بانسيابية ورشاقة تتحرك الشابة رماح البحيصي (20 عامًا) وبيديها ألواح خلايا شمسية تنقلها عبر السلالم إلى أسطح المنازل والمؤسسات التي تعمل على تركيب الطاقة الشمسية لتخطي أزمة الكهرباء المتفاقمة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة.
ولا تتوانى البحيصي عن منافسة الشباب على هذه المهنة التي يرى البعض فيها أنها خطيرة، خاصةً أنها تحتاج للقوة الجسدية لنقل الخلايا من مكان إلى آخر، إلى جانب حاجاتها لتركيب "منصات حديدية" باستخدام أجهزة "لحام الحديد"، وهي مهنة اعتاد المجتمع على أنها خاصة بالذكور لمشقتها الكبيرة.
وتعمل البحيصي إلى جانب عدد من الفتيات برفقة فريق شبابي يعمل لصالح شركة مختصة بمجال الطاقة الشمسية، بعد أن تلقين تدريبات نظرية وعملية لدى الشركة بدعمٍ من الأونروا.
وتقول البحيصي لـ"القدس" إنها دخلت هذا التخصص ولم يكن سوى عدد قليل من الشابات اللواتي انضممن إلى هذا المجال، مشيرةً إلى أنها في بداية تلقيها الدورات الخاصة بهذا المجال تعرضت لانتقاداتٍ وحالةٍ من التنمر من البعض، إلا أنها تجاهلتها تمامًا، واستمرت في خوض هذه التجربة التي وصفتها بالمهمة بالنسبة لمستقبلها.
وأشارت إلى أنها والشابات الأُخريات في الفريق نفسه يعملن كما الشباب من تركيب وتشغيل وصيانة، ونقل الخلايا والحديد ولحامه، والبطاريات الخاصة بهذا المجال، مشيرةً إلى أنهن بهذا العمل أثبتن أنهن قادرات على اختراق كل جدران الانتقادات وبناء مستقبل لهن وتحقيق طموحاتهن، خاصةً طموحها الكبير الشخصي بفتح شركة عبر الإنترنت لاستقبال طلبات الزبائن، وتشغيل شابات للعمل لصالح شركتها.
من جهتها، تقول الشابة غادة كريم في العشرينيات من عمرها إن انتشار البطالة في قطاع غزة بشكل أكبر من غيره دفعها للجوء إلى مجالٍ جديدٍ يمكن أن تجد فيه لنفسها فرصة عمل، لكي تستطيع أن تحقق طموحها بإيجاد وظيفة تشعرها بوجودها وكينونتها.
وأوضحت كريم، وهي تعمل مع فريق آخر يضم عدداً من الشابات والشبان، أنها كانت مترددة في دخول هذا التخصص، ولكن مع أول تجربة لها تشجعت بالإضافة إلى تشجيع عائلتها لها، ما زاد من قدرتها على تحدي كل الصعاب، وكسر حاجز الخوف في ظل التقاليد المجتمعية، حتى باتت مقتنعة بالفكرة التي عملت من أجلها.
وأشارت إلى أنها تمتلك قدرات مماثلة لتلك التي يمتلكها الشبان، وأنها تشعر بأنها أصبحت شخصية منتجة، ولم تعد عالةً على المجتمع أو عائلتها، مشيرةً إلى أنها ستواصل العمل حتى تصل إلى تجارب أكبر في سوق العمل، ومن ثم فتح المجال بالعمل لحسابها الشخصي.
وقالت : بالرغم مما يعانيه قطاع غزة من الحصار والفقر والبطالة، فإن شاباته وشبابه لديهم إسهامات وبصمات كبيرة، أظهرت قدراتهم العالية في تحدي الكثير من الصعوبات التي واجهوها في مجالات مختلفة، وليس فقط مجال الطاقة الشمسية الذي بات السكان يعتمدون عليه كثيرًا في ظل أزمة الكهرباء الكبيرة التي يعيشها القطاع منذ عام 2006 مع فرض الحصار وقصف الاحتلال محطة الكهرباء وتضررها بشكل كبير حينها.
وأضافت: "أنا كشابة، وجميع الشابات اللواتي يعملن في هذه المهنة، دخلنا سوق العمل، ونريد فرض أنفسنا والإثبات للجميع بأننا نستطيع المنافسة، وأن نعمل بعيدًا عن الضغوط المجتمعية"، مشيرةً إلى أن إصرارها ومَن مثلها من العاملات بهذا المجال على العمل فيه جعل الكثير من أبناء المجتمع يضطرون لتغيير النظرة تجاههن والعمل على تشجيعهن في الكثير من الأحيان.
وأعربت عن أملها أن تتغير فكرة المجتمع، خاصةً أن العالم أصبح في عهد التكنولوجيا، ولم يعد هناك فرق بين الشابة والشاب.


