هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "بعد شجار استمر نحو يوم، استجابت الرقابة العسكرية في إسرائيل وصادقت على نشر البند السري في الصفقة التي مكنت من إعادة الفتاة الإسرائيلية التي اجتازت الحدود إلى سوريا. إضافة إلى الراعين السوريين وتخفيف حكم فتاة درزية من سكان هضبة الجولان، حولت إسرائيل لسوريا مقابلاً مادياً اقترحته روسيا، وهو تمويل شراء عدد كبير من لقاحات كورونا (كما يبدو مئات الآلاف)، وهو تطعيم من إنتاج روسي واسمه “سبوتنيك”، الذي لا تتحمس له معظم دول المنطقة وتفضل التطعيمات الغربية.
تم رفع منع الرقابة بعد أن بدأت تفاصيل حول الاتفاق تتسرب إلى وسائل الإعلام ومواقع إنترنت أجنبية، في أعقاب ما نشر في “هآرتس”، بوجود بند سري في الاتفاق. المبرر الرسمي لتأخير المعلومات هو أن هذا ما طلبه الروس من إسرائيل، وفي الاتفاق تم التأكيد على أن موضوع التطعيمات سيبقى سرياً. ولكن من غير المستبعد أن يكون لدينا اعتبار آخر. أدرك السوريون بسرعة أن الفتاة التي اعتقلت في قرية الخضر السورية على السفح الجنوب شرقي لجبل الشيخ، ليست جاسوسة، بل فتاة لديها ظروف شخصية معقدة. مع ذلك، حاولوا أن يحققوا أكبر قدر من الفائدة مما وقع تحت أيديهم. جمعت إسرائيل مقابلاً من هنا وهناك، لكن طلبت دمشق بعد ذلك الحصول على تمويل للتطعيمات، واستجابت إسرائيل رغم أن الأمر يتسبب بالحرج لرئيس الحكومة نتنياهو.
كان حل نتنياهو بسيطاً، وهو التعتيم على النشر. رغم أنه كان يمكن إلقاء هذا الأمر على عاتق طلب روسيا بالحفاظ على السرية. فعلياً، ثمة التقاء مصالح بين ديكتاتوريتين وبين ديمقراطية في حالة تراجع، ولجميع أولئك مصلحة في إخفاء حدوث عملية ابتزاز وإحراج. حسن حظ الفتاة هو أنها ذهبت في مغامرة عديمة المسؤولية في فترة انتخابات. قدمت روسيا لنتنياهو مبادرات حسن نية أخرى في ذروة جولتين انتخابيتين من بين الثلاث جولات الأخيرة – إعادة جثمان الجندي زخاريا باومل من سوريا في العام 2019 وإطلاق سراح فتاة إسرائيلية في السنة الماضية وهي نعوما يسسخار، التي ألقى القبض عليها في مطار موسكو، وهي تحمل كمية صغيرة من المخدرات.
ولكن الإنجاز الحالي لنتنياهو، الذي يستند إلى علاقته الجيدة مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين، يرتبط أيضاً بالتنازل في موضوع التطعيمات. أصبح هذا مسألة مشحونة سياسياً، تسبب له عدم الراحة. أما اليمين الإسرائيلي فغير متحمسين من أن تشتري إسرائيل بأموالها تطعيمات لصالح مواطني دول عربية. وهناك أمر مشحون أكثر، وهو أن نتنياهو لم ينجح حتى الآن في إنهاء قضية المخطوفين الإسرائيليين وجثامين الجنديين المحتجزين في أيدي حماس منذ أكثر من ست سنوات.
منذ تفشي فيروس كورونا، تمت محاولة ربط المساعدة الإسرائيلية لغزة في مكافحة الفيروس بتنازلات من قبل حماس في قضية المخطوفين والمفقودين. طرح هذا الأمر مجدداً في الأشهر الأخيرة عندما حصلت إسرائيل على كمية كبيرة من التطعيمات من شركة فايزر. وحتى الآن، تسلمت الضفة الغربية آلاف التطعيمات من المخزون الإسرائيلي. أما القطاع فقد وصلت إليه 500 جرعة سبوتنيك، من أجل الطواقم الطبية، رغم أنها قد تكون وزعت على كبار شخصيات حماس. لم تشترط إسرائيل النقل بالحصول على إشارة حياة من المواطنين المخطوفين.
