أحيت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في إحدى صالات العاصمة السورية دمشق، العيد الثاني والخمسين لانطلاقتها في مهرجان حاشد، تحدث فيه عدد من الخطباء، من بينهم فهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة.
دعا فيه فهد سليمان إلى الاستماع إلى صوت الشعب الفلسطيني، وهو يطلق ثلاث رسائل كبرى إلى القيادات الفلسطينية، يدعوها فيها إلى اغتنام الدعوة للانتخابات العامة، في المناطق المحتلة، وفي الشتات، فرصة تاريخية لإحداث التغيير الديمقراطي للنظام السياسي الفلسطيني، الذي أصابته على مدى السنوات الماضية، سلسلة من التشوهات زادت من إضعافه، بعد أن أرهقته العمليات السياسية التي خاضها، في شروط مختلة تحت سقف اتفاقات أوسلو.
الرسالة الأولى: الانتخابات مدخل للتغيير الديمقراطي
وأضاف سليمان، أن الرسالة الأولى تشدد على ضرورة إجراء الانتخابات، وتجاوز كل العقبات التي يمكن أن تعطلها، وأن الشعب يشدد في الوقت نفسه على أن تكون الانتخابات هي المدخل للتغيير الديمقراطي للنظام السياسي الفلسطيني، بعد أن تعذر الشروع في هذه العملية من خلال التوافقات الوطنية، وبالتالي بات الخيار الأخير هو أن نطرق أبواب التغيير لعملية ديمقراطية، كاملة، تستجيب لإرادة الشعب. فالشعب يريد، وعلينا أن نستجيب لما يريده الشعب، من خلال انتخابات المجلسين التشريعي والوطني لنستعيد القدرة على المبادرة ومواصلة السير على طريق التحرير وإنجاز الحقوق الوطنية.
وأوضح سليمان، أن شعبنا لا يريد من هذه الانتخابات إعادة استنساخ الصيغ السابقة للنظام السياسي الفلسطيني. فهذا النظام في صيغته الحالية، على إيجابياته وسلبياته، ورغم كل ما أنجزه، يعاني من ثغرات كبرى، ولولا هذه الثغرات لما حصل الانقسام. فالشعب يريد تغييراً في النظام السياسي الفلسطيني يزيده قدرة وفعالية ووحدة في مواجهة الأعداء، وهو التغيير الذي يعيد بناء المؤسسة الوطنية على جانبي الانقسام، بما يلبي احتياجات العمل الوطني واحتياجات العمل الاجتماعي.
وحذر من أية محاولة أو دعاوي تقود إلى تعطيل الانتخابات، وتفويت الفرصة التاريخية أمام شعبنا، وذكّر بما قاله الرئيس أبو مازن حين دعا للانتخابات في 26/9/2019 حين أنذر أن من سيعطل الانتخابات «سيحاسب أمام الله والوطن والتاريخ».
الرسالة الثانية: استعادة م.ت.ف
أما الرسالة الثانية، والتي أطلقها شعبنا وهو يتقبل بحرارة وحماسة شديدة الدعوة للانتخابات، فهي ضرورة استعادة م.ت.ف. فالشعب يدرك تماماً أن م.ت.ف التي قادت النضال الوطني الفلسطيني، وحققت انتصارات باهرة على امتداد عقود من الزمن، لم تعد قائمة بكل المقاييس المعتمدة للحكم على أي مؤسسة وطنية جامعة.
وأكد سليمان، رؤية الجبهة الديمقراطية لمنظمة التحرير، باعتبارها المؤسسات التي تؤطر نضالات الشعب الفلسطيني، ومن خلالها يتمثل الشعب الفلسطيني، وفي أطرها يتوحد الكل الفلسطيني، لكن ماحصل، خلال الأعوام الماضية أن المنظمة جرى تجويفها وأفرغت مؤسساتها.
وأكد أن الانتخابات هي التي من شأنها أن تقدم الطريق القويم والأقصر، ومن مؤسساتها كي تستعيد دورها في تأطير نضالات شعبنا وقيادتها.
وأضاف أن الشتات بشكل خاص، هو الذي يشعر بضرورة إعادة بناء م.ت.ف، وشعبنا يدرك أن أي برنامج لا تحمله مؤسسة وطنية جامعة، تحمل طابعاً تمثيلياً، واضحاً وقاطعاً، سيبقى مجرد شعارات، طالما لم تتوفر الأدوات والمؤسسات التي تحمله وتجعل منها خططاً نضالية. وشعبنا مازال يتمسك بالمنظمة التي مازال برنامجها هو العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة. ومن يريد حق العودة، عليه أولاً وقبل كل شيء أن يعيد بناء م.ت.ف. ولن يقبل الشتات بعد اليوم أن يجري تجاوز هذا الاستحقاق، يتمثل بانتخاب المجلس الوطني وقال محذراً إنه لا يمكن أن يفهم تعطيل استحقاق انتخاب المجلس الوطني، سوى إنه إهمال للشتات وإهمال لحق العودة. فالعودة هدف وطني كبير، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإعادة بناء م.ت.ف، الفلسطينية.
وفي هذا السياق، حذر سليمان، من أية محاولة لإعادة تشكيل مجلس وطني جديد بالمنطق البيروقراطي السائد. والذي يفترض أن يكون قد سقط، ولن يسمح أن تنصب أية هيئة نفسها بديلاً للإرادة الشعبية في انتخاب أو تشكيل مجلس وطني جديد، وأن تفرض إرادتها البيروقراطية على هذا المجلس، وأن تستعيد مرة أخرى، ماكنا نسميه نظام الكوتا.
