فجوة واسعة بين إسرائيل وأميركا حول إيران: صدام لا مفرّ منه؟

الجمعة 19 مارس 2021 08:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
فجوة واسعة بين إسرائيل وأميركا حول إيران: صدام لا مفرّ منه؟



القدس المحتلة /سما/

رغم استمرار اللقاءات بين المستويات العسكرية والاستخباراتيّة الأميركية والإسرائيليّة حول الملفّ النووي الإيراني، إلا أن هناك "فجوة واسعة" بين تقديراتها، بحسب ما صرّح مسؤولون أميركيّون وإسرائيليّون وأوروبيّون في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، نشرته اليوم، الجمعة.

ويشير المسؤولون إلى عدد من الأمور التي تشير إلى "عمق الفجوة" بين إسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تأخر اتصال الرئيس الأميركي، جو بايدن، برئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، مثل تسريب خبر الاعتداءات الإسرائيلية على السفن الإيرانيّة المبحرة إلى سورية. وذكر مراسل الشؤون الاستخباراتيّة في الصحيفة، رونين برغمان، أنّ هناك "جهات في إسرائيل كانت جاهزة خلال نهاية الأسبوع الأخير للرهان بمبلغ غير قليل أن الأميركيين هم من سرّب لـ’وول ستريت جورنال’ الخبر".

وذكر دبلوماسي إسرائيلي مطّلع على تفاصيل ما يجري في العلاقات الإسرائيليّة الأميركيّة، بتعبير "يديعوت أحرونوت": ليس فقط أنّ بايدن "جفّف" نتنياهو ولم يتّصل في محادثة عمل لفترة طويلة. وليس فقط أن بايدن عيّن في المناصب المفتاحيّة للعلاقات الخارجيّة والأمن القومي جملة من الأشخاص الذين أداروا المفاوضات حول الاتفاق النووي عام 2015... وليس فقط أن الأموال الإيرانيّة تحرّر من تجميد العقوبات لها في أماكن مختلفة حول العالم، على نطاق واسع؛ وليس فقط أن الولايات المتحدة تعلن مرارًا أنها تنوي العودة إلى الاتفاق النووي، أي أنها تضع نفسها في موقع أدنى في المفاوضات، وكأنها تركض في اتجاه الإيرانيين؛ وليست فقط أنها ترفض في المقابل إجراء نقاشات جديّة مع إسرائيل حول صورة الوضع الاستخباراتي حول البرنامج النووي الإيراني.... هي تفعل كل ذلك مع بعضه البعض.

واستندت الصحيفة في تقريرها إلى مقابلات مع مسؤولين "تظهر، استنادًا إلى المعلومات ذاتها، كيف تستطيع الدولتان الوصول إلى استنتاجات مختلفة كليًا"، بتعبيرها.

فبينما يقول ضابط "رفيع جدًا" في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي "أمان" إنه "أحيانًا يُمكن أن تُجنّ حقًا. يشبه أن تذهب إلى النافذة وفي الخارج نهار والشمس حارقة، وإلى جوارك نظيرك الأميركي الذي يقول ’لا. إنه الليل الآن’".

في المقابل، قال عنصر استخبارات أميركي رفيع سابقًا للصحيفة "أحيانًا أنا أعتقد أن الإسرائيليين واثقون أن الأميركيين ساذجون إن لم يكونوا حمقى. كيف يحدث أنه في كل مرّة خلال العقدين الأخيرين نلتقي فيها مع عناصر من أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة يقولون لنا ’العام المقبل سيكون حاسمًا’؟" وتابع "بمكن طبعًا فهم الإسرائيليّين – إيران قريبة إليهم أكثر، وتهدّدهم أكثر، لكن مع مصطلحات مثل محرقة وخطر وجودي، غير مدعّمة دائمًا بالحقائق، من الصعب جدًا إدارة إستراتيجيّة والوصول إلى نتائج نهتمّ جميعًا بها".

