أكد دبلوماسي إسرائيلي سابق أن الولايات المتحدة غير مكترثة بتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وأن هذا يحتل مرتبة متدنية في أولوياتها في الشرق الأوسط، حيث تحتل إيران صدارتها، موضحا أن “حل الدولتين” شعار فارغ تجتره الإدارات الأمريكية، فيما حذرت باحثة إسرائيلية من خطورة محكمة الجنايات الدولية على المستوى السياسي في دولة الاحتلال وتقول إن هذه تفعل حسنا إن جددت المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وذلك حفاظا على فرصة للتسوية وتمهيدا للضغط على الجنايات الدولية لعدم فتح ملف ضد إسرائيل.
ويقول بينكاس بلهجة ساخرة إنه بعد بضعة أيام من الاهتمام بأمور تافهة لا أهمية لها، مثل وباء كوفيد-19، والانهيار الاقتصادي وخطة إنقاذ بـ1.9 تريليون دولار، وقضية تنحية الرئيس السابق، وانهيار شبكة الكهرباء في تكساس، واستئناف المفاوضات بشأن مخطط العودة إلى الاتفاق النووي، عادت الولايات المتحدة إلى الحديث عن موضوع مهم وراهن فعلاً: “حل الدولتين”.
ويستذكر بينكاس في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” حديثا هاتفيا بين وزير الخارجية غابي أشكنازي وبين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي قال فيه “إن إدارة بايدن تؤمن بأن حل الدولتين هو السبيل الأفضل لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، إلى جانبها دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة”.
ويرى بينكاس أن هذه عبارة نجدها منذ مطلع التسعينيات تقريباً في كل المرات التي تطرقت فيها الإدارات الأمريكية إلى الموضوع باستثناء ترامب الذي قال “دولتان، دولة واحدة، أي شيء تشاؤونه”.
ويضيف “هذه العبارة لا تتطرق إلى دور الولايات المتحدة في عملية كهذه، وليس هناك تلميحا إلى أن الأمريكيين بصدد بلورة خطة أمريكية، ولا يوجد توجه نحو سياسة فاعلة تسبق هذه الصيغة، وليس هناك دعوة لإسرائيل والفلسطينيين إلى البدء بمفاوضات، ولا تعهد شخصي من وزير الخارجية نفسه بمعالجة الموضوع”.
دولة فلسطينية قابلة للحياة
وبرأي الدبلوماسي الإسرائيلي الأسبق كانت في الحقيقة هذه محادثة هاتفية فقط بين وزير عُيّن قبل شهر فقط في منصبه وبين وزير خارجية ينهي تولّي منصبه، مستذكرا أن الإدارة لا تزال جديدة، ولا ينتظر منها أكثر من تصريحات عامة خاصة أن انتخابات في إسرائيل ستجري بعد 28 يوماً والإدارة الأمريكية لا تعرف مَن سيكون رئيس الحكومة في منتصف أيار/ مايو.
ويعتبر أن بلورة سياسة تستغرق وقتاً، وهي لا تُعرَض دفعة واحدة ولا حاجة إلى المبالغة في تفكيك العبارة وتحليل مضمونها ويتساءل “لكن يجب الانتباه إلى الصيغة البعيدة المدى لبلينكن: الإدارة “تؤمن”، ماذا يعني هذا موضحا أن الإيمان لا يصنع سياسة خارجية عموماً، ولا خطة سياسية خصوصاً.
ويرى أن ضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية”- هو مسؤولية إسرائيل وليست مسؤولية بايدن- بلينكن أما “دولة فلسطينية ديمقراطية وقابلة للحياة”- فهذا شأن مفاوضات بين الطرفين، ونتائج المفاوضات ومسؤولية الفلسطينيين وليس بايدن- بلينكن.
ماذا لم يقل بلينكن
ويرى أيضا أن هناك ثلاث زوايا مختلفة لفحص التصريح: زاوية اللامبالاة الساخرة، زاوية واقعية، وزاوية خيبة الأمل. التوجه اللامبالي – الساخر هو خيار تقصير المنظومة الإسرائيلية وهذه سياسة أميركية معلَنة عمرها 30 عاماً، مبدأ الدولتين موجود أيضاً في “اتفاقات أبراهام”، المعروفة أيضاً بـ”صفقة القرن” لإدارة ترامب.
ويقول بينكاس إن بلينكن لم يقل شيئاً عملياً، لم يرسم سياسة صلبة، ولم يعرض خطة وجدولاً زمنياً يمكنهما أن يزعجا إسرائيل أو يثيرا آمالاً لدى السلطة الفلسطينية. كذلك ينوه أنه ليس هناك عملية سياسية منذ 12 عاماً، والجهد الأمريكي الأساسي الأخير، مهمة وزير الخارجية السابق جون كيري في سنة 2014 فشلت، وخطة القرن لترامب لفظت أنفاسها فور ولادتها ونشرها.
