كيف يتناول الإسرائيليون ما جاء في كتاب “التطهير العرقي في فلسطين” للمؤرخ بابيه؟

الجمعة 26 فبراير 2021 11:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
كيف يتناول الإسرائيليون ما جاء في كتاب “التطهير العرقي في فلسطين” للمؤرخ بابيه؟



القدس المحتلة /سما/

معاريف - بقلم: ران أدليست    " هناك مشكلتان أساسيتان مع التاريخ الوحشي للنكبة كما يصفها البروفيسور إيلان بابيه في كتابه “التطهير العرقي لفلسطين”. الأولى:كل شيء صحيح، والثانية: ماذا في ذلك، كل شيء معروف. حتى وإن لم يكن بتفاصيل التفاصيل البشعة وبقوة كما توصف الأحداث وتؤرخ في الكتاب.

منذ العام 1937 كتب دافيد بن غوريون، زعيم إقامة الدولة، “علينا طرد العرب وأخذ مكانهم”. ومنذ ذلك الحين كان هو الرجل الذي أدار المنظومة السياسية وحملات الهاغناة والجيش الإسرائيلي التي قاتلت في سبيل إقامة الدولة في ظل تدمير مئات القرى وقتل وطرد مئات الآلاف. كل باحث أكاديمي صحافي مشارك وكل محبي تاريخ بلاد إسرائيل عرفوا وفهموا أن صراعاً دموياً لا هوادة فيه وقع هنا بين الشعبين على كل الصندوق الذي هو أرض وديمغرافيا. وقال زعيم مبام مئير يعاري، إن “هذه حرب الحق ضد الحق”.

يرد بابيه عليهما بإدارة تسجيل دراماتيكي ودقيق ومأساوي لكل قرية وبلدة أو حي فلسطيني في المدن المختلطة التي شُطبت، وقُتل سكانها وطردوا. 800 ألف لاجئ، 530 قرية، 11 بلدة وعدة مدن مختلطة مثل يافا وحيفا.

وحسب التاريخ الذي نتعلمه، عملت قوات الهاغناة والجيش الإسرائيلي حيال عدو قام عليها لإبادتها. هذا صحيح بالمعنى الذي يفيد بأن الفلسطينيين لم يسيروا نحو الذبح كالخراف حتى رغم أن الجيش الإسرائيلي تفوق عليهم وعلى المساعدة العربية الهزيلة التي تلقوها من الخارج بكل مقياس عسكري، من القوى البشرية وحتى وسائل القتال. المشكلة أن الحديث لا يدور عن أحداث فظيعة جرت في ظل قتال، بل بنيّة مبيتة ومخططات قيادة الدولة، وتطهير للقرى خطط له مسبقاً، نفذت مراحله الأولى قبل وفي إطار حرب التحرير. وكان الخوف الأولي أن ليس للدولة اليهودية احتمال وجود (حتى بعد الموافقة على التقسيم) إذا كان للطرف الفلسطيني تفوق ديمغرافي ومزايا عسكرية في السيطرة على الأرض (مئات القرى). واذهب لتعرف اليوم إذا كان هذا تقديراً صحيحاً للوضع. عملياً، حرك هذا الأمر بن غوريون وقيادة الجيش و”اللجنة الاستشارية” التي وقفت خلف “ملفات القرى” التي أعدت مسبقاً، واستخدمت لاحقاً للطرد والهدم السريع. وكان في هذه اللجنة بن غوريون، ويغئال الون، وإسحق سديه، وإسرائيل غليلي، وموشيه دايان، ويغئال يدين – كل أبطال صبانا. وكانت الآلية أن كل رد عربي يشكل رافعة لإيقاع ضربة وعملية رد تضمنت تطهيراً لقرية، وشملت في كثير منها قتل نساء وأطفال. في إحدى جلسات الحكومة في أثناء حرب التحرير، نهض اهران تسزلينغ، من وزراء اليسار، وادعى بغضب بأن “جنوداً يهوداً يرتكبون أفعالاً نازية”.

هذا هو الكتاب الأهم في تاريخ النزاع اليهودي الفلسطيني، لأنه لا يصدم القارئ فحسب، بل ويفكر ويسأل أسئلة مثل: هل كان بن غوريون محقاً؟ وكيف نواجه اليوم هذه المعرفة؟ وهل كانت ستقوم لنا دولة تؤدي مهامها كدولة يهودية، بدون الطرد، والسلب، والهدم والقتل؟ وهل الثمن الأخلاقي المدفوع يستحق إقامة الدولة بالحدود التي كلنا نتمتع (بالتأكيد نتمتع) لمجرد وجودها؟ هل أفعال من هذا القبيل، بعد الحرب العالمية الثانية وعشرات ملايين الضحايا القتلى واللاجئين، هي بالإجمال جزء من الطقوس الدموية للعالم في حينه؟

