معاريف: الأردن يغلق الهاتف ونتنياهو يحول الزيارة من أبو ظبي إلى “هداسا”!

السبت 20 مارس 2021 03:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
معاريف: الأردن يغلق الهاتف ونتنياهو يحول الزيارة من أبو ظبي إلى “هداسا”!



القدس المحتلة /سما/

معاريف - بقلم: ألون بن دافيد

حسم شيء ما هذا الأسبوع في المعركة الناشئة والمتصاعدة التي بيننا وبين إيران، معركة في الجو، والبحر، وفي مجال السايبر، ووحده البعد الجغرافي يمنع انزلاقها في البر أيضاً. تستند إسرائيل في هذه المعركة إلى كثير من الشركاء، وفي هذا الأسبوع بالذات نجح رئيس الوزراء في ركل شريكنا الاستراتيجي الأهم في المنطقة – المملكة الأردنية، وصديقتنا الجديدة – الإمارات. كلاهما لم يبقيا صامتين، فردّا الركلة، والسعوديون أيضاً أضافوا قدمهم إلى الاحتفال.

ظاهراً ثمة حدثان لم يكن أي سبب يجعلهما يصلان إلى الأزمة: زيارة نتنياهو إلى الإمارات التي مهد لها رئيس الموساد يوسي كوهن بعمل جم، رغم التزامن السياسي الحساس، وزيارة الأمير الأردني الحسين بن عبد الله إلى القدس، والتي هي الأخرى كان خطط لها مسبقاً. أخطأ المستوى المهني الذي تحفز نتنياهو لأن يزيد عليه من غروره القابل للاشتعال، وأصبح وصفة انتهت بالانفجار.

كان الإماراتيون على علم جيد بالتوقيت الحساس للزيارة عشية الانتخابات، ولكن أرسل كوهن ليمارس عليهم سحره. وكانوا هم، الذين يتحلون بالكياسة، استجابوا؛ فتقررت زيارة بحد أدنى في أبو ظبي من احتفال قصير، ولقاء، وفرصة التقاط صور. وفي أثناء الإعداد للزيارة التي خطط لها الخميس الماضي، لاحت مشكلة مع السعودية من غير الواضح مصدرها حتى الآن: لم تتلق الطواقم التي سافرت إلى الإمارات الإذن بالطيران في المجال الجوي السعودي. ومنعاً للمشاكل، تقرر أن يسافر نتنياهو إلى عمان في طائرة إسرائيلية وينتقل هناك إلى طائرة يبعثها الإماراتيون له.

وبالتوازي، كان يفترض أن تنعقد زيارة الأمير الأردني إلى القدس. وأدار جهاز الأمن العام “الشاباك” المسؤول عن حراسة الضيف، المشاورات مع الأردنيين حول ترتيبات الحراسة. في البداية، طلب القصر أن يصل الأمير برفقة عشرات الحراس ممن يحمل بعضهم سلاحاً طويلاً. وتمكن جهاز الشاباك من تلطيف حدة الطلب وتخفيض عدد الحراس ونوع السلاح الذي سيحملونه.

كما طلب الأمير الخروج من النطاق المغلق للحرم وزيارة الكنائس في القدس، مما حول عملية حراسته وجعلها أكثر تعقيداً بكثير. تخوف رئيس الشاباك نداف ارغمان من تكرار الحادثة التي كانت للرئيس الفرنسي جاك شيراك مع الحراس الإسرائيليين، فعارض، ربما لم يفهم بأنه يدوس على دمل أردني ملتهب ومنتفخ برواسب تراكمت ضد نتنياهو. تفجر الأردنيون غضباً وألغوا زيارة الأمير.

في ليلة الأربعاء الخميس، تبين أنهم اتخذوا رد فعل: فقد رفضوا الإذن لرحلة الطائرة الإماراتية التي كانت تنتظر نتنياهو في عمان. وفي الثالثة فجراً، أيقظوا رئيس الشاباك لحديث فيديو عاجل مع الجهات التي أعدت زيارة رئيس الوزراء إلى الإمارات في محاولة لإصلاح الضرر، ولكن الأردنيين أغلقوا الهواتف ورفضوا تلقي المكالمات من نظرائهم الإسرائيليين. أطلعت هذه المحافل نتنياهو على آخر التطورات، وهو الذي كان يفترض أن يسافر في السابعة صباحاً، وفي هذه الأثناء أصيبت عقيلته بوعكة صحية، وبدلاً من أن يسافر إلى أبو ظبي سافر معها إلى هداسا.

