إنقاذ ما يمكن إنقاذه..سما حسن

الخميس 11 مارس 2021 12:18 م / بتوقيت القدس +2GMT



ينبغي علينا عندما نقرر الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، أن لا نحتفل بمَن حققن الاستقلال المادي مثلاً مهما كانت ظروفهن الاجتماعية، وألا نصيخ السمع للنساء اللواتي يرين أنهن مظلومات، ليس كثيراً علينا ان نسمع لمن يقمن بدور الضحية، وربما أوقع ظلماً ببنات جنسي، لكني لست باحثة إلا عن النساء المظلومات بصمت، والمقهورات بصمت والمغيبات عن الحياة، واللواتي يواصلن دورهن كضحايا حتى آخر رمق بكل اقتدار.
ربما يواصلن دورهن مستسلمات، وربما هن غافلات، وعلينا في يوم المرأة مثلاً، وفي يوم الأم المصادف في الحادي والعشرين من الشهر نفسه، شهر آذار، أن نطلب من كل امرأة أن تقف وتتأمل حالها، وترى نفسها جيداً وتسأل نفسها إلى متى أقوم بنفس الدور وكأني أدور في دوامة لا بداية لها ولا نهاية؟ متى سوف أحصل على إجازة من هذا كله؟ متى سوف أشعر بالراحة؟ متى سوف أحصل على إجازة بعد هذا التعب والمعاناة؟ متى علي أن أتوقف عن دوري في المطبخ لأني استمتع بتعليقات من حولي أن طعامي شهي وأنه لا يتكرر، وأن عليَّ ان أتوقف عن سماع الكلام الذي يردده من حولي لمجرد ان يستغلوا مشاعري ويستنزفوا طاقتي حتى آخر رمق؟
كل امرأة بحاجة لإجازة، ربما تكون الإجازة في الأربعينات او بداية الخمسينات من عمرها، بعد أن يكبر الأولاد ويستطيعوا الاعتماد على أنفسهم، لكن عبارة واحدة من أحدهم كافية لكي تستمر الأم المسكينة بدورها: ما بأحب الشاي إلا من تحت إيدين أمي....
 وهذا يعني ان الأم تستمر بإعداد الشاي والوقوف بجوار الموقد في عز البرد، وفي عز التعب فقط لأنها طربت لكلمات ابنها، وهو في الحقيقة ابن كسول، ومتواكل، ويريد أن يصله كل شيء دون تعب حتى حافة فمه لو استطاع.
 أما الابنة المتزوجة فهي لا تشعر بالراحة ولا تأمن على صغارها إلا عند أمها، وتتركهم لتعتني بهم الأم وتقوم بمطاردات خلفهم مثل اللص والشرطة، فيما تذهب الابنة إلى السوق وتنسى نفسها مع صاحباتها، وهكذا تكون الابنة قد استنزفت أمها حتى النخاع.
في مرحلة من عمر المرأة يجب عليها ان تتوقف وتحتفل بنفسها، تتذكر ان هرموناتها الأنثوية التي تؤثر على عظامها وعضلاتها وأسنانها وحتى مشاعرها قد بدأت بالانحدار وعليها أن تعتني بنفسها، بنفسها فقط، دون أحد غيرها، عليها ان تمارس الرياضة أن تخرج للمشي في الطبيعة، أن تتابع تحاليلها الطبية بانتظام، أن تخصص مبلغاً لذلك من ميزانية الأسرة، وأن تهتم بملابسها وشعرها وزينة وجهها دون تكلف، عليها ألا تقف فجأة أمام هذه المرأة لتسأل من هذه المرأة الممتصة حتى آخر قطرة من قطرات الحياة، ومن حولها يمدون أنابيب الحياة منها بدعوى أنها الأم وأنها يجب أن تكون كذلك.
أنت حين تمرض سوف يسأل عنك الجميع في اليوم الاول، وبعد أيام سوف يتناسونك، وأما الأم التي يمر بها العمر وهي تقوم بدورها فهي سوف تحمل لقب «حجة»، وسوف يعني ذلك أنها قد أصبحت زاهدة في الحياة وان موعد رحيلها عنها قد حان، وربما كان وجودها اليوم في البيت أو في حياة الأبناء لاستجلاب البركة، لا أكثر، ولذلك فعلى الأم فعلياً ألا تصل للدور الذي ينهي حياتها قبل أوانها، عليها ان تنقذ ما يمكن إنقاذه، أن تهتم بهذه المرأة التي لن يهتم بها أحد مهما ادعوا وكابروا ووعدوا، ففي النهاية الحياة قاسية وقسوتها تجعلنا نقصر بأقرب الناس لنا، ولذلك ففي يوم المرأة يجب أن نمنح إجازة لكل امرأة منهكة تقضي ليلها أمام خلطة الرز والخضار، لتعد المحاشي التي يلتهمها الأولاد والأحفاد في دقائق، وهم لا يعلمون ان تراكم تعبها قد أورثها انزلاقات في فقرات عنقها وظهرها، ان لا أحد يشعر بألمها، ولا تدهور صحتها، ويعتقدون أنها مثل سابق عهدها يوم ان كانت في ريعان شبابها.