وأضاف، لقد سقط نظام الكوتا، بالتغييرات التي أصابت النظام السياسي الفلسطيني. وعلى سبيل المثال، لا يمكن الحديث عن تمثيل بيروقراطي لاتحادات شعبية ونقابية، لا تملك جسماً نقابياً حقيقياً وهي مجرد واجهات إدارية بيروقراطية مفصولة عن قواعدها الجماهيرية. والشعب الفلسطيني في الشتات، (أضاف فهد سليمان) يريد الانتخابات أسوة بإخوانه في المناطق المحتلة، ليضمن التمثيل الحقيقي في المجلس الوطني والذي من شأنه أن يفتح باب التشاركية في القرار.
الرسالة الثالثة: استراتيجية سياسية وتنظيمية كفاحية
أما الرسالة الثالثة، فهي تلك التي تقول بأن الشعب يريد، استراتيجية سياسية وتنظيمية وكفاحية موحدة، يحملها الكل الفلسطيني، ويشارك بها الكل الفلسطيني، حتى الآن ولسوء الحظ ما زلنا نحاول من خلال بعض الصياغات اللفظية أن نتجنب النص المباشر على الحلقة الرئيسية من البرنامج السياسي الذي نفترض أنه يشكل قاسماً مشتركاً لكل الشعب الفلسطيني، بكل تجمعاته وطبقاته وفئاته وقواه، وأضاف يتمثل القاسم المشترك بالاتفاق على استراتيجية عمل وطني تخرجنا من اتفاق أوسلو؟ واعتماد المقاومة الشعبية بالتطبيق والتنفيذ، وليس فقط بالأقوال، شكلاً نضالياً رئيسياً من أجل مواجهة الاحتلال والاستيطان والتهويد؟
كما يتمثل القاسم المشترك بإنهاء الانقسام سلاحاً فعالاً من شأنه أن يساعدنا جميعاً على التقدم على طريق إنجاز الحقوق الوطنية.
وأوضح سليمان، أن كل ما ذكرت لا يأتي من برنامج الجبهة الديمقراطية، ولا يأتي من برنامج أي فصيل من فصائل العمل الوطني، بل هو النص المباشر الواضح الذي صدر عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الأخيرة التي انعقدت في نيسان – أيار 2018، ولذلك يحاول أن يتجنب هذا الاستحقاق ويلتف حول هذا الاستحقاق، وبدلاً من النص الصريح والواضح على قرارات المجلس الوطني التي تحمل كل من شأنه أن يساعدنا على رسم استراتيجية عمل وطني، توحد وتجمع وتفعل النضال الوطني الفلسطيني، بدلاً من تسليط الضوء على قرارات المجلس الوطني، واعتبارها في قلب البرنامج الذي ينبغي أن يتبناه الشعب الفلسطيني بأسره، يلجأ البعض إلى اعتماد مرجعيات أخرى ليست وافية لأنها لا تغطي القضايا المباشرة التي يجب أن نكون نحن الآن بصددها، نحن لا نعتبر بأن المرجعية الوطنية السياسية الفلسطينية تختصر باجتماع الأمناء العامين في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي، لأنه لم تتناول قضايا المرجعية السياسية.
وأـكد سليمان أنها وحدها قرارات المجلس الوطني هي التي تمثل المرجعية، لذلك نحن في الجبهة الديمقراطية، و في المحطة الحوارية القادمة في القاهرة التي من المفترض أن تنعقد في شهر آذار (مارس) القادم، سنطلب أن يرد الاعتبار لقرارات المجلس الوطني، أن لا يتم تجاهلها، أن يتم وضعها في بؤرة، في مركز التوجهات الاستراتيجية، لأنها وحدها هي التي توحد الشعب الفلسطيني على قاعدة سياسية واضحة، تستهدف الخروج من أوسلو، وضع استراتيجية نضالية تعيد توحيد الصفوف، وتخرجنا من مأزق الانقسام إلى جانب استراتيجية العمل الوطني القائمة على أسس المقاومة الشعبية الشاملة.
وكان فهد سليمان استهل كلمته بالقول:
بمقربة من مخيم اليرموك عنوان الشتات الفلسطيني، المخيم الشهيد الذي دمر على أيدي العصابات السوداء والظلاميين، والذي مازال يتعرض إلى مغادرة أهله الذين ينتظرون على أحر من الجمر من أجل الرجوع إليه.
نلتقي اليوم في دمشق العروبة، نلتقي اليوم في دمشق عاصمة سوريا حاضنة القضية الفلسطينية والمدافعة عنها والتي تقف بصمود أمام شتى المؤامرات وتتصدى بالصدر العاري لموجات التطبيع الآتية من كل حدب وصوب.
نقف بخشوع واحترام أمام ذكرى كل من مضى شهيداً من أجل فلسطين، من أجل الحقوق الوطنية لشعب فلسطين. نلتقي في هذه المناسبة ونحن على أبواب مرحلة جديدة في العمل الوطني الفلسطيني، مرحلة جديدة في العلاقات في محطات حوار مجدية وعملية وهادفة، آخرها تلك المحطة التي جمعتنا في القاهرة في 8 و 9 من هذا الشهر. نحن هنا لكي نؤكد مرة أخرى أننا في موقع المحاسبة والتدقيق على أدائنا ودورنا ونضالنا وعطائنا أمام الشعب الفلسطيني ومن هذا الموقع نقول أن الشعب الفلسطيني يوجه في هذه المناسبة رسائل ثلاث إلى مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية.