اللقاحات عندما تختبر الذمم..عدلي صادق

الأحد 07 مارس 2021 01:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
اللقاحات عندما تختبر الذمم..عدلي صادق




ءلا يزال حُراس الزمن الفلسطيني الأغبر، يتحدثون عن وحدة حركة فتح وديمومتها، ويُظهرون اللهفة على مصيرها، واستشعار الحرج الشديد، من الخروج عن قائمتها المجهولة. وفي هذا الوقت نفسه، جاءت اللقاحات القليلة التي أرسلت لشعب فلسطين، لكي تختبر مجدداً ذمم هؤلاء، الذين تسلطوا على أرزاق الناس وحياتها، وأمسكوا بمقدراتها، ومزقوا وحدتها الوجدانية، وكرسوا التمييز والإقصاء والنكران والنعرات. فقد تصرفوا في اللقاحات بطريقة أكثر تخلفاً مما درجت عليه قبائل الصحراء في الجاهلية، إذ جرى التقسيم وجرت المحاصصة، حسب موازين القوة بين شركاء السلطة الواحدة، وهذا ما أصبح في حوزة منظمات الشفافية وحقوق الإنسان وبالأرقام. ومن المفارقات، أن هؤلاء هم أنفسهم المعنيون الآن بالإنتخابات المفترضة، لإعادة انتاج أدوارهم، بالدجل والوعود الكاذبة، والتشكي السخيف. 
بحكم صلة اللقاحات بمسألة الحياة أو الموت، انكشف الطابق من خلال المحاصصة السريعة التي اقتسم بها الفاسدون مُستحضر اللقاح المضاد للفيروس، واتضح من جديد، أن المجموعة الممسكة بمقاليد الأمور، وعلى رأسها الرجل الذي لم يتبق منه سوى غرائزه وأحقاده؛ لا تؤتمن على لقاح أو مال أو مصير سياسي، وأن بكائياتها حول وحدة حركة فتح، ما هي إلا نوعاَ من عدة النصب. فآخر ما يُرجى من هؤلاء، هو التجاوز عن طبائعهم, فهم مدينون لترهل الحركة بأدوارهم نفسها، ولولا أن فتح ترهلت وأطاحت نظامها، وأصبحت بلا نصاب، لما كان لهم أدوار أصلاً!
  اقتسام اللقاحات، وإحداثيات تحريكها بعد تحويلها الى حصص خاصة؛ تفضح منهجية هذه الفئة عديمة المروءة، وتكشف نصيبها من القدرة على إدراك معنى المجتمع، ومعنى الدولة، ومعنى الوحدة نفسها، ومعنى الصحة العامة، ومعنى الأولويات. فمثلما كان التصرف في كل شان، سخيفاً ومفضوحاً، جاء اقتسام اللقاحات القليلة، كاشفاً في وضاعته، مع إضفاء ملمح كاريكاتوري على المحاصصة، ربما قصدته الجهات المانحة؛ إذ تعمدت التقليل، لكي تتفرج على حراس الديكتاتورية الصغيرة، القائمين على كل أنواع الإنقسامات، والمثابرين على إنتاج كل أنواع البغضاء، والحريصين على إطاحة كل نِصاب فلسطيني، وكل قانون وكل إطار وكل منطق! 
فبعد أن فشل هؤلاء في ما نجح فيه حاكمو الدول النامية، الذين لا يمتلكون  ربع حجم علاقات فلسطين مع العالم؛ أظهروا قدراً مذهلاً من الوضاعة في التوزيع، وبدل العمل بنظام الأولويات، خصصوا اللقاحات لأفراد عائلاتهم وأصحابهم ومواليهم، وتوالت التقارير التفصيلية الى مراكز رصد ممارسات الفساد، وجمعيات حقوق الإنسان، وعُرفت الأرقام. ولا يغيب عن الذهن، في هذا المثال، أن الوضعية السلطوية الفلسطينية، هي التي جعلت كل منتفذ فيها، حريصاً على عدد من اللقاحات يعكس حجمه الحقيقي ودوره، ولا عزاء للكومبارس في هذه المحاصصة. فبقدر ما يقتنص المتنفذ من لقاحات تكون أهميتة ويكون علو شأنه، ولعله يتوهم أن هذه المعادلة، يمكن أن تنطبق على صناديق الإقتراع في الإنتخابات!
التحاصص في اللقاحات، جزء من منظومة يطمح الفلسطينيون الى طي صفحتها المخزية. وإن كانت اللقاحات قد اختبرت الذمم، فإن اختبار الإنتخابات نفسها يتوقف على حضور أو انزواء هذه الأشكال بعد إعلان النتائج. 
نستمع في كل ساعة الى نداءات مذعورة أشبه بالبكائيات، تتوسل كل ذي اجتهاد أن يلتزم بما يُسمى "قائمة الحركة" دون أن يراها، على اعتبار أن الخروج عن هذه القائمة المقنّعة حتى الآن، هو المعادل الموضوعي للخروج عن الحركة والتاريخ. إن القراءة السيكولوجية لمثل هذه النداءات والبكائيات، تعكس ذعراً  عميقاً، لكن السؤال:ممن الذعر؟ فإن كانت حماس نفسها أصبحت أليفة وتُرجى مشاركتها، فممن يكون الذعر والخوف على الحركة؟ لن نزعم أنه خوف من تيار فتح الإصلاحي؟ لنقل إنه خوف من المجتمع الذي تعرض للأذى، وفي هذه الحالة يكون السؤال: من هي الأطراف الأنفع لحركة فتح: تلك التي اختبرتها اللقاحات وثبتت إصابتها بكل أنواع العلل السلوكية والبصرية، أم تلك التي ترغب في الإجتهاد، لإنصاف الحركة وتراثها الكفاحي، وإعادة الإعتبار لقيمة الإنتماء لها، وإنفاذ نظامها الأساسي؟! ألا يسأل الواحد من هؤلاء نفسه، ما هو رصيد الحركة من الثقة بنفسها، إن كانت ترى مقتلها في قائمة تجتهد؟ وفي حال ظهور قائمة، للدفاع ـ مثلاً ـ عن التوزيع العادل للقاحات، هل يكون التأثيم للقائمة التي ترجو عدلاً ورشاداً، أم للذين يفضحوننا كلما جرى اختبار ذممهم.؟!