هآرتس لبايدن: متى تفهم أن إسرائيل في طريقها إلى “الضم” لمنع إقامة دولة فلسطينية؟

الجمعة 22 يناير 2021 10:10 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس لبايدن: متى تفهم أن إسرائيل في طريقها إلى “الضم” لمنع إقامة دولة فلسطينية؟



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: شاؤول اريئيلي    "يتوقع أن يختفي الرئيس الأمريكي السابق ترامب من الساحة السياسية، ويتوقف عن التدخل في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن على أمواج صدى “حلم السلام” الذي طرحه في بداية هذا العام، تواصل حكومة نتنياهو الدفع قدماً وتطبيق حلمها – فرض السيادة الإسرائيلية في المناطق ج. ورغم موجة التطبيع التي تغمر إسرائيل، وتأجيل موعد الضم، يبدو أنه إلى حين أن تتجرأ إدارة بايدن على طرح خطة عملية تعكس بيان الرئيس الجديد لحل الدولتين، أو على الأقل تكشر عن “أسنانها” أمام المخطط الإسرائيلي، فإن إسرائيل ستسير مسافة طويلة في تحقيق مخططها.

تدفع حكومة نتنياهو قدماً لخلق الظروف من أجل ضم مناطق ج، بخطة تتضمن ثلاثة مجالات: توسيع المستوطنات و”شرعنة” البؤر الاستيطانية غير القانونية، وخطوات قانونية وبناء بنى تحتية للمواصلات. هذه خطة مسيحانية تستند إلى المليارات من دافعي الضرائب في إسرائيل، وتستهدف إقامة وتعزيز نظام استيطاني كل هدفه منع إقامة دولة فلسطينية. ولكن الأمر يتعلق بنظام فقير، ليس لديه أي حضور ديمغرافي وجغرافي كبير، يستند جزء منه إلى “حراب الجيش الإسرائيلي”، وخرق النظام، ويجد مصدر رزقه في حدود الخط الأخضر وفي دعم كبير وعديم المسؤولية من قبل الحكومة على حساب مشاريع حيوية داخل حدود إسرائيل. كل ذلك لمنع ما هو مطلوب للمستقبل الصهيوني والديمقراطي لدولة إسرائيل، وهو انفصال سياسي ومادي عن الفلسطينيين في الضفة.

في المجال الأول، توسيع مستوطنات وشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية، فقد صادق نتنياهو ووزير الدفاع غانتس مؤخراً على بناء أو الدفع قدماً ببناء 5787 وحدة سكنية في مستوطنات وبؤر استيطانية. وإن فحص مكان وجود الوحدات التي صودق عليها يظهر أنه لا يقف خلفها أي جدول أعمال سياسي فيما يتعلق بمستقبل المستوطنات، إذا تم التفكير في المستقبل بحل الدولتين. العكس تماماً: الأغلبية الساحقة للمصادقات أعطيت للمستوطنات الصغيرة والمعزولة الواقعة خارج جميع الاقتراحات السياسية لدولة إسرائيل بخصوص الحدود الدائمة مع الفلسطينيين.

64 في المئة من الوحدات السكنية التي صودق عليها توجد خارج الاقتراح الذي طرحته إسرائيل في مؤتمر أنابوليس في العام 2008، والذي استهدف تمكينها كي تبقي تحت سيادتها 85 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر؛ و89 في المئة من الوحدات السكنية توجد خلف الجدار، و68 في المئة منها توجد شرق العائق الذي يخطط له، و80 في المئة توجد شرق الحدود الدائمة المثالية التي تبلورت في بحث معمق أجرته حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل”، الذي سيبقي على 80 في المئة من الإسرائيليين الموجودين خلف الخط الأخضر تحت السيادة الإسرائيلية.

علينا أن نضيف إلى الوحدات السكنية المذكورة أعلاه البناء المخطط له في حي “جفعات همتوس” جنوبي القدس و”مبسيرت ادوميم” (إي1) في “معاليه ادوميم”، و”جفعات عيطام” في “افرات”، التي استهدفت فصل غربي القدس عن الفضاء الفلسطيني.

في المجال الثاني، الخطوات القانونية. ففي السنوات الأخيرة تم تعميق أسلوب الضم الفعلي عن طريق تشريع مباشر من قبل الكنيست بخصوص المناطق المحتلة، كما وصف ذلك بتوسع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وذلك خلافاً للاستخدام الذي جرى في الماضي لأوامر صادرة عن القائد العسكري. في العام 2017 قررت الحكومة بأن لجنة الوزراء لشؤون التشريع لن تشرعن دون فحص إذا كانت هناك حاجة إلى تطبيق أي قانون مقترح على الإسرائيليين الذين يعيشون في المناطق، وما هي طريقة فعل ذلك. لهذا الغرض، تم تشكيل مجموعة مخصصة في وزارة العدل، تختص بتطبيق القانون الإسرائيلي في المناطق. وفي العام 2016 تم تشكيل اللجنة الفرعية لشؤون يهودا والسامرة (لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الخارجية والآن) في الكنيست، والتي تناقش مسائل مدنية تتعلق بالمناطق وتعالج شؤون المستوطنين.

