على جانبي الخط الأخضر -الذي يقسم فلسطين التاريخية بحسب القرارات الدولية إلى: دولة لإسرائيل وأخرى للفلسطينيين على حدود 4 يونيو/حزيران 1967- أطلق المشروع الاستيطاني وتوغل في أراضي الضفة الغربية المحتلة ليؤسس "دولة المستوطنين" خلافا للمواثيق الدولية.
ويأتي توغل المشروع الاستيطاني بالأراضي الفلسطينية، على جانبي الخط الأخضر، بدعم من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ نكبة فلسطينيي 48، والتي واصلت هذا النهج بعد احتلال الضفة الغربية والقدس عام 1967، عبر تشجيع رسمي حكومي لليهود بالانتقال للعيش في المستوطنات.
ولتشجيع انتقال المستوطنين، أظهرت البيانات الحكومية الرسمية أن كل إسرائيلي ينتقل للعيش بالمستوطنات يحصل على دعم بأكثر من 50 ألف دولار سنويا، مقابل امتيازات وإعفاءات ضريبية، ومزايا وحوافز وتسهيلات كثيرة وتطوير مشاريع مالية داخلها وفي محيطه.
وحفزت السياسات الحكومية الداعمة للبيئة الاستيطانية الكثير من العائلات اليهودية ذات الدخل المنخفض لشراء منازل في المستوطنات، وفقا لتحقيق لمركز "بتسيلم" الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الضفة، الذي كشف أن عدد المستوطنين في الضفة قد ازداد بنسبة 222% منذ عام 2000.
وتظهر معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن الزيادة الطبيعية السنوية للمستوطنين بلغت 3.2%، في حين بلغت الزيادة الطبيعية بإسرائيل 1.9%، ومنذ عام 2010 زاد التعداد السكاني للمستوطنين بنسبة 42%، مع إضافة 75 بؤرة ومزرعة استيطانية جديدة فوق أراض بملكية خاصة للفلسطينيين. علما بأن إجمالي البؤر الاستيطانية يبلغ 150 تم خلال العام الأخير شرعنة 15 منها على أيدي حكومة الاحتلال.
آليات وسياسات
ويستعرض تقرير بتسيلم -في تقريره الذي صدر بالتعاون مع معهد "كيرم نابوت" بعنوان "هذه لنا، وهذه أيضا لنا: سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية"- ويكشف الآليات التي تعتمدها حكومات الاحتلال المتعاقبة التي شجعت المدنيين اليهود على الانتقال للاستيطان بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبحسب التقرير، أقامت إسرائيل أكثر من 280 مستوطنة وبؤرة استيطانية وأسكنت فيها أكثر من 440 ألف مستوطن بالضفة ونهبت أكثر من مليوني دونم من الأراضي الفلسطينية، في حين يوجد في القدس الشرقية 12 مستوطنة يقطنها قرابة 222 ألف يهودي، حيث أقيمت على أراض ضمتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ القدس، وكذلك عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية.
ويضاف إلى ذلك، وجود 16 مستوطنة أخرى أقيمت في قطاع غزة و4 مستوطنات شمال الضفة تمّ تفكيكها عام 2005، ضمن تطبيق "خطة الانفصال" التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه أرييل شارون.
هدم وتهجير
وإلى جانب هذا التحفيز والامتيازات لليهود لتوسيع المشروع الاستيطاني، عمدت سلطات الاحتلال لسياسة هدم المنازل والمباني الفلسطينية بالضفة والأغوار بذرائع مختلفة، منها البناء "غير المرخص" أو الهدم ووضع اليد على الأرض لأغراض عسكرية، حيث تحول الأرض الفلسطينية المصادرة للأغراض الاستيطانية.
وإضافة للهدم، تعتمد سلطات الاحتلال سياسة التهجير خاصة في بادية القدس ومنطقة الأغوار، حيث تخطط الحكومة الإسرائيلية من خلال تهجير سكان الخان الأحمر لهدم وإخلاء 46 تجمعا لبدو فلسطينيين تمتد من القدس حتى البحر الميت.
وفي الأغوار، ومن خلال خطة الضم المتدرج، تعكف سلطات جيش الاحتلال على هدم خربة حمصة وتهجير سكانها، من أجل التفرد بـ 30 تجمعا بدويا في الأغوار لهدمها وتشريد سكانها.
