ثمة أيضا نوع من الأمين الجدد جزئيا الذي يمكن رؤية أصحابه يحومون حول أكشاك بيع الصحف كنحلات طنانة تحوم حول زهرة نضرة، بحثا عن المقادير التى ستصنع بها عسل حياتها الفكرية.
إنهم لا يقرأون الكتب ولكنهم مفتونون بتكاثر
المجلات وبمواضيع أغلفتها. هؤلاء أهل للشفقة لأنهم بعيدا عن إعفاء أنفسهم مشقة العناء كقراء، فهم فى غاية السخاء والكرم حين يتعلق الامر بها. يقرأون الأعمال الضعيفة بشراهة ، يعودون لمنازلهم محملين بالمجلات التى يحرثون فيها بعيونهم لساعات ، دون ان يحصلوا بالنهاية على اكثر مما يحصل عليه طفل يلهو بأحجية بانورامية لا يبدو أنها ستنتهي عاجزين عن رؤية الصورة الكبرى التى يبدو فيها كل شئ فى مكانه الصحيح.
إن هذه المجموعة الجديدة تنمو ببطء، وقد حان الوقت لتسميتها ولإعطاء المنتمين لها وضعا اجتماعيا . انهم الاميون الجدد.. وهم على درجة من التأثير والخطورة تتجاوز كثيرا الأميين أمية بحته، فهم يرفضون البقاء فى الدرك الأسفل مع الشيطان فى ظلمات الجهل، إلا انهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدس . إنهم قادرون على كل شئ، ولا يجازفون بشئ .. تعلم الناس كيف يقراون ليس كافيا فى أغلب الاحيان لينتزعهم من فقرهم الروحي الاساسي او، كما قال ت.س إليوت بأن " التعليم لا ينتج الثقافة إلا فى أضيق الحدود"
إن هؤلاء الصغار يبدأون حياتهم وهم مسلحين بمهارات القراءة والكتابة الأولى فقط، واثقين من أنهم قد تمكنوا من السيطرة على جهلهم ، ثم يفاجأون لاحقا بأن غريما قويا ينتظرهم عند الزاوية. إن هذه القوى الشريرة سوف تجذبهم إليها فتحولهم إلى مخلوقات بسيطة؛ أميين جدد يعشون راضين فى أمان الوعي المغيب، مستمتعين بملذات الحياة الاستهلاكية التى يوفرها العصر الحديث، ومع ذلك فهم محكومون بحكم مؤبد للعيش مدى الحياة فى شكل مختلف من تخمة الجهل.
إذا لم تكن تعرف بيدورة ساليناس وتفكر الآن في مراسلتي لتطلب مني إيميله لتعبر له عن إعجابك بكتابته، دعني أخبرك أن بيدرو ساليناس انتقل إلى رحمة الله فى4 ديسمبر 1951، وقبل أن تعبر عن حزنك عليه، دعني أعطيك سبباً إضافياً للحزن، هو أن المقال الذي قرأته له كتبه في خمسينيات القرن الماضي، "لم تكن بعد مواقع التواصل الاجتماعي".
ومزج الفصول الاربعة ،ولم يعد للقراءة أوقات فراغ
24 ساعة فى حالة قراءة ، ولكن اى قراءة؟ هذا هو السؤال . رغم ان الشبكة العنكبوتية بها من المعلومات و البيانات وصفت .بمنجم المعلومات. الا ان الاغلبية لاتمارس الا الجهل الفيس بوكي ، وبث الإشاعات والسباب، وادعاء المعرفة والنفور من الثقافة.
فهم على ثقة كاملة من صحة الأخبار المنشورة فى مواقع التواصل ،فيرونها عنوانا للحقيقة، و يمكن لأي جميلة بلهاء أو وسيم فارغ، أن يفرضوا أنفسهم على هؤلاء، من خلال منصات عامة، هي في أغلبها منصات هلامية وغير مُنتجة، لا تخرج لنا، منتج ثقافي او قيمي صالح. فمن يلبي احتياجات الفرد ذي البطن الممتلئة والروح الفارغة في العالم الحديث؟.