للإسرائيليين سفاهات ووقاحات لا تنفذ في كثافة صفاقتها شعاعة حياء . وهذه السفاهات والوقاحات تنشط وتنتعش إذا كسبت إسرائيل منجزا ملحوظا ضد من يتصدون لها في المنطقة ، وتخمد وتنكمش إذا ضربتها صدمة ما أو خيبة ما . إنها في حركة زئبقية صعودا وهبوطا تجاوبا مع الأحداث ، وتأثرا بها إيجابا أو سلبا . في هذه المتوالية المتذبذبة من سفاهاتهم ووقاحاتهم اقترح أودي ديكل مدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في بحث موحد مع الباحثة كارميت بلنسي على صناع القرار في تل أبيب العمل على إزاحة الرئيس بشار الأسد مقابل تحرك دولي لإعادة إعمار سوريا . ما أكثر ما اقترح الإسرائيليون طوال سني محنة سوريا العشر حلولا تتصل بالأسد .
واقتفاء سلسلتها يكشف تناقضاتها وتخبطاتها. مرة رأوا بقاءه مهما لإسرائيل، وأنهم ساهموا في إطالته، ومرة رأوا مصلحتها في إزاحته، ومرة قدروا أنهم أخطؤوا في إضعافه . وكلها اقتراحات وتقديرات يتوهم المطلع عليها الذي لا يعرف حقائق الأمور أن إسرائيل لها الكلمة الأولى في سوريا، وأنها أهم من روسيا وأميركا.
وينحجب عن فهم الإسرائيليين أو وهمهم أن الأسد ما كان ليبقى طوال عشر السنوات الدامية الرهيبة إلا لمؤثرات داخلية ذاتية حتمت بقاءه ، ولا بأس من مؤثرات خارجية في هذه الحتمية مثل المؤثر الروسي والمؤثر الإيراني ومؤثر حزب الله. فإسرائيل أكثر مقومات وجودها واغترارها مؤثرات خارجية . ولنتخيل حالها دون مؤثر الحماية الغربية الأميركية والأوروبية . وسفاهة ووقاحة ثانيتان صدرتا عن مردخاي كيدار المحاضر في قسم اللغة العربية في جامعة بار إيلان في مقال له في صحيفة ” مكور ريشون ” نصح فيه المسئولين الإسرائيليين ألا يعطوا النظام السعودي أي ثمن لتطبيع علاقته مع إسرائيل .
ومسوغ نصيحته أن بلاد الحرمين الآن في قمة ضعفها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. يقول: “هناك جملة من الاستنتاجات التي يجب على إسرائيل استخلاصها في علاقتها المستقبلية مع السعودية ، أهمها أننا أمام دولة تعاني بنيتها التحتية الاقتصادية من ضعف واضح ، وأعداؤها يحاصرونها ويهاجمونها من جميع الجهات، ومكانتها الدولية سيئة للغاية ، والعلاقات مع إسرائيل أولا وقبل كل شيء مصلحة سعودية ، وبالتالي يجب على إسرائيل ألا تدفع لهم شيئا .”، ويتابع مقترحا فرض شروط على بلاد الحرمين إذا أرادت التطبيع مع دولته: “يمكن لإسرائيل ، بل يجب عليها ، وضع شروط واضحة للعلاقات مع المملكة العربية السعودية ، أولها قطع علاقاتها الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية ، وإقامة السفارة السعودية في القدس ، والاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي ، والالتزام بدعم إسرائيل في المؤسسات الدولية “. يقترح فرض شروط استسلام على بلاد الحرمين ، بل يقترح أن تكون نسخة من إسرائيل. ونحن لا نلوم الإسرائيليين على سفاهاتهم ووقاحاتهم ولا نستغربها ، والحال ببساطة أن هذا ما لديهم ، وهذه حقيقتهم ، ولا أحد يبين سوى ما لديه ، ولا أحد يغالب ظهور حقيقته.
اللوم على الذين مزقوا الأمة العربية ، وأوهنوا أنفسهم ، ففتحوا كل الأبواب لغطرسة الإسرائيليين، وللتمنن عليهم بتطبيع العلاقات معهم ، وهم ، الإسرائيليون ، الذين كانوا من قبل يتحرقون على كلمة مودة ومسالمة من أي عربي مهما كانت صفته. الإرهاب الدامي المخرب الذي تصارعه سوريا من عشر سنوات صنع أكثره المال العربي استجابة لأوامر أميركا ومخططات إسرائيل
وعدوان النظام السعودي على اليمن أضعف بلاد الحرمين سياسيا واقتصاديا وعسكريا . وهوت قاصمة القاصمات على ظهر هذا النظام بقتل خاشقجي بأمر من ولي عهده محمد بن سلمان الذي استغاث بإسرائيل وأميركا لحمايته من توابع الجريمة واستبقائه في ولاية العهد توطئة لتوليه العرش .ولهذه الحماية ثمنها الكبير أميركيا وإسرائيليا . وهذا مثال لا شبيه له في استنزاف مقومات القوة وتحويلها إلى مقومات ضعف واستغاثة بمن يعرفون كيف يعتصرون الضعيف المستغيث بهم . إلا أن كل ما تراه إسرائيل اليوم إيجابيا لها في العالم العربي ليس إلا لحظة عابرة في مجرى التاريخ .
ولو كانت من الحكمة في شيء لتصرفت خلاف تصرفها الابتزازي الانتهازي ، لكن هذا ما لديها ، وهذه حقيقتها التي ستفضي بها إلى نهايتها الحتمية بصفتها جسما طارئا زرع باطلا في المنطقة ، وعبئا زائدا على جغرافيتها ، وشذوذا منحرفا عن سياقها الحضاري والأخلاقي الذي يمقت الابتزاز وانتهاز ضعف الآخرين لسلبهم كل ما لديهم .
كاتب فلسطيني