كشف الجنرال فرانك ماكنزي، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، عن كواليس الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد، الهجوم الذي وقع في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، والذي سقط بموجبه 11 صاروخا بالستيا على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، وقال ماكنزي في تصريح لقنوات تلفزيونية أمريكية: لولا عمليات الإجلاء لوقعت خسائر حادة في الأرواح، مضيفا: ” أعتقد أننا ربما فقدنا 20 أو 30 طائرة، وفقدنا ما بين 100 إلى 150 فردًا أمريكيا”. ويصف ماكنزي الهجوم قائلا: ” لقد كان هجوما بالتأكيد لا يشبه أي شيء رأيته أو اختبرته من قبل، صواريخهم دقيقة. لقد ضربوا إلى حد كبير حيث أرادوا الضرب”.
القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط يخاطب في تصريحه هذا الرأي العام الأمريكي عموما وصانعي القرار السياسي في واشنطن بالأساس، إنه يصارحهم بالحقيقة لكي يكونوا على بيِّنةٍ منها، ويضعهم أمام مسؤولياتهم بخصوص كيفية التعاطي مع الدولة الإيرانية، فهو يقول لهم، بصيغة غير مباشرة، إن إيران دولة قوية عسكريا، ولا يتعين الاستهانة بقوتها، بل ينبغي استحضار هذه القوة قبل اتخاذ أي قرار سياسي أو عسكري تجاهها.
الرجل يشير إلى أن الحرب مع إيران لن تكون نزهة، ومن الأفضل البحث عن حلول دبلوماسية للمشاكل العالقة بين الطرفين، ففي تجنُّب الحرب مصلحة أمريكية وإسرائيلية في المقام الأول، الأمر الذي يدفع بايدن وفريقه في الإدارة الأمريكية الجديدة إلى اعتماد أسلوب التفاوض مع إيران حول ملفها النووي عوض اللجوء إلى التهديد بالحرب كما كان يفعل الأحمق دونالد ترامب، ولعل ماكنزي ينتقد في تصريحه المشار إليه، بطريقة موحية، قرار اغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي كاد يودي بحياة عشرات الجنود الأمريكان في قاعدة عين الأسد..
لنتخيل لحظة واحدة أن حربا اندلعت في المنطقة، وأن الجيش الإيراني، بدل 11 صاروخا التي أطلقها على قاعدة عين الأسد والتي كانت ستُوقِعُ 100 إلى 150 جنديا أمريكيا لولا عمليات الإجلاء، كما صرح بذلك ماكنزي، لنتصور أن الحرس الثوري أطلق 100 أو 1000 أو 5000 صاروخ على المستوطنات والمدن والتجمعات السكانية في دولة الكيان الصهيوني، كم سيبلغ عدد القتلى، وكم حجم الخسائر المادية التي ستتسبب فيها الصواريخ الإيرانية ذات القدرات التفجيرية الكبيرة، وذات الدقة العالية، باعتراف القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط؟
وإذا تقاطرت الصواريخ على دولة الكيان الصهيوني من إيران والعراق وسورية واليمن ولبنان وغزة، هل سيكون ما يسمى بجيش الدفاع الصهيوني قادرا على صدِّ هذه الصواريخ جميعها، وعلى شنِّ حربٍ على كل هذه الجبهات دفعة واحدة؟ وبماذا تغنيه قببه الحديدية في مثل هكذا سيناريو؟؟ وهل ستكون لمواطنيه الطاقة لتحمُّلِ تبعات حرب مدمرة بأسلحة فتاكة قد تمتد لفترة زمنية طويلة؟
لا نتحدث عما قد يقع للمدن الزجاجية في دول الخليج إذا تعرضت لقصف بالصواريخ الإيرانية، فالتدمير الذي قد يقع لهذه المدن، سينزل بردا وسلاما على خزائن الدول الغربية لأن شركاتها هي التي ستبرم الصفقات المُجزِية لإعادة إعمار ما تهدَّم من مبان وعمارات وموانئ ومطارات.. نحن نُركِّزُ على مفعول الصواريخ الإيرانية في إسرائيل التي تعتبر محمية أمريكية، ودولةَ يحرص الغرب حرصا شديدا على أمنها واستقرارها..
بالتطابق مع تصريح ماكنزي، وما كانت ستفعله الصواريخ الإيرانية في عين الأسد لولا الإجراءات الاحترازية التي اتُّخِذت مسبقا، فإن هذه الصواريخ قد تحوِّل دولة إسرائيل إلى رميم، وقد تصبح مدنها ركاما من التراب، كما يصرح بذلك القادة الإيرانيون، إذ يستحيل على الدولة الصهيونية الاحتراز والاحتماء من حمم الصواريخ الإيرانية..
