ذكري لإمام الحسين رضى الله عنه ،،، محمد سالم

الأربعاء 17 مارس 2021 03:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
ذكري لإمام الحسين رضى الله عنه ،،، محمد سالم



يا عترة لمختار يامن بهم    يفوز عبدٌ يتولاهمُ

 

أُعرفُ في الحشر بحبّي لكم  إذ يُعرَف الناس بسيماهمُ.

نورت مصر ارض الكنانة يا سيدنا ؛فأنعم بمقدم أبي الشهداء. في مثل هذه الايام المباركة ولد الإمام الحسين (أبا عبد الله) رضى الله عنه، في الثالث من شعبان سنة أربع من الهجرة، بعد نحو عام من ولادة أخيه الحسن رضى الله عنه، فعاش مع جده المصطفى ﷺ نيفًا وست سنوات . هو : الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ، أبا عبد الله ، ريحانة النبي ﷺ وشبهه من الصدر إلى ما أسفل منه ولما ولد أذن النبي ﷺ في أذنه ، وهو سيد شباب أهل الجنة وخامس أهل الكساء

 

أمه السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله ﷺ سيدة نساء العالمين. وأبوه سيف الله الغالب سيدنا الامام عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه. وقد روى الحاكم وصححه عن الرسول ﷺ قال: "حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اللهمَّ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ". وروى ابن حِبَّانَ وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر عنه ﷺ أنه قال: "من سَرَّهُ أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة؛ فلينظر إلى الحسين بن عليٍّ رضى الله عنه".

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما ولد الحسن سميته حربا فجاء رسول الله ﷺ فقال : " أروني ابني ما سميتموه " قلنا : حربا قال : " بل حسن " . فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء النبي ﷺ فقال : " أروني ابني ما سميتموه " قلنا : حربا قال : " بل هو حسين " .

وقد استشهد سيدنا الامام الحسين، وله من العمر سبعة وخمسون عامًا، واستُشْهِدَ في يوم الجمعة أو السبت الموافق العاشر من المحرَّم في موقعة كربلاء بالعراق، عام إحدى وستين من الهجرة. قتله حولي بن يزيد الأصبحي، واجتزَّ رأسه الشريفَ سنانُ بن أنس النخعي، وشمر بن ذي الجوشن، وسلب ما كان عليه إسحاق بن خويلد الخضرمي. وقد شهد الحسين مع والده واقعة (الجمل)، و(صِفِّينَ)، وحروب الخوارج وغيرها، كما شارك بعد وفاة أبيه في فتح أفريقيا وآسيا، كما سجَّله سادة المؤرخين.

 

وقد دفن جسده الطاهر بكربلاء بالعراق، أمَّا الرأس الشريف فقد طيف بها إرهابًا للناس حتى استقر أو حُفِظَ بعسقلان، من ثغور فلسطين على البحر المتوسط، ثم لما اشتعلت الحروب الصليبية، وخاف الخليفة الفاطمي على الرأس؛ فأذن وزيره (الصالح طلائع بن رزيك) فنقلها إلى مصر بالمشهد المعروف بها الآن، بتحقيق أعلم المؤرخين وأصدقهم .

وهي تجذب إليها الزائرين على عكس كل الأماكن المنسوبة لسيدنا الحسين في العالم، وذلك أن رأسه الشريف قد استقرت بالقاهرة فنوّرتها، وباركتها، وحرستها إلى يوم الدين، فالحمد لله رب العالمين.

ويقول كاتب العربية الأكبر عباس محمود العقاد في مقدمة كتابه الجليل " الحسين أبو الشهداء" مسكينة هذه الانسانية! لاتزال في عطش شديد الى دماء الشهداء, بل لعل العطش الشديد يزداد كلما ازدادت فيها أفات الأثرة والأنانية ونسيان المصلحة الخالدة في سبيل المصلحة الزائلة، أو لعل العطش الشديد الى دماء الشهداء يزداد في هذا الزمن خاصة  دون سائر الأزمنة الغابرة .. الوحدة الانسانية حقيقة واقعية في كل شئ الا في ضمير الانسان وفى روح الانسان وهذا هو المهم الاهم اذا اريدت للإنسانية وحدة صحيحة صالحة جديرة بالدوام.

 ولن توجد هذه الوحدة الا اذا وجد الشهداء في سبيلها . فأنعم بمقدم " أبي الشهداء" من جديد الى ضمائر فريق كبير من بنى الانسان, لعلهم يقدمون رسالته خطوة واحدة أو خطوات في سبيل اليقين والعمل الخالص لوجه الحق والكمال. يمضى الأستاذ العقاد فيقول : فلا تتحقق مصلحة الانسانية الا اذا عمل لها كل فرد من افرادها ، وهانت الشهادة من أجلها على خدامها ، وتقدم الصفوف من يقدم على الاستشهاد ومن ورائه من يؤمن بالشهادة والشهداء.. ثم يؤكد العقاد قيمة الاستشهاد كضرورة للتقدم الانساني ؛ويري أنها حقيقة تقرر كما تقرر الحقائق الرياضية , فلا بقاء للإنسانية بغير العمل لها ؛ ولا عمل لها ان لم ينس الفرد مصلحته ، بل حياته في سبيلها.. لا بقاء للإنسانية بغير الاستشهاد.. وفى الآونة التى تتردد فيها هذه الحقيقة في كل زاوية من زوايا الأرض نلتفت نحن أبناء العربية الى ذكرى شهيدها الأكبر فنحنى الرؤوس اجلالا لآبي الشهداء.. سيدنا الأمام الحسين ابن مولانا الامام علي بن أبي طالب رضوان الله عليه. ولم أجد على كثرة ما قرأت في ملحمة استشهاد سيدنا الامام الحسين رضوان الله عليه، اروع من هذه الكلمات التى سطرها الأستاذ العقاد ، وأنا اتحسس طريقي على استحياء الى محراب الحسين اتفيأ ظلال الدوحة العظيمة التى غرس بذرتها في ذلك اليوم الخالد من عاشوراء عام 61 هجرية ، ثم لم تلبث أن تشابكت اغصانها وتفرعت لتعم الجنس البشرى.

ولسوف تمضى القرون والعهود وتظل هذه الدوحة مورقة فيحاء يحتمي بها الانسان كلما اكتوى بنار الظلم والأثرة والاحتلال والطغيان وكلما أضناه الشوق الى نور العدل والحق والإنصاف؛ ولكن الجديد في دوحة الحسين أنك لا تجلس في ظلالها جلوس العاجز البائس المستكين.. ولكن جلوس الفارس الذي يتزود معين العزم والجلد والصبر ثم يستأنف المسير ويواصل الكفاح دون النظر الى نتيجة المعركة .. خسر أم كسب ! عاش أم قتل ، فالشهداء لهم حسابات خاصة تختلف عن حسابات العجزة والقاعدين ، وانما هم ينظرون الى بعيد وعلى ظهورهم أوزار قومهم ؛ وفى قلوبهم هموم الناس جميعا ؛ ونصيب أعينهم اليوم الذي ينتصر فيه العدل ، ويندحر الاحتلال والضلال  ويسود الحق وينهزم الظلم ؛ وتتحقق السعادة لهذا الانسان الذي جعله الله تعالى خليفة في الارض فبغى بعضهم على بعض ، واستأثر بالنعمة الاقوياء والطغاة ؛ وكانت المظالم نصيب الفقراء والمستضعفين.

كان من الجائز أن يقعد الامام الحسين ، في بيته منعما مكرما كما قعد غيره ، او يؤثر الصمت وينشد السلامة كما فعل الأكثرون, والنهازون والوصوليون يغرفون من أموال الناس بغير حق.. نعم لم يشأ سيدنا الحسين أن يكون من القاعدين ؛ ومضى الى قدره غير هياب ، ولا حاسب حساب القوة الجبارة التى سيوجهها بعد حين. وما ظنك برجل يواجه دولة بجيشها وسلاحها وحديدها ونارها, وليس معه من الرجال سوى نفر قليل! ولكنها المواجهة بين المثل العليا والمبادئ النبيلة في قوتها و وهجها ، وبين السلطة الغاشمة في ضعفها وخوائها المتخفي بستار زائف من القوة العضلية ,وهي المواجهة بين صاحب الحق في يده سلاح التضحية والايمان والفداء , وبين الغاصب الذى يدافع عن منافع دنيوية رخيصة ، فيخسر الاول معركة الفناء , ويكسب الى أبد الآبدين, ويكسب الثاني معركة الباطل ويخسر نفسه في سجل التاريخ , ولعل هذا المعنى الذي أشار اليه امير المؤمنين سيدنا الامام على بن أبي طالب ، في هذه الكلمات المستنيرة: ليس من أراد الحق فأخطاء كمن أراد الباطل فأصابه.

ولك ان تنظر الان الى النتائج النهائية لهذه المعركة بعد ان انقشع غبارها منذ نحو اربعة عشر قرنا ، ولك أن تسأل نفسك : من الذي كسب ؟ ومن الذي خسر ؟ وسوف تجد الجواب في قلوب الملايين التى عاشت هذه القرون وهى تلهج بعطر السيرة وبذكر سيدنا الامام الحسين؛  وتلعن القتلة. نعم .. أين قتلة الحسين في صحائف التاريخ؟ هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ذكرا ؟ هل تسمع عن هذه العصبة الباغية التى فقدت عقلها وضميرها وروحها وتطاولت على ابن بنت سيدنا رسول الله, ثم عادت تقبض ثمن شجاعتها وفروسيتها !! أو قل ثمن نذالتها وخستها !! لن تجد ذكر واحد من هؤلاء الأوغاد الا مصحوبا باللعنات, مقرونا بالازدراء.

أين الامام الحسين من هذا كله ؟. انك تراه في معاني العدل والشرف والتضحية والشجاعة والفداء والفروسية ، وقد تحول الى رمز لكل هذه القيم النبيلة، تراه في بطولات الشهداء الذين تأسوا به وساروا على دربه واسترخصوا الدنيا من أجل المثل العالية ، وهانت عليهم الحياة الفانية، شوقا الى حياة المجد والخلود, نراه في صدور المناضلين .. نراه في تضحيات ابناء شعبنا الحر الكريم ؛ الذين يؤرقهم الاحتلال والظلم ويؤذيهم الاستبداد والطغيان فيهبون لإزالة هذه التشوهات التى تقبح الإنسانية ؛ وما اقبح الاحتلال وسرقة الاوطان, الذي يجعل الحياة كئيبة سقيمة . وتحت شعار المقاومة التقت ارادة الحسين مع ارادة الصفوة المباركة من أبنا الصحابة وقد جمعت بينهم استار الكعبة.

يوم عاشوراء

وما ان اشرقت شمس السبت المشؤم – العاشر من المحرم – حتى تهيأت الفئتان للقتال , وأطل سيدنا الامام الحسين ، على أعوانه وهم اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا . وامتطى الحسين فرسه ، وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه ، ثم استقبل القوم رافعا يديه ؛ بينما وقف عمر بن سعد في مواجهته ومن ورائه أربعة الاف رجل او يزيدون من جند العراق, وتقاربت الفرسان وخيم الصمت على المكان فلا تسمع سوى وجيب القلوب وهى تخفق اشفاقا على هذه الفئة القليلة التى تخوض معركة غير متكافئة ، ورفع مولانا الحسين يده فعلم الناس أنه سيتكلم ، فتسمرت الخيل .. وسكنت الألسنة ، واشرأبت الأعناق ، ونادى الحسين ، أيها الناس .. اسمعوا منى نصيحة أقولها لكم ، فان قبلتم منى وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن علي سبيل ، وان لم تقبلوا منى " فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الى ولا تنظرون " .. ثم أخذ يذكر للناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه ، لعل القوم يراجعون أنفسهم قبل أن تتلاحم السيوف وتقاطر الدماء , فقال : راجعوا أنفسكم .. وحاسبوها ، هل يصلح لكم قتال مثلى!! وأنا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيرى؟ وعلى أبي ،  وجعفر ذو الجناحين عمي ، وحمزة سيد الشهداء عم أبي ، وقال لي رسول الله  ولأخي: " هذان سيدا شباب أهل الجنة " فان صدقتموني  بما أقول فهو الحق ، فو الله  ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت الكذب ، أما تتقون الله ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمى؟ ولم تصب كلمات الحسين شيئا من قلوب اعدائه وقد صدات وتمكن منها الحقد والغل حتى لم تسمع ، ولا تعي ولا تحس ولا تشعر ؛ ولو كانت الصخور هي التى تسمع كلمات الحسين لذابت رقة وحنانا ، ولكنه قلب الانسان حين يصيبه العفن فيصير اشد قسوة من الصخر.

نعم لم يحفل بالقوة القاهرة التى لا تقاس اليها قوة الصحبة المعدودة من أهل بيته والنفر القليل من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هل اخطأ اذ لم يخضع حركته لموازين القوة المادية وحسابات الكر والفر والمكسب والخسارة؟ وما عسي أن يلقاه من بطش الجبارين المتعطشين الى الدماء؟ هذه القضية كانت ولم تزل – مثار جدل بين المؤرخين والباحثين في طبيعة النفس الانسانية حين تتغلب عليها فكرة الاستشهاد فتستهين بالموت وتهزا بالحديد والنار وتسخر من الجبابرة ؛ ولا تعبأ بالنتيجة العاجلة للمعركة، لآن الشهداء لا يتعجلون الثمن وإنما يجنون ثمار جهادهم في الأمد البعيد ؛ و كمثل اعلى في البطولة والفداء فالبطل حين ينوى التمرد على الاحتلال و الظلم والفساد لا يحسب حسابا للقوة التى سيوجهها . وانما عليه أن يقول كلمته ويرفع لواء المقاومة أيا كانت نتيجة المواجهة ، لقد خرج ليستشهد.. ولم يخرج ليساوم أو يفاوض أو يقامر على المبادئ النبيلة التى أمن بها.

 

وهنا سأترك الرد للذين يرون في خروج الامام الحسين امرا محتوما ، حتى تظل ينابيع الخير والشرف والنبل والسمو تفيض بعطائها على المجتمعات الانسانية ، وحتى تظل النفس الانسانية على ثقة من انتصار الخير واندحار الشر ؛ ولن يتم ذلك الا على دماء الشهداء .. فالتقدم الانساني رهين بظهور هذه الفئة من الرواد والابطال وفرسان الحق والشهداء ، و بدونهم تتحول المجتمعات البشرية الى غابات تمرح فيها الوحوش الكاسرة ؛ وينمحي فيها صوت الحق والعدل والحرية . فالسلام عليك يا أبا عبد الله وعلى  الأروح التى حلت بفنائك ، وأناخت برحلك ، عليك منى سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار, ولا جعله الله أخر العهد ، السلام على الحسين وعلى على بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.