لأن الشيء بالشيء يذكر، فالشيء بالشيء يقارن، وأهل غزة يعانون كما هو معلوم ومعروف لكل العالم من مشكلة انقطاع الكهرباء وعدم توفرها على مدار الساعة منذ سنوات، ما أثر على جميع مناحى الحياة فيها، ونتج عنه الكثير من الحوادث المأساوية نتيجة لاستخدام وسائل تعتبر خطرة الاستخدام في البيوت، ولكن الضرورات أوجبت استخدامها فذهبت الكثير من الضحايا لها مثل حرائق الشموع وغيرها.
ولأن تفكيرنا دائم ومستمر لتجاوز هذه المشكلة فقد استنفذت كل الوسائل لكي استطيع توفير الكهرباء او مصدرا للانارة في بيتي الصغير مع اولادي على مر السنوات الماضية، وكنت ألجأ لكل وسيلة يزكيها من استخدمها قبلي من الناس، وبدأت بطرق بدائية ثم تطورت، وفكرت اخيرا باستخدام الخلايا الشمسية ولكني اكتشفت انها اكثر الوسائل تكلفة مادية، حتى بدأ أحد الحلول يغزو البيوت والمنشآت في القطاع، وقررت أن ألجأ إليه وقد كان ذلك.
الوسيلة الجديدة التي بدت لي جيدة وآمنة هي مد خط كهرباء اضافي لبيتي متصلا بأحد المولدات الضخمة التي يشغلها اصحابها مقابل فاتورة جديدة منفصلة لا تحسب على فاتورة الكهرباء الأصلية، ويعتمد هذا النظام على تشغيل المولد الضخم بمجرد انقطاع التيار الكهربي في المنطقة، فيقوم صاحب البيت بايقاف خط تشغيل الكهرباء الأصلي الرئيسي، وتحويل خط البيت للتزود من خط كهرباء المولد، وهكذا اطلقت على هذا الخط اسم « كهرباء الشارع»، وكان الحل بالفعل نافعاً وناجعاً ومريحاً رغم فاتورته التي تزيد على سعر كيلو الكهرباء الذي نتزود به من الشركة الأم، ولكن لأن الحاجة تطغى على التفكير بالمادة مهما كانت ظروف هذه المادة، فلم افكر بفاتورة الكهرباء المضاعفة الجديدة مقابل توفر الانارة طيلة الوقت من خطين لا ينقطعان على مدار الساعة، علماً ان خط كهرباء الشارع لا استغله لتشغيل الأجهزة الكهربائية بسبب ارتفاع سعره، ولكني اكتفي بالحصول على الانارة للبيت وتشغيل خط الانترنت بحيث يكون متوافراً خاصة ان لدي ابنة تدرس في الجامعة تتابع محاضراتها عن طريق التعليم الالكتروني منذ بداية جائحة كورونا.
وهكذا نمتُ قريرة العين ان لدي حلاً لمشكلة طالما أرقتني، حتى كان صباح يوم امس وكانت ابنتي تستعد للامتحان وبدأت تضع امامها جهاز اللاب توب، وكنت مطمئنة ان خط كهرباء المعتاد وليس « كهرباء الشارع» متوفراً في البيت حسب جدول توزيع الكهرباء، وقبل الامتحان بثلث ساعة تماماً انقطع التيار الكهربائي عن البيت، وكان ذلك نادراً ما يحدث، فلا يمكن ان تنقطع الكهرباء في اوقات الوصل حسبما يطلق عليها.
قلت لابنتي مطمئنة انها ستعود خاصة ان «كهرباء الشارع» لم تعمل لأن موعد القطع لم يكن معتاداً ولا مدرجاً، وهكذا مضت الدقائق وبدأت ابنتي تتوتر وبدأت اتوتر معها في انتظار ان يعود خط الكهرباء، ولكنه لم يعد، واكتشفت انني تخليت عن البطاريات الجافة التي كنت استخدمها لتشغيل خط الانترنت، ولم يعد لدي طريقة لتوصيل الانترنت بجهاز اللاب توب واصبح بيننا وبين موعد الامتحان دقائق معدودة، فانهارت ابنتي باكية، وبدأت البحث عن طريقة لتوصيل الانترنت على الأقل، وجربت تشغيل كل البطاريات التي اهملتها ولكن احدها لم يشغل جهاز «الراوتر»، ونزلت الى الشارع بحثاً عن احد الجيران لعله يسعفني ببطارية ولكن كل واحد كان رده انه قد استغنى عن البطاريات تماماً.
اتصلت بمزود خدمة كهرباء الشارع فطمأنني انه سوف يشغل المولد خلال دقائق «من أجل خاطر البنت» رغم انه ليس من المعتاد تشغيل المولد في هذا الوقت أي وقت الوصل، ولكنه فعل ذلك بعد مرور ربع ساعة من وقت الامتحان وقد بلغ التوتر بابنتي مبلغه، وحاولت ان اهدئ من روعها واشجعها بأن الوقت لا زال طويلا.
مرت ساعة ولم تعد الكهرباء وتقدمت ابنتي للامتحان بخدمة زائدة من كهرباء الشارع، وخرجت بدروس منها انك مهما استخدمت من احتياجات فأنت قطعاً سوف تقع في مأزق مثل احتياطات الوقاية من فيروس كورونا التي يصاب بها اشد الناس حرصاً سلمنا الله وإياكم، ولكن الجميل في الحكاية كلها أنك تدفع لمصدرين وتضغط ميزانيتك، وكلاهما ليس له أمان في هذا الزمان.