خلافات في التقديرات لا في المعلومات... باستثناء مجال واحد

وبحسب التقرير، فإنّ في مركز الخلافات بين البلدين توجد فجوة حقائق "صغيرة جدًا، إن وُجدت"، حول إلى أي مدى خرقت إيران التزاماتها من ناحية كميّات اليورانيوم المخصّب عندها، وكم من الوقت ستحتاج لتحويلها إلى مخصّب بمستويات عسكريّة عندما تتاح لها الفرصة، وفي أيّ وضع وصلت أجهزة الطرد المركزي المتطّورة عندها والصواريخ، وأي نوع من المساعدات ووسائل القتال تمرّر إيران إلى "منظمات إرهابيّة" في الشرق الأوسط. "النقاش هو حول ماذا نفع بهذه المعلومات، وما هو الحدّ الأدنى من وسائل الأمن التي يجب على الاتفاق النووي الجديد أن يحويها لضمان عدم حصول إيران على قنبلة".

لكنّ هناك مجالا كبيرًا واحدًا فيه انقسام حول الحقائق نفسها، هو مسألة وجود "مجموعة التسليح" ووضعها الآن. وتدّعي إسرائيل أن "مجموعة التسليح" هي مجموعة أجهزة سريّة مسؤولة عن تطوير آلية الانفجار نفسه، التي تدخل إليها نواة اليورانيوم وتبدأ بالانشطار النووي. كما تدّعي إسرائيل أن العالم النووي الذي اغتالته، محسن فخزي زادة، رأس هذه المجموعة، حتى اغتياله.

بينما تشكّك الولايات المتحدة في وجود مجموعة من هذا النوع، منذ أول حديث إسرائيلي عنها عام 2004.

خلافات بعد الانسحاب من الاتفاق النووي

وخلافا للانطباع أن الخلافات الإسرائيلية - الأميركية هي حول ما جرى في السابق، قبل الاتفاق النووي، إلا أن الجديد الآن هو حول الإجراءات التي أعلنت عنها إيران بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي عام 2018.

وبحسب الصحيفة، فإنّ مصنعين إيرانيين بدأ بإنتاج أجهزة الطرد المركزي، التي رُكّبت في البداية فوق الأرض، قبل أن تنقلها إيران إلى ما تحت الأرض بعد تفجير الموساد لمفاعل نطنز عام 2020. ومعظم هذه الأجهزة من طراز IR1 القديم، لكنّ أجهزة متطوّرة أكثر تنتُج وتُركّب بالمئات.

وتملك إيران اليوم، وفق ما نقلت الصحيفة عن تقديرات الأجهزة الاستخباراتيّة، مواد مخصّبة بدرجة 3.5% تكفي لإنتاج ثلاثة قنابل تقريبًا. "إن مضت إيران قدمًا وخصّبت كل ما تقدر عليه، فباستطاعتها الوصول إلى درجة تخصيب عسكريّة (فوق 90%) خلال خمسة أشهر". كما بدأت إيران وفق المصادر ذاتها بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو تحت الأرضيّة، وهي المنشأة التي تخشى إسرائيل كثيرًا منها بسبب صعوبة تدميرها. "أهميّة التخصيب في فوردو ليس بكميّة التخصيب، إنما في مسار التخصيب نفسه، الذي هو خرق فجّ للاتفاق النووي".

لكنّ هذا لا يعني، وفق الصحيفة، إن لدى إيران قدرة عسكرية نووية. "لتركيب قنبلة أنت بحاجة إلى آلية تفجير. وهذا ما تفعله ’مجموعة التسليح’ الغامضة، التي تبقى نقطة خلافية مركزيّة".

وتستند إستراتيجيّة إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذريّة بسوء الاتفاق النووي على 3 عناصر، وفق الصحيفة، هي:

أولا: كانت لإيران خطّة نووية عسكريّة أطلق عليها اسم "آماد"، أشرف عليها فخري زادة، أغلقت في العام 2003. وثائق الأرشيف النووي الإيراني التي سرقتها إسرائيل عام 2018 تثبت قيام المجموعة وأنها أوسع ومتطوّرة أكثر مما كان معروفًا إلى ذلك الحين.

ثانيًا: تدّعي الاستخبارات الإسرائيليّة أن إيران لم تدمّر مكوّنات "مجموعة التسليح" (الأجهزة، المنتجات، المعلومات، والمواد الخام)، وهي مواد خاصّة للبرنامج العسكري، إنما تحفظها في جملة من المواقع السرية التي تخفيها عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ثالثًا: تدّعي إسرائيل أن هذه المجموعة واصلت نشاطاتها منذ العام 2003، وحتى بعد التوقيع على الاتفاق النووي في المواقع السرية ذاتها، بما في ذلك تطوير أول منشأة عسكرية على أساس المعرفة التي اشترتها من دول أخرى.