إسرائيل اليوم - بقلم: البروفيسور أبراهام بن تسفي "يشكل تقرير الاستخبارات الشامل الذي نشر أمس بكامله في واشنطن مدماكاً مركزياً آخر ومفعماً بالتوتر في منظومة مواجهات آخذة في الاحتدام بدأت تتجسد فور أداء بايدن اليمين القانونية كالرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، وقد يعيد علاقات القوتين العظميين في نفق الزمن مباشرة إلى عصر الشرخ الجوفي للحرب الباردة.
وبالفعل، أمامنا حدث تأسيسي آخر، يشير إلى أن الخصومة بين واشنطن وموسكو، التي هدأت ظاهراً وطواها النسيان في أثناء السنوات الأربع للرئيس ترامب، عادت بكامل شدتها إلى مركز الساحة الدولية، وتلقي بظلالها على منظومة العلاقات الأمريكية – الصينية التي كان يفترض أن تشكل محوراً مركزياً من الصدع والخلاف في السنوات القريبة القادمة.
في مركز التقرير الاستخباري ثمة قول قاطع بأن الكرملين تدخل مباشرة، مرة أخرى، في حملة الانتخابات الأخيرة للرئاسة الأمريكية. وذلك حين كان في مركز جهوده محاولة ربط المرشح الديمقراطي بايدن وابنه هنتر بصفقات اقتصادية خفية وفاسدة في أوكرانيا، وهكذا توجه ضربة قاضية لمكانته واعتباره الجماهيري عشية حسم صناديق الاقتراع.
لقد فعل ترامب – الذي شخص منافسه بايدن بصفته المرشح الديمقراطي الأخطر–كل ما في وسعه، ابتداء من العام 2018، للتأثير على رئيس أوكرانيا فلاديمير زلنسكي للتحقيق في هذه الشبهات، وكان هو الأساس لخطوة العزل الأولى التي بادر إليها مجلس النواب ضده.
أما هذه المرة، فكل الخيوط تقود مباشرة إلى الرئيس بوتين نفسه، الذي كان -حسب التقرير- هو اليد القائدة والمواجهة، التي تدخل (ولا سيما من خلال محامي الرئيس رودي جولياني، ومقربين من روسيا في الساحة الأمريكية) في حملة الانتخابات كي يضعف مكانة بايدن ويضمن لصديقه ترامب أربع سنوات حكم أخرى.
ليس غريباً أن كان رد فعل الرئيس على التقرير غاضباً، بل وشكل خروجاً عن التقاليد بشكل بارز حتى بالنسبة لأسلوبه الحذر والمنضبط، وبعيداً سنوات ضوء عن الأسلوب الخطابي لسلفه في المكتب البيضاوي. فبايدن لم يهدد فقط الرئيس بوتين بأنه سيتحمل المسؤولية عن نتائج أفعاله ويدفع ثمنها، بل ولم يتردد في وصفه قاتلاً.
وهكذا ارتبط الغضب الرئاسي على مبادرة بوتين (بعد أن سبق أن تدخل في حملة الانتخابات في 2016 كي يضر بمكانة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون) للتخريب على سباقه نحو البيت الأبيض، والإحباط في ضوء استمرار حربه التي لا هوادة فيها من جانب بوتين ضد منتقدي النظام، والتي كان أحد تعابيرها محاولة تسميم أليكسي نافالني وإرساله إلى فترة حبس بعد عودته إلى روسيا، رجل رفع مستوى التوتر في علاقات واشنطن مع موسكو إلى درجة لم تشهد مثيلاً منذ انهيار الإمبراطورية السوفيتية.