من ناحية أخلاقية، الجواب كفيل بأن يكون وحشياً مثل الحرب نفسها، وهذا هو السبب الذي يجعل المجتمع اليهودي في إسرائيل يتملص منه. هناك الكثير من “ربما كان يمكن عمل ذلك” و”كنا عملنا بشكل مختلف”، والحقيقة هي أن ليس لأحد جواب واضح. ولا حتى لبابيه. يقال في صالحه إنه لا يخفي وهو يضع مرآة سوداء أمام المجتمع الإسرائيلي. لقد كان الرد كما كان متوقعاً، كسر المرآة وقتل الرسول، زائد هجمة إعلامية وأكاديمية. فقد طرد من جامعة حيفا وهو يقيم حياة مهنية دولية مبهرة في بريطانيا “هذا هو الثمن الذي دفعه”، قال في مقابلة مع “هآرتس”. “هل أقول إن هذا يسرني؟ أنا لا أستمتع بذلك. أنا شخص أحب الناس، وأريد أن أكون محبوباً. ليس مريحاً لي مع هذا الموقف، موقف الكراهية تجاهي. أنا لا أتعايش جيداً مع هذا”.

الحل الحقيقي

ما هو كفيل بأن يريح عقل بابيه أن كتابه يمثل اليوم اليسار واليمين على حد سواء. وكل طرف يستخدمه لتبرير آرائه وأفعاله. فاليمين المتصلب سيتبنى الكتاب كي يثبت بأن هكذا يمكن أن تقام دولة وتثبت. وأن كل ما يحصل اليوم في الضفة هو استمرار مباشر ودقيق لأعمال الآباء المؤسسين. أما اليساريون، المفعمون بمشاعر الذنب، فسيشرحون بأنه إذا لم نعترف بـ “النكبة”، والظلم الذي لحق بالفلسطينيين، فلا أمل في إنهاء النزاع.

بابيه نفسه يكتب ويقول: “مجرد الاعتراف بإعادة كتابة التاريخ هو الخطوة الأولى التي يتعين علينا أن نتخذها إذا كنا نريد أن نعطي فرصة للمصالحة”. يدور الحديث عن سذاجة يساري وسيطرة أكاديمي. الحل الحقيقي لشدة الأسف ليس الحل الأخلاقي، بل الحياة نفسها، التي هي موازين القوى بين المصلحة الإسرائيلية التي تمثلها حكومة إسرائيل وبين مصالح الأطراف الأخرى، من الفلسطينيين وحتى العالم كله، والحل الوحيد هو الواقع. لا يوجد طريق في العالم لمنع إسرائيل والفلسطينيين من تأدية المهام والاختلاط معاً اقتصادياً وعملياً في العجنة الجغرافية الاستراتيجية بين نهر الأردن والبحر. وبالتوازي، فإننا ملزمون بأن ننتظر إلى أن تتبدد القيمة الوطني والدينية والميثولوجية لـ “الأرض كمصدر اقتصادي (باستثناء الجانب العقاري) أمام قيم مثل التعليم العالي، والعلم، والتجارة، والتكنولوجيا العليا والصناعة. إلى جانب انخفاض هذه القيمة، يفترض أن ينخفض مستوى الاستعداد، سواء لدى المستوطنين وشبيبة التلال أم لدى الطبقة الوسطى المدينية الفلسطينية لسكب الدم عليها. ستكون الزراعة مصلحة تجارية وليس سبباً لـ “الصمود” وللحنين ولطقوس عبادة الأصنام على شرف حجارة مقدسة تصبح مواقع للصلاة والسياحة.

هذه السياقات ستطفئ نار النزاع في تلك الوحدة الجغرافية الواحدة بين النهر والبحر (بما في ذلك تسويات فيدرالية ما) إلى مستوى محتمل لجيرة مقبولة.

يكتب بابيه أن “إسرائيل لن تعترف أبداً بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين”، وهو محق. المسألة الإشكالية هي كيف يطبق هذا، والجواب هو: لا يوجد احتمال. باستثناء أولئك الـ 70 ألفاً “المبادرات الإنسانية” التي أطلقت في هواء المفاوضات لباراك وأولمرت. سبق أن قال أبو مازن إنه لا يفكر بالعودة إلى صفد مدينة مولده، ولكن يطالب بالعودة إلى حدود 67. وماذا تعرفون؟ العالم كله يؤيد مطلبه. من زاوية نظر ما، فإن التاريخ موضوع مخادع. فإقامة الدولة وحق العودة لليهود كانا مشروعاً فرعونياً. الناس يأتون إلى الأهرام ويقولون واو! لا أحد يقول كم مساكين هم العبيد الذين بنوها. لم يحاول الفراعنة الوصول إلى القمر، بل حفظوا بقايا عبيدهم، وتركوا قبة الهرم وأنهوا الأمر. حكومات اليمين في إسرائيل تبني اليوم أبراج بابل.