اليد التي حررت القصيدة..غسان زقطان

الإثنين 22 فبراير 2021 10:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
اليد التي حررت القصيدة..غسان زقطان



لعلّ فواز عيد ومريد البرغوثي كانا الأكثر تأثيراً في بداياتي، فواز دلّني عليه سالم النحاس عندما أعارني مجموعته «أعناق الجياد النافرة» في عمان، أما مريد فقد التقيته مطلع الثمانينيات في بيروت، كنت قد قرأت مجموعته اللافتة «قصائد الرصيف»، وأتذكر أنني استغرقت في الحديث عنها في لقائنا الأول فيما كان مصغياً، كانت تلك المجموعة انعطافة حادة غير متوقعة من شاعر مكرس من شعراء السبعينيات بنى حضوره القوي على نصوص إيقاعية طويلة ولغة متداولة، مع شيء من الخصوصية. «قصائد الرصيف» كانت أقرب إلى مغامرة في حينها، شيء من الخروج على الاتفاق، نصوص قصيرة هادئة تذهب إلى الهامش والعاديات والتفاصيل المتروكة خلف المطولات والأفكار الكبيرة.
سأكتب قصيدة وأهديها له في مجموعتي الصادرة في دمشق عام 1984، رايات، وسيحبها، سيقول ذلك بطريقته الخاصة عندما التقينا، سيغطي بيده الإهداء واسمه ويقول:
أرأيت ستبقى قصيدة جميلة.
ستتوثق تلك المعرفة بيننا، وتتحول إلى صداقة عميقة شملت رضوى وتميم فيما بعد، وتواصلت حتى رحيله المؤلم مؤخراً.
كان مريد قادراً أن يكون قريباً من القلب دون تكلف، لم يكن معلماً، لم يرغب في ذلك، ولكنه كان يعرف نفوذ نصوصه ودفء حضوره.
من الصعب الكتابة عن مريد الآن بهذه السرعة، ولكنني أتذكر تلك القصيدة المبكرة ويده التي غطت الإهداء وحررت القصيدة:

أَسئِلة
إِلى مُريد البرغوثي

ما الذي نَبتَغيهِ من الشِّعرِ
بَيتٌ بَعيدٌ وَسيِّدةٌ في الحَديقةِ
نَجمَةٌ في سَماءِ صَديقة
جَرسٌ لامِعٌ لا يدقَ التَّحيَّةَ إلا لَنا في الصَّباحِ،
وَلمّا نَنامُ على قَشِّ أَحلامنا
ينتَحي جانِبَ اللّيلِ مُسترسلاً في الهَديلِ
ما الذي تبتَغيهِ من الشِّعرِ
صَيفٌ طويلٌ من العُطَلِ المَدرسيَّةِ
طَقسٌ مَطيرٌ
وَمزرَعةٌ في جنوبِ الوَطنْ
خيمَة في الجبالِ العَصيَّةِ شَرقاً
وبرِّيَّة للقَطيعِ الذي دقَّ أجراسَهُ
فوقَ أَرضٍ خراب
ما الذي أَبْتغيهِ من الشِّعرِ،
ها أَنَّني في الثَّلاثينَ..
قُبَّعتي في يَدي
وَيدي حَفنةٌ من تُرابٍ قَديمْ.