وفي الكنيست العشرين تم سن 8 قوانين وتعديلات قوانين تسري مباشرة على الضفة، عدد منها يغير طريقة سيطرة إسرائيل على المناطق بصورة كبيرة، وتؤثر مباشرة على حقوق الفلسطينيين. ومن بين القوانين التي صودق عليها: قانون التسوية (الذي ألغته المحكمة العليا في حزيران)، وتعديل قانون المحاكم للشؤون الإدارية، الذي نقل من المحكمة العليا إلى محكمة الشؤون الإدارية في القدس معالجة التماسات مهنية تتعلق بالمناطق التي تقع في مجالات التخطيط والبناء، وقانون حرية المعلومات، والدخول إلى الضفة والخروج منها والتنقل داخلها، وأوامر إبعاد وإشراف للجيش (الحكومة تأمل أن تقود هذه الخطوة إلى حكم أفضل بالنسبة للمستوطنين، خاصة في مجال التخطيط والبناء)؛ وتعديل قانون مجلس التعليم العالي وتطبيقه على مؤسسات أكاديمية في المستوطنات، الأمر الذي ألغى الفصل الذي كان موجوداً بين مجلس التعليم العالي في دولة إسرائيل وبين مجلس التعليم العالي في يهودا والسامرة؛ ثم تعديل قانون منع التمييز في المنتجات، الذي أضاف منع التمييز بسبب مكان السكن. القانون يسري الآن على مستوطنات مثلما يسري على بلدات في إسرائيل. في المقابل، تم تعديل قانون حماية المستهلك، بصورة تلزم المصالح التجارية بالإشارة إلى أنها لا تقدم خدمات نقل أو خدمات إصلاح لمناطق معينة أو بلدات معينة في إسرائيل أو في المستوطنات. في هذه الأيام صودق بالقراءة التمهيدية على قانون “تسوية الاستيطان الشاب”، الذي سيشرعن البؤر الاستيطانية غير القانونية.

في المجال الثالث، بناء بنى تحتية للمواصلات. فقد أعلنت وزيرة المواصلات ميري ريغف في كانون الاول عن تمويل وتنفيذ سلسلة مشاريع مواصلاتية جديدة في الضفة، بتكلفة إجمالية تبلغ 400 مليون شيكل، والتي سيمول جزء منها عن طريق تحويلات في الميزانية من مشاريع أخرى. والمشاريع التي صودق عليها هي شارع التفافي اللبّن – حوالي 100 مليون شيكل؛ وشارع موديعين عيليت – لبيد – بنحو 171 مليون شيكل؛ ومنخفض قلندية – 103 ملايين شيكل، والدفع قدماً بتخطيط شارع آدم – حزما بكلفة 17 مليون شيكل.

جاء هذا القرار استمراراً للخطة الرئيسية الاستراتيجية للمواصلات، التي أطلقتها ريغف في تشرين الثاني بحضور رؤساء السلطات في يهودا والسامرة، ورافقها تصريح: “لا ننزل القدم عن الدواسة. نحن نطبق السيادة بصورة فعلية”. في الخطة الرئيسية يدور الحديث عن شق 167 كم من الشوارع الرئيسية الجديدة، بالإضافة إلى وضع حوالي 200 كم من سكك الحديد. هذه الخطة ستكلف عشرات مليارات الشواكل.

يتركز الجهد المواصلاتي في منطقتين. الأولى تستهدف ربط شمال السامرة وجنوب شرق يهودا – المنطقتان اللتان فيهما الحضور اليهودي معدوم – بالنظام الاستيطاني الرئيسي في يهودا والسامرة وبإسرائيل. يعيش الآن في المنطقة الواقعة بين “غوش عصيون” والخط الأخضر في جنوب الضفة نحو 20 ألف إسرائيلي و800 ألف فلسطيني. الثانية، شق سكة حديد على سلسلة الجبال، بمحاذاة المستوطنات الإسرائيلية المعزولة، والتي ستربطها بـ”العفولة” من الشمال و”كريات غات” من الجنوب الغربي.

هذه الخطة مثل الخطط الأخرى التي أطلقتها حكومات إسرائيل في اطار الضم الزاحف، لن تحسم الديمغرافية الفلسطينية – أغلبية راسخة تبلغ 84 في المئة من سكان الضفة (بدون القدس). والخطة لن تقلل من السيطرة الجغرافية للفلسطينيين – ملكية خاصة على أكثر من نصف الأراضي في مناطق “ج”. كما أنها لن تحسن التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي للمستوطنين، 31 في المئة منهم من الأصوليين الذين يعيشون في مدينتين موجودتين في قائمة الـ 11 بلدة الأكثر فقراً في إسرائيل (العنقود 1). حوالي 10 في المئة، معظمهم من الأصوليين، موجودون في الجزء الأسفل (العنقود 2 – 3). 4 في المئة علمانيون، الذين يعيش معظمهم في مستوطنات محاذية للخط الأخضر، مصنفون في الثلث الأعلى من السلم (العنقود 9). وفي ظل غياب زراعة إسرائيلية ومناطق صناعية يعمل فيها إسرائيليون، 60 في المئة من قوة العمل الإسرائيلية التي تعيش في الضفة تذهب يومياً إلى العمل في مناطق على حدود الخط الأخضر. ونظام المواصلات الباهظ سيساعدهم في مواصلة فعل ذلك. 25 في المئة، ضعف المعدل في حدود الخط الأخضر، يعملون في جهاز التعليم المدعوم، مع إنفاق مرتفع للفرد بشكل خاص.

هذه الخطوات ستنضم إلى خطوات سابقة لحكومات إسرائيل وستقود إلى نتيجة من اثنتين: الأولى هي استمرار النزاع مع كل تداعياته الاجتماعية والاقتصادية الصعبة على المجتمع الإسرائيلي، وارتفاع الأثمان التي سيكون على إسرائيل دفعها بمفاهيم إخلاء واستثمارات ضائعة في اليوم الذي ستدرك فيه وحدها أو بضغط دولي، وتسير من جديد نحو حل الدولتين. الثانية هي الانتقال من الضم الزاحف إلى الضم بواسطة القانون، الذي يقود إسرائيل إلى دولة واحدة مع أكثرية عربية ونظام غير ديمقراطي، الذي معناه نهاية حلم الصهيونية للآباء المؤسسين.