من هنا يستنتج بينكاس أن هذا كلام اعتباطي من دون مضمون، ويجب فقط أن نهز رؤوسنا ونعرب عن تفهمنا، وإذا كرر بلينكن كلامه هذا، يجب إلقاء المسؤولية فوراً على الفلسطينيين وبالنسبة إليهم يجب أن يعربوا فوراً عن خيبة أملهم لعدم وجود تدخّل أمريكي فعال، وإلقاء المسؤولية فوراً على إسرائيل. وبرأيه فإنه في النهاية، إذا كان هناك شيء يتفق عليه الفلسطينيون وإسرائيل على الدوام فهو حقيقة أن الولايات المتحدة هي المذنبة: الولايات المتحدة قالت، الولايات المتحدة لم تقل، الرئيس يتدخل كثيراً، الرئيس لا يتدخل بما فيه الكفاية. على مر السنين، يبدو أن التصريحات الأمريكية بشأن الموضوع أثمرت عملية رد منسق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية”.
ضريبة كلامية
وحسب بينكاس فالتوجه الواقعي يرى أن الالتزام الأمريكي بنموذج الدولتين هو ضريبة كلامية حيث للولايات المتحدة أولويات سياسية أُخرى: الصين، وبحر الصين الجنوبي، شبه الجزيرة الكورية، روسيا. ويقول إن الإدارة الجديدة عملت على ترميم صدقية الولايات المتحدة بعد سنوات حكم ترامب، وفي الشرق الأوسط، المنطقة التي تنسحب منها الولايات المتحدة بالتدريج، المصلحة الوحيدة الباقية هي إيران، وليست الدولة الفلسطينية.
ويضيف بينكاس “سئمت الولايات المتحدة من التوسط، وسئمت من العودة إلى العملية عينها وسلاسل العمل عينها منذ التسعينيات. الولايات المتحدة كما يقول رؤساؤها ووزراء خارجيتها من وقت إلى آخر “لا يمكنها أن تريد السلام أكثر من الطرفين نفسيهما”.
ويعتقد الدبلوماسي الإسرائيلي الأسبق أنه إذا تحصن الطرفان بمواقفهما، فإن الولايات المتحدة لن تبدد مالاً سياسياً وطاقة من دون جدوى وأن التوجه الأمريكي الان هو: توصلوا إلى الاعتراف بأن نموذج الدولتين هو الصحيح، اعلنوا ذلك، اجروا مفاوضات، اتصلوا بنا وسنساعدكم. ويشير أن هناك أوساطا في إسرائيل ممَن تحب هذا التوجه، وهناك مَن يفترض أن عدم الاهتمام الأمريكي حكم على إسرائيل بالعيش مع نزاع دائم، وواقع ديموغرافي مهدد، وعالم يصبح أكثر فأكثر معادياً لإسرائيل في هذا الموضوع.
زاوية خيبة الأمل
كما يرى أن هناك زاوية “خيبة الأمل” هي الأكثر إشكالية: لدى إسرائيل شبكة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ولذلك عندما تتطرق إلى موضوع استراتيجي مهم بالنسبة إلى إسرائيل، على الأخيرة أن تصغي إليها. ويتساءل مجددا: لنفترض أن إدارة بايدن ستخصص جهداً وأهمية للموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني، هل العودة إلى صيغة الدولتين صحيحة؟ هل فكرت إدارة بايدن في إمكان قيام دولة فلسطينية؟ هل هناك تفكير مبتكر أكثر غير العودة إلى صيغة تحولت إلى لازمة سياسية لا أهمية لها؟ هل توجد صلاحية لهذه النظرة الأمريكية؟ ويخلص بينكاس للقول إنه نظراً إلى أن بايدن وبلينكن صاحبا تجربة، لا يمكن الشك في أنهما فكّرا عميقاً وتوصلا إلى خلاصة “دولتان” بما لا يتجاوز سهولتها البلاغية ولذلك الخلاصة هي أن هذا الموضوع لا يشغلهم ولن يشغلهم، ولا يشّكل مصلحة حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويأتي في أدنى سلّم أولوياتها ويضيف” الرسالة إلى إسرائيل والفلسطينيين متشابهة: افعلوا ذلك بمفردكم”.
