«كن أنت التغيير الذي تريد»..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 26 يناير 2021 10:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT
«كن أنت التغيير الذي تريد»..مهند عبد الحميد



جاء قرار إجراء الانتخابات الفلسطينية للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني في لحظة اختناق سياسي واقتصادي وصحي (وباء كورونا) جراء الهجوم السياسي الاسرائيلي الاميركي الشامل على الشعب الفلسطيني. ويبدو ان سقوط ترامب لم يغير شيئا على أرض الواقع، حيث تُواصل دولة الاحتلال «تطبيق السيادة الفعلية على الأغوار والمستعمرات والمناطق المقامة عليها من خلال التوسع الاستيطاني الضخم، وشرعنة البؤر الاستيطانية، واقامة بنية تحتية لنظام استيطاني، ومنع إقامة دولة فلسطينية. ما تزال القدم الاسرائيلية على دواسة البنزين «كما قال الكاتب الاسرائيلي شاؤول اريئيلي في «هارتس» سعيا منها لتطبيق «صفقة ترامب نتنياهو « دون اعتراض دولي يذكر، وبإجازة عربية رسمية وشبه رسمية. الهجوم الذي يستهدف تصفية الحقوق الفلسطينية المشروعة يمتد للخارج ويسعى الى إسقاط الشرعية عن مناصري فلسطين وداعمي مقاطعة دولة الاحتلال ومنتقدي سياساتها المتوحشة في اوروبا واميركا ودول أخرى.
لا نستطيع تجاهل التهميش والعزلة والضعف الذي لحق بالقضية الفلسطينية جراء ذلك الهجوم الضاري، وهو السياق الزمني الذي اتخذ فيه قرار الانتخابات المتعددة. وهذا يفترض ان وظيفة الانتخابات هي تقوية العامل الذاتي الفلسطيني، وان الناظم السياسي لها هو ليس وقف الهجوم الاسرائيلي وحسب، وانما التراجع عن السياسات والوقائع التي جرى صناعتها بالاستناد الى صفقة القرن والتعامل معها فلسطينياً باعتبارها أعمالاً عدائية غير شرعية ومرفوضة. لا معنى للدخول في انتخابات فلسطينية مع بقاء صفقة ترامب سارية المفعول على الأرض وتتحقق يوما بعد يوم. الانتخابات في تعريفها السياسي هي تنظيم هجوم سياسي شعبي فلسطيني مضاد هدفه إسقاط صفقة القرن في المحافل الدولية والاقليمية واسقاطها على الارض وهو الاهم. قد يكون هذا الهدف صعب المنال ولا يتحقق اثناء الانتخابات، سيما وان العمل به كمشروع معتمد من دولة الاحتلال يمتد الى عقود، وبخاصة بعد ابرام اتفاق اوسلو، لكن البداية الجدية من المفترض أن تدشن في فترة الانتخابات.
في مختلف الحقب والازمان ساد التعدد السياسي في الواقع الفلسطيني، ومن الطبيعي ان تختلف وتتباين الرؤى والاهداف بين قوة سياسية واجتماعية وأخرى. التعدد سيكون ذا جدوى هامة اذا ما جرى اشتقاق أهداف ومصالح مشتركة . يجوز القول إن الهدف السياسي المشترك راهناً هو إسقاط صفقة نتنياهو ترامب التي تجسد الإقصاء الإسرائيلي للحقوق المشروعة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي المحتلة عام 67 وتقرير المصير دون وصاية او تدخل. واقعيا وموضوعيا لا يتناقض هذا الهدف مع قوى سياسية ومستقلة لها أهداف استراتيجية جذرية، فالوحدة الوطنية ترتبط باهداف مشتركة ولا يمكن فصل الوحدة والأهداف المشتركة عن بعضهما البعض. خلافاً لذلك يرى البعض أو يعتقد ان الانتخابات ستكرس الانقسام، ولا يكون هذا دقيقاً اذا انطلقنا من الهدف المشترك الذي يتلخص بإنهاء الاحتلال.