قشة واحدة أكثر مما ينبغي
إن رد الفعل الأردني حول ترتيبات الحراسة كان بالفعل عديم التوازن. فمع قليل من الحكمة والحساسية من الطرفين كان يمكن حل المسألة دون الوصول إلى الانفجار، ولكن رئيس الوزراء سارع لاتهامهم من على كل منصة ممكنة. في الآونة الأخيرة، أضاف مزيداً من الزيت إلى الشعلة وتبجح بأن “الأردنيين يحتاجوننا أكثر مما نحن نحتاجهم”. لعل هذا كان صحيحاً في الماضي، أما اليوم فإن التداخل بيننا وبين الأردنيين متبادل تماماً.

إسرائيل والأردن شريكان استراتيجيان وثيقان، مثلما في قول بنجامين فرانكلن: إذا لم يكن أحدهما متعلقاً  بالآخر – فسيكونان معلقين الواحد إلى جانب الآخر. معظم الإسرائيليين على غير علم بعمق الحميمية التي بيننا وبين الأردنيين، وعلى ما يبدو لن يعرفوها أبداً. فالحدود الآمنية الشرقية لإسرائيل لم تعد منذ زمن بعيد نهر الأردن، بل حدود المملكة الهاشمية التي تعتمل خلفها موبئات الشرق الأوسط، من الحرس الثوري وحتى “داعش”.

وعليه، فإن لإسرائيل مصلحة عليا في الحفاظ على استقرار المملكة. إذا سقط الأردن فسنضطر لصد كل هذه الجهات على طول 309كم من حدودنا الشرقية. إسرائيل تعمل في تعاون عسكري مع المملكة.

يدعي السوريون بأن سلاح الجو الإسرائيلي يستخدم الأردن كرواق جوي للطيران شرقاً، وكل من يعرف الجغرافيا يتخيل كيف يمكن للأراضي الأردنية أن تشكل خشبة قفز لإسرائيل إلى التهديدات في الشرق. بعد يومين من ترشيح المحادثات، بدأ الأردنيون يستجيبون لتوجهات رجال وزارة الخارجية والدفاع ممن سعوا لإطفاء الحريق. ولتجربتهم في الإهانات التي يوجهها نتنياهو، أوضح رجال القصر الملكي الهاشمي بأن قنوات العمل المشتركة لن تتضرر. ولكن عندها توجه نتنياهو لتخريب العلاقات مع الشريك الجديد – الإمارات.

بينما كان يحاول أن يعيد تنسيق الزيارة إلى أبو ظبي، جند رئيس الوزراء الإماراتيين لدعايته الانتخابية وأعلن بأنهم يعتزمون استثمار 10 مليارات دولار في إسرائيل، أو 40 مليار شيكل” على حد قوله، (واضح أن نتنياهو لم يطلع منذ زمن بعيد على سعر الدولار). وكانت هذه بالنسبة للإماراتيين قشة واحدة أكثر مما ينبغي، فأصدروا بلاغاً أديباً يوضح بأنهم ليسوا طرفاً ولا أداة في معركتنا الانتخابية. وأوضحوا عبر قنوات خاصة بأنهم لن يستقبلوا نتنياهو قبل الانتخابات، وكذا القمة مع إسرائيل والسودان التي خططوا لاستضافتها في نيسان، معلقة حتى إشعار آخر.

يبدو أن نتنياهو لم يستوعب أن سحره الدولي تبدد مع دخول بايدن البيت الأبيض. فبعد أربع سنوات كان يعد فيها كمن يحمل كل مفاتيح العاصمة الأمريكية، فإن نتنياهو بعد ترامب لم يعد “مستوى أعلى”، بل وحده، في مستواه الخاص. “هكذا ينقضي المجد”، كما كانت الفاتيكان تقول في في احتفال تعيين البابا الجديد، وفي هذه الأثناء يشعل راهب أمام البابا الوافد قطعة قماش تتآكل كتذكير على أن الإنسان بالإجمال هو أيضاً مؤقت ومتآكل. ليس في محيط نتنياهو اليوم أي راهب يمنحه درس التواضع هذا.