لم تكن قوة "فتح" يوما داخلها، هذا الفهم المتفرد ضيق الأفق لظاهرة الحركة كان دائما أحد أسباب تعثرها وسوء الفهم الذي يطفو بين وقت وآخر مع المحيط، البحث عن تلك القوة في الأماكن غير الصحيحة تسبب في إضعافها في أكثر من منعطف.
"فتح" في جوهرها مشروع وطني وحدوي، هذه قوتها وهويتها، ليست نتاج بنيتها التنظيمية بقدر ما تتكامل من محصلة العلاقة مع شعبها ومحيطها، مع الناس الذين يرونها لهم، بالضبط لهم ومنهم دون أن يلتفتوا الى حواجز التنظيم وحدوده.
لأنها تشبههم ولا تثقل على وعيهم، لا تسعى لتزج في هذا الوعي أيديولوجيا خاصة بها، ولأنها خارج فكرة الحزب، ومعنية بغاية تحرير البلاد، استطاعت أن تكون خيارا متعددا للفكرة، دون إقصاء ودون اشتراطات نظرية، التحرير بمعناه الوطني الواضح والمتعدد.
في انفتاحها وتعدديتها وقدرتها على استيعاب الاختلافات استطاعت أن تتجاوز محاولات تفكيكها التي لم تتوقف منذ انطلاقتها.
الآن، تدخل "فتح" اختبارا مفصليا يمتحن هذا المكون الذي حافظ عليها وحصنها من التفكك، الصراع بين نزعة "الحكم" الذي تورطت به بعد اتفاقيات "أوسلو" وتشكيل "السلطة" وبناء الأجهزة، وبين روح الجدل وتقبل الاختلاف وحرية التعبير والشراكة سواء داخل بنيتها التنظيمية أو مع مجتمعها الذي منحها قوتها.
استعادة المسافة المأمونة بين "السلطة" ودورها من جهة، وبين الحركة واستراتيجية مشروعها التحرري وقدرتها على بناء شراكة عضوية مع شعبها من جهة ثانية.
استعادة قدرتها على ابتكار البرامج وإغنائها وقراءة المزاج الشعبي وتحولات المحيط، وتقديم هذه الأفكار كامتداد لمشروعها، وليس التقوقع داخل فقاعة "السلطة".
ترميم المسافة بين نزعة "الحزب الحاكم" المعزول عن حواضنه ومحيطه الذي وجدت نفسها فيه بعد أوسلو، الحزب المتكئ على "حل سياسي" نظري معزول عن الواقع، وبين حيوية "حركة التحرير الوطنية" المبنية على حق الحياة والأرض والمواجهة المباشرة مع الاحتلال، ربط قضايا الناس المعيشية بمهمات المواجهة مع الاحتلال، والقدرة على التجدد خارج التجريد السياسي الساذج.
هذا ما تحتاجه "فتح"، الآن، قوة الناس والتفافهم وليس وسائل الحكم.
أن تخرج من الفقاعة الهشة للسلطة، التي مكثت فيها طويلا، لتستعيد قيمها وسجاياها وأسباب بقائها وقوتها.