لا يمكن لمن يرصد رسومات الفنان د.علاء اللقطة الكاريكتيرية إلا الإقرار بأن صاحب هذا الخيال هو في الحقيقة مفكر تتمدد آراؤه خلف خطوط القلم على شكل لوحات فنية توثق لأحداثٍ ووقائع تاريخية في المشهد الفلسطيني السياسي والإنساني والنضالي، ومثيل لها في الساحتين العربية والإسلامية.
إن د. علاء اللقطة هو إنسان متميز يفكر بريشته، ويقدِّم رأيه على شكل لوحة تختصر كل الشروحات والتأملات لتبلغ عقل المشاهد كجرعة مركزة من حبوب الفهم، التي لا يحتاج معها المطالع للوحة إلى قراءة تحليلية قد تصيب أو تخطئ.
لوحات د.علاء اللقطة الكاريكتيرية في سياقاتها السياسية هي من فصيلة "السهل الممتنع"، حيث يشعر الإنسان القارئ لها بنظرة فاحصة أنه أمام فيلسوف ومفكر عالمي ينثر أفكاره وينشرها عبر ريشته، بحيث تصل إلى كل العقول، وتلمس شغاف قلوب البسطاء والمثقفين، ولا تختلف الرؤى حول المعاني والأبعاد المقصودة من ورائها.. فمرامي القصد الذي خطه د. علاء بيراعه، هو ما تشاهده على الورق، كما استبطنه الفنان صاحب الريشة والألوان، وليس هناك شيء آخر غير ما تلتقطه العين مع أول نظرة.
لقد سمعت باسم علاء اللقطة منذ كان طالباً في رومانيا خلال فترة التسعينيات، حيث كان أحد ابناء أختي يدرس معه في كلية الطب هناك، ثم تابعت روسوماته في أكثر من مجلة وصحيفة هنا وهناك. ولعل الذي شدني إليه إبداعاته الفنية، وتعبيراته التي تفوقت على كل ما كنت أكتبه من مقالات، فكنت أستجير بما فيها من روعة وفكر لتزيِّنَ صفحات الكتب التي كنت أنشرها، وخاصة سلسلة (الإنسان موقف)، وهي عبارة عن عشرة مجلدات، احتضنت بين دفتيها أوسع استضافة من تلك الرسومات، والتي وصلت لأكثر من 200 لوحة، تطابقت في معانيها وأفكارها مع مقاصد التحليلات السياسية المنشورة في تلك المقالات .
كان د. علاء دائماً كريماً وصاحب جود وعطاء، فلم يتقاضَ أجراً مني مقابل هذه اللوحات الفنية، واعتبر أن كل ذلك هو هدية منه للوطن، ويقدمه باعتباره "صدقة جارية"، وعملاً في ميزان حسناته.
في عام 2009، التقيت د. علاء في القاهرة بأحد الفنادق خلال إحدى زياراتي لمصر، وكان وقتها يقيم بمدينة نصر، فكانت فرصة لمعرفته أكثر، وتبادل الحديث معه في شؤون السياسة والأدب، وكيف جاء من عالم الطب ومشرط الجرَّاح إلى فضاء الإعلام وقلم الفنان.. كان لقاءً ممتعاً، فليس من شاهد الرجل وحاوره كمن سمع عنه، إذ وجدت فيه حقيقة إنساناً يجمع بين التواضع ونبل المواقف، وله من سمت الأدب ما يسمح لنا بالقول، "وكان في أخلاقه آية".
كم هي المرات التي أكرمنا فيها برسومات طلبناها منه، فكان في عطائه سخياً كالريح المرسلة، حيث أعاننا بريشته التي باركت أكثر من عمل فكري لنا وواجهة كتاب.
إن د. علاء هو فنان فلسطيني أصيل يقف اليوم بجدارة على سُلَّم الشهرة والعالمية، وقد أخذت لوحاته طريقها للكثير من الصحف والمجلات على الساحتين العربية والغربية، واسمه في المخيال الفلسطيني إلى جانب الفنان المبدع ناجي العلي (رحمه الله)، وآخرين ممن سمو في عالم الفن، أمثال سمير منصور وعماد أبو إشتيوي، وإن كانت ريشة كل واحد منهم قد سلكت في تعبيراتها عن الحالة الفلسطينية نهجاً فنياً يختلف.
لقد أعطى د. علاء اللقطة للمظلومية الفلسطينية تحت الاحتلال مشهداً فضح فيه جرائم إسرائيل العدوانية بحق الإنسانية، وأعطى للطفل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية حقها من البطولة وصناعة الملاحم النضالية، والتي استحوذت صورها على الذهنية العربية والإسلامية، وجسَّدت حضورها عبر الكوفية والحجر والمقلاع في الساحات العالمية، كونه مناضلاً من أجل الحرية.. فالحجر بيده هو سلاحه في وجه المحتلين، والعلم الذي يرفعه عالياً متحدياً جيش المعتدين هو علم بلاده فلسطين، والشيخ بمقلاعه يوجه رسالة للعالمين: لا.. لن نستكين.
ومع كل حدث فلسطيني كنا ننتظر رؤية لوحته الفنية بلهفة وشغف، فكم هي المرات التي غردنا له إعجاباً قائلين: ما أروعك يا علاء، لقد أصبت كبد الحقيقة، وسبقتنا جميعاً في إيصالها للكبير والصغير، ولصاحب العقل ومن هو بوعيه فقير.
في وطني الكثير ممن حفروا أسماءهم بتضحياتهم، وتركوا خلفهم بدمائهم بصمة وأثراً، فيما أنت قد تركت بمداد قلمك وأصباغ مرسمك لوحات فنية تعيش معنا في وجداننا، وتُخلَّد على صفحات الكتب، وتزيِّن جدران المكاتب وفضاء المكتبات، فأنت لشعبك بعطائك أيقونة ولقطةٌ في العلاء.