تقول إسرائيل إنه ليس لديها أي التزام تجاه السلطة الفلسطينية أو حكومة حماس لتزويدهم بالتطعيمات. في المقابل، لم تعرقل نقل التطعيمات إليهم من الخارج. ولكن عائلات الجنود تطلب من نتنياهو استخدام التطعيمات كورقة مساومة في المفاوضات، وهذه القضية سبق وطرحت في محكمة العدل العليا في إسرائيل.
نتنياهو الآن في شرك في هذه القضية؛ لأنه وخلافاً لأزمات إنسانية أخرى، لا ينجح في تزويد البضاعة المطلوبة. والثمن الذي تطلبه حماس أكبر بكثير من الثمن الذي حصلت عليه روسيا وسوريا. الإحراج واضح إلى درجة أنه قلل في السنوات الأخيرة ظهوره في احتفالات الذكرى السنوية للشهداء الذين يعدّ مكان دفنهم غير معروف، على خلفية مظاهرات العائلات. في هذا الأسبوع، ظهر في الاحتفال وتفاخر بعلاقته مع بوتين.
لم يذكر رئيس الحكومة الثمن الكامل الذي ينوي دفعه. وسيطرح السؤال: لماذا لا يدفع ثمناً مشابهاً مقابل صفقة في غزة، رغم أن مطالب حماس أكبر. هل دم الفتاة الموجودة في سوريا والتي هي أصولية، أكثر احمراراً من دم القادم من إثيوبيا والموجود في قطاع غزة؟
دائماً يخرج معوجاً
تظهر الصفقة الأخيرة خطاً نموذجياً لأداء رئيس الحكومة في الأيام التي يدير فيها حرب بقاء سياسي وقانوني: حتى عندما يعمل لهدف جيد ومبرر (إنقاذ الفتاة الإسرائيلية) ويستغل تجربته السياسية (العلاقة هذه المرة بينه وبين بوتين)، فإن الأمور تخرج معوجة بشكل معين، من خلال دفع ثمن مختلف عليه والتستر على جهود الإخفاء الخرقاء. هذا ينبع من عدة مشاكل، مثل خلط اعتبارات الحملة الانتخابية، وإخفاء الأمر عن الجهات المهنية، اضطرار نتنياهو للعمل مع عدد من المستشارين والمساعدين الأقل تجربة وخبرة من الأشخاص الذين كانوا يحيطون به قبل عقد.
في نهاية المطاف، هناك خليط من الهواية والسرية، يضر بثقة الجمهور في خطوات الحكومة. خسارة. لأن الطريق المعوجة تطمس النتيجة الإيجابية للصفقة. نتنياهو الذي أحسن تشخيص التطعيمات باعتبارها المخرج الوحيد لإسرائيل من أزمة كورونا، يقود عملية تطعيمات بوتيرة سريعة ويسبق الدول الغربية بكثير. ويستخدم الآن دبلوماسية التطعيمات كـ “قوة ناعمة”، تساعد على إنجاز أهداف إسرائيلية (حتى الصين وروسيا تتصرف بهذا الشكل، في نطاق كبير). وبخياره الوحيد وتقريباً الثابت، وهو الإخفاء والخداع، يضر بالنتائج.
اعتقال من أجل المساومة
في الهامش، تجدر الإشارة إلى الرعاة الذين تم دمجهم في الصفقة، وهذا أسلوب ثابت وإشكالي بشكل معين، يستخدمه الجيش منذ سنوات، لا سيما على حدود لبنان في مزارع شبعا. تعتقل إسرائيل رعاة يجتازون الحدود في مناطق ليس فيها جدار محدد، وعلى الأغلب تطلق سراحهم بعد بضعة أيام. يتم الاعتقال لغرض الردع وخوفاً من أن “حزب الله” يستخدم بعض هؤلاء الرعاة لجمع معلومات عن نشاطات الجيش الإسرائيلي على الحدود.
في هذه المرة، تم اعتقال راعيين سوريين اجتازا الحدود في ظروف مشابهة في هضبة الجولان قبل أسبوعين، واخترقا حدود إسرائيل في مكان غربي الحدود دون اجتيازهما للجدار. ادعاء إسرائيل الرسمي هو اعتقال بسبب خرق السيادة، لكن من الواضح والظاهر للعيان أن تم جمع “أوراق مساومة” لتسريع إعادة الفتاة الإسرائيلية من سوريا. وهذا ما حدث عند تنفيذ الصفقة أول أمس.