حسناً تفعل إسرائيل إذا قامت بمبادرة لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين
وفي سياق متصل تعتبر راحيل دولب، عميدة في الاحتياط، ومحامية (وهي اليوم عضو في لجنة إدارة حركة قادة من أجل أمن إسرائيل) أنه من المفضل أن تبادر إسرائيل لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. في مقال نشرته “معاريف” قالت دولب إن ضباط الجيش الإسرائيلي وجنوده ليسوا وحدهم الذين يجب أن يقلقوا من موافقة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي على فتح تحقيق في شبهة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب.
في نظرها مَن يجب أن يقلق، إذا فُتح تحقيق كهذا فعلاً، هم تحديداً رؤساء المستوى الحكومي والسياسي الذين وافقوا على الاستيطان في الضفة الغربية، ووزراء الأمن الذين انشغلوا كثيراً في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وكذلك رؤساء الحركات الداعمة للمستوطنين.
وتستعيد الماضي بالقول “طوال سنوات شاركت إسرائيل في سن قوانين معاهدة روما بصورة فاعلة، ووقّعتها، لكنها لم تقرّها، بناء على ذلك، فإنها ليست عضواً في المحكمة، ولا صلاحيات فعلية للمحكمة على أعمال وقعت في أراضي دولة إسرائيل، ولا على مواطنيها”. وترى أن تحفّظ إسرائيل ناجم من خوفها من استخدام سياسي لمعاهدة روما ضدها ومواطنيها وتقول إن أساس تخوفها نابع من إدخال بند إلى القانون يمنع نقل سكان من أراضي الدولة المحتلة إلى أراضي الدولة التي جرى احتلالها، أي بند المستوطنات.
وفي رأيها فإن الشبهات التي تبلورت لدى المدعية العامة بشأن الأعمال التي قام بها الجيش الإسرائيلي في عملية الجرف الصامد عام 2014 وعلى السياج الحدودي في غزة في سنة 2018 لا تبرر فتح تحقيق في ضوء المبدأ الثابت أن دولة لديها منظومة قضائية مستقلة وعادلة وفعالة ونشطة، هي التي تقوم بالتحقيق بنفسها. كما تقول إن موضوع استقلال المنظومة القضائية الإسرائيلية فيما يتعلق بالتحقيق في شبهات جرائم دولية يحظى بالتقدير، سواء من خلال لجنة تيركل في أعقاب قضية سفينة مرمرة التركية أو في طواقم تشاحنبور التي عملت على تطبيق دروس لجنة تيركل، لضمان الالتزام بمبادىء القانون الدولي من طرف الجيش والقضاء الإسرائيلييْن.
الضم الزاحف
وترى أنه إذا فُتح تحقيق، وبدأت المدعية العامة بجمع الأدلة وبفحص الشبهات في موضوع المستوطنات، من المهم أن تمتنع إسرائيل من القيام بخطوات تواصل فيها الضم الزاحف، وأن تتوقف عن خطوات الضم الزاحف وطرد الفلسطينيين من مناطق ج، والتي تعرقل أي إمكانات للتوصل إلى تسوية وقيام دولة قابلة للحياة.
وتتابع “على هذه الخلفية يمكن أن نفهم مخاوف وزير الأمن غانتس الذي توجه إلى إدارة الصندوق الدائم لإسرائيل وطلب منها تأجيل تنفيذ القرار “الحساس جداً” بشأن شراء أراض خاصة في الضفة الغربية. وبالاستناد إليه سيكون للقرار تداعيات على الصعيد الدولي، وعلى علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة، وعلى علاقات إسرائيل بالشتات، ومن نافل القول إن جهات دولية ستجد صعوبة في التفريق بين دولة إسرائيل وبين الصندوق الدائم لإسرائيل، على الرغم من أن أصحاب الصندوق ليسوا الحكومة الإسرائيلية.
توصية
وتخلص دولب لإسداء نصيحة بالقول: حسناً فعلت المحكمة العليا عندما ألغت قانون شرعنة مستوطنات في الضفة الغربية، لأنه يتعارض مع مبدأ السيادة الإقليمية، ومع مبادىء التشريع الإسرائيلي ويمس بحقوق الفلسطينيين. وتتابع “بذلك أزالت عقبة كبيرة كانت تواجه إسرائيل وحسناً تفعل إذا قامت بمبادرة لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين أو خطوات مستقلة للانفصال مدنياً عن الفلسطينيين، بهدف تعزيز أمن مواطنيها وخلق واقع سياسي أفضل يتيح القيام بخطوات سياسية في المستقبل، ويمنع خطوات أحادية الجانب تعرقل إمكان التوصل إلى تسوية. بذلك نحضر الأرضية لضغط قانوني وسياسي على المحكمة الدولية في لاهاي لمنع البدء بالتحقيق”.