هيا بنا نلعب..سما حسن

الخميس 25 فبراير 2021 01:35 م / بتوقيت القدس +2GMT



أبهجني وأسعدني أن هناك يومين عالميين لألعاب كنا نحبها عندما كنا صغاراً، وكبرنا ولم ننس ذكرياتنا معها، هناك يوم عالمي للطائرة الورقية، ويوم عالمي لشد الحبل، وقد كنا ننط الحبل وقليلاً ما كنا نشده، ولأننا كنا نحب بعضنا البعض كثيراً، فالمنافسة لا تتعدى شد الحبل بين أطفال الجيل، ولم يكن هناك بغض أو كراهية، بل كان هناك حب منقول من الكبار إلى الصغار.
عندما غنت فيروز «طيري يا طيارة طيري على سطح الجيران» كانت تحكي باختصار قصص الحب الصغيرة، وقصص الجيرة التي دامت لسنوات، والعشرة الطيبة التي لم تكن تفرق بين بيتنا وبيت الجيران، ولا سطح بيتنا ولا سطح بيتهم، بل اننا كثيراً ما كنا نتفاجأ بطابور من الصغار يقتحمون بيتنا ويهرعون من أمامنا فيما تجلس امي إلى طاولة المطبخ، وحولها تجلس جارة أو اثنتان تساعدانها في عملية لف أوراق العنب أو الملفوف، وفجأة يقتحم هذا الطابور البيت ويمرون من امام الجميع نحو السطح لكي يخلصوا ذيل الطيارة الورقية الذي علق بحبل غسيل أمي، وفيما يمرون دون استئذان يلاحقهم صوت أمي: اوعوا تقطعوا حبل الغسيل.
هؤلاء الصغار انطلقوا منذ الصباح دون ان يغسلوا وجوههم، ومعظمهم حفاة الأقدام، وقد جروا خلف الطائرة مسافات ومسافات، وفرحوا وتباروا وتباهوا بجمال ألوانها، وانعكاس أشعة الشمس على الورق الفضفاض اللامع الذي اشتروه من محل البقالة القريب، وغالباً ما يفعل ذلك المقتدر من الصغار، اما البقية فقد حصلوا على ورق من دفاترهم، أو من بعض الكتب القديمة، ولكن ذلك لا يمنع ان الجميع يلعب بالطائرات ويلاحقها، ويشعر بالسعادة لأنها ترتفع وكأنهم يرون أنفسهم يرتفعون معها من الفقر والبيوت الضيقة نحو عالم أرحب واوسع.
الطائرة الورقية تلك اللعبة التي تعود أصولها إلى الصين وتقام لها المهرجانات كل عام في بلاد كثيرة من العالم، وتعتني لبنان خصوصاً بهذه اللعبة وتقام فيها سباقات في اليوم العالمي للطائرة الورقية لها فوائد عظيمة على الصحة، وخاصة للأطفال فيما يخص صحة عظامهم ورقابهم وعضلاتهم.
على العكس من الأجهزة اللوحية الحديثة التي حولت أطفالنا إلى سجناء الغرف والبيوت، لم تفعل الطائرة ولا الحبل الذي كانت تنط من فوقه الفتيات فيخسرن وزناً ويكتسبن رشاقة وخفة ويتباهين بعدد النطات من فوق الحبل دون ان يتعثرن أو يقعن. ولأن نط الحبل لعبة من ألعاب الخلاء والطبيعة فهي من الألعاب الشعبية التي بدأت تفقد جمهورها مع حياتنا الاسمنتية الجامدة، والتي تحصرنا أمام الشاشات مثلها مثل الطائرة الورقية التي قليلاً ما يهتم بها الأطفال.
إن الأيام الجميلة التي مضت مع لعبة في الخلاء لا يمكن أن تعود مع هذا العالم الممتلئ ضجيجاً والمتسارع، ولا نملك سوى أن نضع أكفنا على وجوهنا ونمسح عيوننا ونحن نستعيد الذكريات الجميلة، والأيام التي كنا نلعب فيها الألعاب الجماعية التي علمتنا حب الآخرين وتمني الخير لهم، ولكن ألعاب هذه الأيام لا تقوم إلا على الأنانية، فنرى الأشقاء يتشاجرون من أجل الاستحواذ على شاشة صغيرة، وقليلاً ما نراهم يتحابون ويحبون أن يلعبوا سوياً، وضاقت البيوت بأطفالها يوم ان ترك الأطفال الخلاء والطبيعة والهواء النقي، وأصبحت حياتهم امام الشاشات والوجبات الجاهزة الغنية بالدهون الضارة. أيام كان الصبية يلعبون في الحارة بالطائرة الورقية كانوا يتبادلون قضم نصف رغيف شهي مخبوز على الطابون وقد رشته الأم بالزعتر الأخضر المطحون مع حبات السمسم، وأضافت فوقه قطرات من زيت الزيتون، ولأن شتان ما بين هذا الطعام وذاك، فشتان ما بين ايام مضت ولن تعود، وأيام تورثنا حسرة وقلقاً على صغارنا الذين لم يلعبوا بالطائرة الورقية ولم ينطوا الحبل سبع نطات.