بعد الاتفاق على الهدف السياسي المشترك للانتخابات وهو أمر ضروري وشرط للنجاح بشرط ان لا يعتوره لبس أو غموض. بعد ذلك سنكون امام اهداف اخرى للانتخابات في مقدمتها اصلاح وتجديد ودمقرطة بنية المؤسسات الفلسطينية البيروقراطية المشوهة والشائخة. وفتح المسارات المعطلة للديمقراطية. هدف كبير قد تدشنه المعركة الانتخابية ويتواصل العمل به بعد الانتخابات. من الطبيعي ان تختلف القوى الفلسطينية هنا أكثر من الخلاف في الموضوع السياسي. فمن المتوقع أن يحاول كل تنظيم وبخاصة تنظيمي فتح وحماس المحافظة على سيطرتهما ونفوذهما. غير أن حل التناقض ما بين الخرائط السياسية والتنظيمية القائمة والخرائط الاجتماعية والديمغرافية المتغيرة على ارض الواقع أصبح ضاغطاً اكثر من أي وقت مضى ومطروحاً على بساط البحث. إذا دققنا في تركيبة المجلسين الوطني والمركزي سنجد طغيان الفئات العمرية المتقدمة في السن ومحدودية الفئات الشابة من الجنسين. التغيير الذي ينسجم مع تعاقب الاجيال، يطال الافكار ومهارات التفكير والحداثة والفكر التحرري والحريات والعمل والمساواة، فضلا عن الفئات العمرية الشابة. فغالباً ما يرتبط التجديد والتحديث بالقوى الشابة. في هذا المجال نصطدم بمفهوم شبه سائد هو الاكتفاء بمطالبة التغيير من القوى السائدة وكفى، والاكتفاء بتخطئة المواقف التي تطرحها وكفى، وهنا يتم إغفال حقيقة التغيير الذي يبدأ من الذات وفقا لمبدأ يقول «كن انت التغيير الذي تريد». فالديمقراطية يصنعها ديمقراطيون والحرية يصنعها أحرار. وفي هذه الانتخابات هناك عشرات القضايا بحاجة الى تغيير وتجديد، وما لم تتول قوة تغيير حقيقية هذه المهمة وتحمل لواء التغيير بنفسها، فإنها ستبقى كلاماً للاستهلاك وتسجيلاً للمواقف وطحناً بلا طحين. ومن الأمثلة على ذلك تجربة الكوتا النسوية حين جرى الاستعاضة عن انخراط المرأة الفعلي في النضال الاجتماعي واحتلال المواقع المؤثرة بزنديها، استعيض هذا الفعل بتأمين مشاركة للنساء عبر نظام الكوتا. كان التغيير في هذه الحالة فوقياً وشكلياً وليس في المضمون. ولم يكن من باب الصدفة ان تتبوأ نساء ضد تحرر النساء وإزالة كل أشكال التمييز ضدهن من خلال نظام الكوتا. والشيء نفسه ينطبق على مشاركة الشباب بقرارات بيروقراطية وبمعزل عن مشاركتهم الفعلية، هدفها احتواء الشباب وصرفهم عن الدور التغييري المأمول.
لا يمكن إشراك النساء والشباب والعمال بدون اختراق الحالة الهلامية وفوضى المعايير من موقع مستقل يبدأ بفكر تحرري وبامتلاك مهارات الحداثة.
دعونا نعترف بوجود أزمة ثقة بين معظم التنظيمات السياسية وقاعدتها التنظيمية ومحيطها الجماهيري. هذه المشكلة لا تعالج بإنكار التنظيمات لأزمة الثقة، بل بالاعتراف وبممارسة النقد الذاتي، وباعتماد سياسات جديدة تؤسس لثقة جديدة. مقابل ذلك لا يكون المخرج من الأزمة بإدانة التنظيمات وترويج خطاب اليأس والاحباط والتشكيك وكل ما هو سلبي بما في ذلك الانسحاب وعدم المشاركة. المخرج يكون بالنقد وبوضع معايير وطنية واخلاقية ومهنية وديمقراطية وبالممارسة وتقديم البديل الايجابي. يستطيع كل من لا يعجبهم الوضع القائم تقديم مبادرات مستقلة والدفع نحو استقطاب جديد. آن أوان التدخل والعمل بطرق مغايرة لطرق السلطات والمعارضات واستنادا لذلك تستطيع مجموعات شبابية ونسوية وعمالية واكاديمية وفنية وادبية واعلامية تقديم افكار التغيير في برامج وخوض الانتخابات على أساسه. هذا النوع من العمل هو أكثر انواع المعارضات تأثيرا ونجاحا في تحقيق التغيير الذي نريد.
Mohanned_t@yahoo.com