ويسيطر الاحتلال على 95% من أراضي الأغوار الفلسطينية بعدة تصنيفات، منها السيطرة على 42% من مساحة الأغوار كمناطق تدريب عسكري، وأكثر من 25% محميات طبيعية، و10% مستوطنات ومعسكرات لجيش الاحتلال.
الاستيطان والمعتقدات الدينية
وقد عزا مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة، غسان دغلس، هذه الزيادة والتوسع الاستيطاني بالضفة والقدس -على حساب الوجود الفلسطيني- إلى انحياز المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وغياب شخصيات إسرائيلية بعد اغتيال إسحق رابين تؤمن بالسلام وحل الدولتين.
ولفت دغلس إلى أن الأحزاب اليهودية، وعلى مدار عقدين من الزمن، وظفت الاستيطان في برامجها السياسية والانتخابات البرلمانية السابقة، وربطت الاستيطان بالضفة بالمعتقدات الدينية والتوراتية ليصبح المشروع الاستيطاني حقيقة ماثلة على الأرض.
وأوضح أنه يتم التعامل حاليا مع المستوطنات أسوة بالتعامل مع "المدن اليهودية" بإسرائيل، ناهيك عن التحفيزات والتسهيلات وعوامل الجذب لاستقدام اليهود للسكن بها، بمنحهم قروضا مالية، وتسهيلات اقتصادية وتجارية ليتحول الاستيطان إلى مشروع اقتصادي تجاري من وجهة نظر المواطن اليهودي.
ويقول دغلس: وقد أفضت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة "إلى وجود نحو 300 مستوطنة بحيث باتت السلطة والسكان الفلسطينيين يتملكون ويسيطرون على 35% فقط من أراضي الضفة، في حين أصبحت 65% من أراضي الفلسطينيين تحت سيطرة دولة الاحتلال وفي خدمة المشروع الاستيطاني".
الديموغرافيا والجغرافيا
وتوظف إسرائيل بالضفة والقدس ذات السياسة التي طبقتها عقب النكبة للهيمنة والسيطرة على الأرض وأملاك اللاجئين بالداخل الفلسطيني، والتضييق على فلسطينيي 48 بسلبهم أراضيهم وتشريع عشرات القوانين لتوظيف الأرض لتوطين اليهود على حساب أصحاب الأرض الأصليين الذين يخوضون معركة الأرض والمسكن بعد الإبقاء بملكيتهم على 3% فقط من مساحة الأرض داخل الخط الأخضر.
ولعل أبرز ما تحركه الحكومة الإسرائيلية هذه الفترة على جانبي الخط الأخضر هو مشروع مستوطنة حريش الذي وضع حجر الأساس له منتصف تسعينيات القرن الماضي في منطقة وادي عارة المتاخمة لحدود الرابع من يونيو/حزيران شمال الضفة.
وكانت البداية -كما يقول أحمد ملحم، وهو من سكان قرية عرعرة القريبة من بلدة أم الفحم "من خلال نقطة عسكرية لما يسمى حرس الحدود الذي أسس النواة الأولى للمستوطنة ممتدة على 3500 دونم" واليوم المستوطنة تمددت وتوسعت وتوغلت لتحاصر بلدات وادي عارة بالداخل الفلسطيني وحدود الرابع من يونيو/حزيران على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 28 ألف دونم، بحيث يخطط للمستوطنة لتستوعب قرابة 250 ألف إسرائيلي.
واستعرض ملحم -الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن، في حديثه للجزيرة نت- تطور فكرة المشروع الاستيطاني لحريش المنطقة مصادرا آلاف الدونمات بملكية خاصة لفلسطينيي 48، في وقت يتبع 20 ألفا من الدونمات للبناء الاستيطاني بالأساس للاجئين ممن تم تهجيرهم بالنكبة للخارج أو داخل فلسطين، ضمن معركة الديموغرافيا والجغرافيا التي تخوضها المؤسسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
وأوضح أن توسيع المشروع الاستيطاني قرب حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 يأتي على حساب أراضي اللاجئين وتوسع بلدات الداخل الفلسطيني التي صودرت أراضيها على مدار عقود، ووضعت دولة الاحتلال يدها عليها لصالح إقامة مشاريع تأتي لتدعيم الوجود اليهودي والمستوطنات في فلسطين التاريخية.