السلاح الذُّري الذي يحاول الكيان الصهيوني أن يُخيف به خصومه، فيه خطرٌ عليه هو أيضا، فإذا استعمله في الدول المجاورة له، فإن غبار هذا السلاح قد يصل عبر الهواء، والماء، والتراب إلى الدولة العبرية نفسها، وسيصيب بالأذى سكانها هم كذلك، بل إن مفاعل ديمونة الذي يُنتج السلاح الذري الإسرائيلي قد يصبح خطرا محدقا بالإسرائيليين إن تعرض للقصف بالصواريخ والطائرات المسيرة، وتسربت منه الإشعاعات النووية.
ثم لنذهب إلى أبعد الافتراضات، ولنتصوّر أن إسرائيل رمت إيران بقنبلة أو قنبلتين نوويتين، كم سيستشهد من الإيرانيين؟ مليون؟ مليونان؟ ولكن الشعب الإيراني الذي يدنو عدد سكانه من الثمانين مليون نسمة، سيظل حيث هو في إيران، ولن يغادر أرضه التاريخية، لأن ليس له غيرها..
ولكن ماذا لو ردّت إيران بقصف الدولة العبرية بصواريخ تحمل متفجرات نووية أو كيميائية أو جرثومية، وقُتل جراءها آلاف الإسرائيليين، هل سيظل الكيان الصهيوني قائما؟ ألا يمكن أن يجمع الصهاينة حقائبهم ويهربون خوفا وهلعا من الموت المحدق بهم، ويعودون إلى بلدانهم الأصلية التي هاجروا منها إلى فلسطين ليغتصبوها من أهلها؟؟
ليس في الأمر حماس أو مبالغة القول إن إسرائيل كيان مصطنع في الشرق الأوسط، وهو هشٌّ وأوهنُ من بيت العنكبوت كما قال ذلك ذات يوم السيد حسن نصر الله، وتتوفر فيه جميع المواصفات الذاتية البنيوية التي تؤهله للتفكك والزوال، بل هو محكوم عليه بالزوال من منطقتنا.
التطور التكنلوجي، وأساسا في المجال العسكري الذي تستفيد منه شعوب المنطقة، والنمو الديمغرافي الذي يميزها ويلعب لصالحها ضد الدولة العبرية، والوعي والخبرات المعرفية والعلمية التي تكتسبها الشعوب العربية والإسلامية وتُوظِّفها بالتدريج في معاركها مع هذا العدو، ومع الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني، جميع هذه العوامل، تتظافر بينها للحكم عليه بالاضمحلال، وسيلفظه الجسم المشرقي المزروع فيه بالإكراه وبالقوة..
نحن أمام حروبٍ سيكولوجية تخاض ضد شعوب هذه المنطقة، حروب إعلامية تصوِّر الكيان الصهيوني كأنه كيانٌ قوي وجبّارٌ، ومستعدٌّ للحرب ومتلهفٌ لها، وقادرٌ على حسمها السريع لفائدته، وأنه لا ينتظر إلا الإشارة والتغطية من الغرب عموما وأمريكا خصوصا، لكي يخوض الحرب ويحقق بواسطتها أهدافه كاملة، وهذه كلها دعايات لا أساس لها من الصحة، فلو كان الأمر كذلك، لما تردد الغرب، لحظة واحدة، في توفير التغطية لإسرائيل لشنِّ الحرب على إيران، ولَزَوَّدها بالوسائل والإمكانيات لتحقيق النصر فيها، ولا تنقص الغرب المبررات لتسويغ الحرب، بل هو قادرٌ على اختلاقها.
اليأس من تحقيق الانتصار، وخوفُ الكيان الصهيوني، ومعه الغرب، من الردّ الإيراني الصاعق هو الذي يردعه عن إعلان الحرب على إيران، غير أن عجز إسرائيل عن شنِّ الحرب الفعلية، تُغطّيه وتستعيض عنه بالدعاء القوة، الادعاء الذي يُفضي إلى عقدها تحالفات عسكرية مع بعض دول الخليج. إسرائيل الضعيفة والمتوترة والمرعوبة، تجعل، بقوة الدعاية، من بعض دول الخليج، متراسا لها، وأكياسَ رملٍ تحاول الاحتماء بها من إيران.
كان الأجدر بالدول الخليجية فتح حوار هادئ ومثمر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجارة، والشقيقة، والقوية فعلا، لتنقية الأجواء معها، وجعلها ظهيرا لها، فإيران هي الدولة الطبيعية، وهي الباقية، والدائمة قرب جيرانها العرب، ومستعدة للتعاون معهم في مختلف القضايا، للتخلص من الهيمنة الصهيوأمريكية، وإعادة إعمار المنطقة وتنميتها، أما إسرائيل، فهي الأداة لتكريس تلكم الهيمنة، وهي دولة مصطنعة، ولا أمل لها في البقاء طويلا بمنطقتنا، وخاسرٌ كل من يراهن عليها..
كاتب مغربي