لا جديد في فصل القدوة ..عدلي صادق

الخميس 11 مارس 2021 02:04 م / بتوقيت القدس +2GMT
لا جديد في فصل القدوة ..عدلي صادق



 على الرغم من انحطاط التجرؤ في قرار عباس، على فصل عضو اللجنة المركزية المنتخب ناصر القدوة؛ إلا أن الأمر لا يحمل جديداً، وإن كان فيه جديد، فهو ميّزة لناصر القدوة؛ إذ لم يعد واحداً من مجموعة الغانعين المعرضين يومياً للإهانة، بلسان رجل بذيىء، يشتم آباءهم، ويجعلهم مرشحين للتوغل أكثر فأكثر، في العدم وفي الشحوب!
فلا القدوة ولا غيره، من أعضاء ما يُسمى "المركزية" يمكن أن يؤثر في سياقات عباس أو يخفف من قبحها. فجمبعهم مفصولون موضوعياً. والأكرم لكل منهم أن يغادر، إن كان صادقاً مع نفسه، وعندئذٍ سيكون في قلب حركته وفي قلب المشهد.  
فوائد مثل هذا الإنحطاط كثيرة. أولها أن الذين يكابرون ويسايرون عباس، يشعرون الآن في دواخلهم، أن مثل هذا المنزلق الجديد، لرجل يحاول أن يتلطى بمظهر الحرص على وحدة حركة فتح؛ إنما هو في المحصلة، برهان خيبتهم. فليس القرار قرارهم، وإنما أُخذوا اليه عنوة، تحت ثقل السطوة المتأتية لعباس داخل المنطقة العسكرية المركزية للإحتلال، أي الموضع الوحيد، الذي بمقدور الشخص الرعديد تاريخياً، أن يطرح نفسه فيه، صاحب قرارات لا تُرد. ففي غير موضع، كان الفلسطينيون سيجعلونه عاجزاً عن التجرؤ، متزلفاً يُحابي حتى الضعفاء، ويخشى أقل الهدير، ويحسب كل صيحة عليه، مثلما كان في غزة في العام 2005. فما يلائمه، هو حركة سياسية مأزومة وضعيفة وقليلة الحيلة، تطيعه صاغرة، لأن كادرها المتقدم في السن، يخشى أن يفقد قوت يومه وينكشف أمام أولاده وأحفاده،  في بقايا عمره!
إن مثل هذه الأوضاع، لأية حركة سياسية يجري فصلها عن نظامها، وفصلها عن كتلتها الشعبية، للمرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني، تكون فاقدة للأهلية، وللحد الأدنى من القدرة على المبادرة، وهذا ما ظل يثابر عليه عباس،  منذ أن تسلم موقع الرئاسة، بعد الشهيد الزعيم الباسل ياسر عرفات.
مجموعة الخانعين، تعرف أن صاحب قرارات الفصل، لا يجرؤ على المساس بدور عناصر التنسيق الأمني، ولا عناصر الإتصالات الودية مع المحتل حتى في أكثر مراحل الإحتلال ولوغاً في دم الفلسطينيين. فالشرط الأول والأساس، لسهولة الفصل، هو أن يكون للاحتلال اعتراضاته على الخطاب السياسي للمفصول، وعلى النشاط الإجتماعي له، وعلى التوجهات التي يتبناها وتنطوي على أفكار للإصلاح أو التغيير أو إعادة فتح الى حيويتها والى دورها الوطني الرائد.    
هذا الرجل، لا يملك فعلياً أكثر من قلمه الأشول. فالمفصولون بقلمه، ملتصقون أكثر بشعبهم وحركتهم، رُغماً عن أنفه. والشواهد ماثلة الآن أمام الناس، ويتحداه المفصولون أمام الصناديق، في حال إجراء انتخابات تؤمن الحقوق الدستورية للناس في الترشيح والتصويت. صحيح أنه حرص على تأسيس حال التباغض الشامل بين المسايرين، وهو حال كفيل بإنتاج الفوضى والصراع من بعده، وهذا عمل خسيس ولا وطني؛ لكن الصحيح أيضاً، أنه بما فعل، يمنح دون أن يدري، كل من وقف على النقيض منه في حياته، شهادة جدارة في العمل الوطني وفي الوفاء لحركة الشهداء والثوار الميامين. وليس موعدنا مع سطوع هذه الحقيقة ببعيد!
سيكون أكرم مئة مرة، للمفصول عباسياً، من أن يبقى معه مُقرباً لشخصية لم تُعرف عنها قيمة أو ميزة حميدة، لا على المستوى الإنساني والإجتماعي، ولا على مستوى صفة الزهد والنزاهة المُفترضتين في قادة العمل العام، ولا على مستوى الخيارات في الناس، ولا على مستوى الوفاء لذوي الفضل عليه من الأصدقاء القدامى والزملاء في الحركة، ولا في علاقة القائد الوطني بالمال. فالرجل صاحب تجربة فجّة ورعناء في تأمين الثراء لأولاده، ولسانه منقوع في الكذب، ولا شيء فيه، في التقييم العام، يمكن أن يتيح لمن يطاوعونه المفاخرة بشيء!
فلماذا، إذاً، الأسف على فصل ناصر القدوة، الذي أدى دور صوت فلسطين في الأمم المتحدة، وتدرج قبل ذلك في العمل الطلابي، أي في جوهر العمل الذي انبثقت عنه الحركة التي أطلقت ثورة معاصرة وكفاحاً مُضنياً؟
لا أسف على ما يصدر عن رجل من هذه الشاكلة، يأمن على نفسه ويستأنس بالمنطقة العسكرية المركزية للإحتلال. ولا أسف على عضوية في "مركزية" وصف هذا الرجل أعضاءها، قبل أكثر من عشر سنوات (في حديث لكاتب هذه السطور، وكان أحد الأعضاء حاضراً وسامعاً) بأقذع الأوصاف، حتى راق له أن يختزل صفتهم جميعاً بــ "الخروات". 
الكلام المفيد، هو أن الوطنيين باتوا أمام إشكال ومهمة. الأول، هو أن من يتحكم في مسار حياتهم السياسية، رجل وضيع، لا يتورع عن عمل أي ذميمة، والمهمة أن إزاحة مثل هذا الوباء أصبحت واجبة. ففي حضوره، لا انتخابات ديموقراطية، ولا إصلاح، ولا استعادة للمؤسسات الدستورية، ولا خروج من عنق الزجاجة. وهناك في المهمة واجبات فرعية، تتلخص في مخاطبة الإقليم والعالم والضاغطين لإجراء انتخابات تحقق تمثيلاً معقولاً للشعب الفلسطيني، لكي يتدخلوا للمساعدة على كف يد عباس عن الناس، ووقف ممارساته استئناساً بالدائرة الأمنية الإستراتيجية، للمنطقة العسكرية المركزية للإحتلال.
يتوجب على كل من تبقى في الغيبوبة أن يصحو. فمثل هذا الرجل، لا يُرجى منه شيء، وهو مُجرّب. ثم إن الفصائل الوازنة، ستخطيء خطأ عمرها، إن طاوعته أو ظلت تطاوعة، مثلما فعلت في قراراه تشكيل محكمة الإنتخابات، توطئة للتحكم في شكل خارطة المنافسة الإنتخابية. فلم يهد هناك شيء يخفى على الناس.