نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أعده جوناثان فيرزغر، حول ظروف إلغاء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإمارات، والتي قصد منها إظهار منافع التطبيع مع الدولة الخليجية.
وقال الكاتب إن الطائرة الخاصة التي أرسلها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كانت تنتظر على مدرج مطار في الأردن بانتظار التعليمات كي تقلع إلى مطار بن غوريون الدولي. وكان نتنياهو في مكتبه بالقدس يحضّر لركوب الطائرة للقاء ثنائي انتصاري في العاصمة أبو ظبي. وكان هو ومحمد بن زايد يخططان للإعلان عن خطط استثمار في بنى تحتية بإسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار وتشمل شبكة سكة حديد بطول 1100 ميل، تبدأ من البحر الأبيض المتوسط وتصل إلى منطقة الخليج. كما ستموّل الإمارات بناء ميناء عميق في الطرف الإسرائيلي من البحر الأحمر، بالإضافة لخط أنابيب يضخ النفط بين ميناء إيلات إلى ميناء عسقلان ونقله عبر ناقلات النفط أو خط أنابيب تحت المياه بطول 430 ميلا عبر البحر الأحمر إلى ميناء ينبع السعودي.
وفي منتصف اليوم في 11 آذار/ مارس تم إلغاء الرحلة التي تستمر 3 ساعات.
ووجد نتنياهو نفسه وسط أزمة دبلوماسية لها علاقة بولي عهد الأردن الأمير الحسين بن عبد الله، البالغ من العمر 26 عاما، وجهاز الشين بيت والمسجد الأقصى. ذلك أن خلافا جرى حول زيارة الأمير وترتيباته الأمنية مع الإسرائيليين، مما دعا الأردن لتأجيل منح إذن للطائرة الخاصة التي كانت ستحمل نتنياهو.
وجاء الرفض الأردني بالسماح للطائرة الخليجية بالمرور عبر مجاله الجوي، في رد على القيود التي تفرضها إسرائيل على المسجد الأقصى. وفي الحقيقة يقوم العاهل الأردني ولسنوات بتوجيه ضربات، ويتجاهل الزعيم الإسرائيلي.
وزاد الهرج والمرج السياسي بعد أسبوع، مما هزّ أساس الاتفاقيات الجديدة بين إسرائيل ودول عربية والتي عرفت بـ“اتفاقيات إبراهيم”. ووقّعت إسرائيل اتفاقيات تطبيع مع الإمارات ومملكة البحرين، قام البيت الأبيض في عهد دونالد ترامب بترتيبها. وهذه المرة قامت الإمارات بإلغاء لقاء متمم مع نتنياهو، متهمة إياه بأنه حاول استخدام علاقاته مع الدولة الخليجية ليؤمن مستقبله السياسي في انتخابات الثلاثاء 23 آذار/ مارس. وأشار وزير الدولة السابق والمستشار الحالي أنور قرقاش: “لن تكون الإمارات جزءا من العملية الانتخابية في إسرائيل الآن أو في أي وقت آخر”.
وفي الوقت الذي أثارت فيه “خبطات” الإحراج، إلا أن العلاقات الخليجية- الإسرائيلية مستمرة على ما يبدو، حتى لو كانت اتفاقيات ترامب بحاجة للتعديل من أجل الحصول على دعم الرئيس جوزيف بايدن. وتم توقيع الاتفاقية بداية بعد موافقة إدارة ترامب على صفقة أسلحة للإمارات بقيمة 23 مليار دولار، وتشمل مقاتلات أف-35، وطائرات مسيرة من طراز “أم كيو- 9 بي” لكن الإدارة الأمريكية الحالية علّقتها للنظر فيها.
وتقوم اتفاقيات التطبيع على صفقات بنية تحتية مربحة وعمليات تجارية مشتركة بين الشركات الإسرائيلية والإماراتية. ومن بين شركات الإنشاء التي تخطط لطرح عطاءات لمشروع السكة الحديدية الإسرائيلية- الخليجية، والذي سيمر عبر الأردن ثم السعودية، شركات صينية وأوروبية وأمريكية وروسية. وتدير إسرائيل خط سكة حديدي بين ميناء حيفا حتى الحدود مع الأردن. وستنقل “خطوط السلام الإقليمية” المنتجات الإسبانية أو قطع الغيار الألمانية من السفن الأوروبية الراسية على ميناء حيفا ومنه عبر القطارات إلى دول الخليج. وسيعيد المشروع إحياء الخط الحجازي الحديدي والذي سيربط الأردن مع شبكة الخطوط الحديدية التي بنيت في السعودية وتربطها مع دول الخليج. وكان من المتوقع أن يناقش محمد بن زايد ونتنياهو مشروع بناء ميناء في المياه العميقة للبحر الأحمر يدعمه الصندوق السيادي الإماراتي، مما سيسمح للناقلات العملاقة بالرسو في ميناء إيلات، قريبا من ميناء العقبة الأردني.
ويمكن أن تنقل السفن النفط السعودي ثم يتم ضخه في الأنابيب إلى البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى أوروبا. وفي الاتجاه الآخر، فإن نفط آسيا الوسطى وأوروبا يمكنه العبور عبر جسر بري ليصل إلى ميناء البحر الأحمر ويواصل رحلته إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
لكن الحفر عميقا في ميناء إيلات يواجه معارضة من الداعين للحفاظ على البيئة؛ لأنه قد يقتل الشعب المرجانية والتي تعتبر مقصدا للغواصين، وقد يؤدي إلى كارثة بيئية في حالة تسرب النفط في المستقبل. وزادت المخاوف الشهر الماضي عندما تسرب النفط على شواطئ إسرائيل من ناقلة غير معروفة.
وفي الوقت الذي يتواصل فيه التفاوض حول الميناء وسكة الحديد، إلا أن مذكرة تفاهم وقعت بحضور وزير المالية الأمريكي السابق ستيفن منوشين حول خط الأنابيب “يوروب إشيا بايبلاين” المملوكة من الدولة في إسرائيل وشركة “أم إي دي- أر إي دي لاند بريدج” الإماراتية. وتبني الصفقة على الخط الإسرائيلي الموجود بطول 160 ميلا لنقل النفط الخام إلى مصافي النفط. ويتوقع أن يربط بشبكة خطوط السكة الحديدية في الخليج عبر أنابيب النفط السعودية شرق- غرب إما من خلال السفن أو عبر خطوط تحت الماء. وتخطط الشركة الإسرائيلية لتطوير عمليات لنقل الغاز الطبيعي بين البحر الأحمر والبحر المتوسط. واكتشفت إسرائيل الغاز الطبيعي بكميات كبيرة، ووقّعت اتفاقية مع قبرص واليونان لمدة 20 عاما، وقد تصبح مصدرا مهما للغاز إلى أوروبا.
واستخدم نتنياهو كل هذا في الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية على أمل أن يفوز بفترة جديدة يستطيع من خلالها تأجيل محاكمته بتهم الفساد. وقامت حساباته على أساس أن أي إهانة لمحمد بن زايد لأنه مزج بين الصفقات والانتخابات يمكن إصلاحها لو فاز برئاسة الحكومة الإسرائيلية للمرة السابعة.
وتتوقع الاستطلاعات تقاربا في النتائج. وستكون مفارقة أن يخسر نتنياهو الانتخابات بسبب تجاهله وازدرائه الشريك العربي الأفقر في السلام، وعلى الجانب الآخر من نهر الأردن.