تفاوتت التقديرات الإسرائيلية حول السياسة التي سينتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه إسرائيل والصراع مع الشعب الفلسطيني بين من يتوقع تعاملا مغايرا جدا عما كان في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب لحد المجابهة خاصة أن هناك رواسب من الماضي، وبين من يتوقع عدم تغيير السياسات الأمريكية التقليدية رغم التوتر مع الحزب الديموقراطي.
رسميا وفيما التزم رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو الصمت حيال هذه المداولات رحب رئيسها رؤوفين ريفلين بتنصيب الرئيس جو بايدن كرئيس جديد للولايات المتحدة، وقال في مذكرته “سيدي الرئيس، أحيانا يجب التذكير بالمعروف به ضمنا، الولايات المتحدة ليس لديها حليف كبير مثل إسرائيل والشعب الأمريكي ليس لديه صديق أفضل من شعب إسرائيل”.
وبشأن التقديرات المتفاوتة حول وجهة باديدن في مسألة الصراع أضاف ريفلين في برقيته التي أرسلها مهنئا بايدن “الصداقة بيننا عابرة للأحزاب، وهي متجذرة في القيم المشتركة للديمقراطية والحرية التي نتشاركها، لا شك أن الولايات المتحدة في ظل رئاستكم ستظل ملتزمة بأمن إسرائيل وإزدهارها”.
وقال ريفلين إن المنطقة تتغير بسرعة، العديد من التغييرات إيجابية، اتفاقيات السلام الأخيرة بين إسرائيل وجيرانها والتي جلبت أملا جديدا منوها أنه يتطلع إلى العمل مع الإدارة الأمريكية للمساعدة في بناء المزيد من الجسور في المنطقة بما في ذلك مع الجيران الفلسطينيين. وتابع “سيادة الرئيس، سعدت بالترحيب بكم في القدس نائبا للرئيس، ويشرفني أن أدعوكم لزيارتنا مرة أخرى في أقرب وقت ممكن، بصفتك رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية”.
وقالت الإذاعة العبرية العامة الخميس إن مصادر أمريكية في إدارة بايدن أوضحت داخل غرف مغلقة أن المهمة الجوهرية لدى بايدن في الشأن الفلسطيني الآن هي منع نتنياهو من تصعيد الوضع مع الفلسطينيين وعدم زعزعة الميدان. وأضافت أيضا أنه يستدل من المحادثات الجارية أن الإدارة الأمريكية تدرك أنها لا تستطيع القيام بخطوات كبيرة ولذلك فإن الهدف المركزي الآن تهدئة الأوضاع”.
وذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أمام مجلس الشيوخ، الثلاثاء أثارت قلقا في إسرائيل ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم يدركون أن هذه هي الرسالة التي تصلهم في الشهرين الأخيرين من واشنطن فيما يتعلق بحل الدولتين والاتفاق النووي مع إيران.
ليبرمان يحمل نتنياهو المسؤولية
من جهته حّمل رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان المعارض نتنياهو مسؤولية التوتر المتوقع مع بادين بعدما “مسّ بالعلاقات التقليدية المتوازنة مع الحزبين الجمهوري والديموقراطي، معتبرا أنه بالإمكان إصلاح السياسة الأحادية والأخطاء التي ارتكبها نتنياهو في التعامل مع الولايات المتحدة.
وقال ليبرمان في حديث للإذاعة العبرية الخميس “ما ينبغي أن يقلقنا هو السؤال ما ينوي القيام به نتنياهو فهو يدأب في اللحظات الأخيرة على القيام بمفاجئات خدمة لمصالحه السياسية والانتخابية”. معربا عن ثقته بأن الإدارة الجديدة مختلفة في عدة قضايا بما فيها القضية الفلسطينية والصراع داعيا للدخول بسرعة في حوار مع إدارة بايدن.
وأضاف “لاشك أن إسرائيل فوتت فرصة ثمينة لضّم الضفة الغربية في فترة ترامب وطالما قلت إن نتنياهو لن يضم أي جزء من الضفة الغربية وكل تصريحاته بهذا الخصوص اندرجت ضمن مناوراته السياسية الانتخابية فقط”.
وخلص ليبرمان للقول “علينا مباركة بايدن ونتمنى له النجاح لأننا لا نملك مستندا كالولايات المتحدة حليفتنا الاستراتيجية وعلينا التنبه أن سيطرة الحزب الديموقراطي سيطر على كل مقاليد السلطة ونحن نعرف الموظفين وتوجهاتهم”.
قنال مباشر
واستخف وزير الطاقة في حكومة الاحتلال يوفال شطاينتس باتهامات وتحذيرات ليبرمان وقال إنه سمع بايدن قبل سنوات يقول إنه يعتبر نفسه صهيونيا، لافتا لوجود عدة قنوات مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وتابع شطاينتس في تصريح للإذاعة ذاتها بأن بايدن صديق إسرائيل وصديق شخصي لنتنياهو رغم الخلافات بينهما، مؤكدا أن القناة المباشرة بينهما هي الأفضل.
وردا على قول ليبرمان وعلى سؤال عما إذا سقط مخطط الضمّ قال شطاينتس إنه تم إرجاء ملف فرض السيادة الإسرائيلية ولم يلغ وإن الأولوية الآن هي لمعالجة التهديد الإيراني”. غير أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني اعتبرت أن العلاقات مع واشنطن تحتاج لمعالجة وترميم واعتبرت أن إسرائيل لن تسدد ثمنا سياسيا بحال أحسنت التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة مدعية أنه بوسعها دفع تعاون في المنطقة إلى الأمام”.
ورجحت تسيبي ليفني أن بايدن ما زال يذكر إعلانات حكومة الاحتلال عن مشاريعها الاستيطانية قبيل كل زيارة له للبلاد وأنه سيتعامل بنوع من الريبة مع حكومة نتنياهو.
بادين – جيد لمن هذا سؤال عديم المعنى
وقال القنصل الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة ألون بانكاس إن السؤال هل سيكون بايدن جيدا لإسرائيل سؤال غير صحيح لعدة أسباب: ماذا تعني بالضبط “جيد لإسرائيل” من يحدد ما هو “الجيد لإسرائيل”؟ هل هو رئيس الحكومة؟ وسائل الإعلام؟ الجمهور؟ المؤرخون؟ ما هي المعايير الموضوعية التي نحاكم طبقا لها ماهية “الجيد لإسرائيل”؟ هل هي السياسة الخارجية التي قادها؟ علاقاته مع رئيس حكومة إسرائيل؟ هل بمنظار الزمن، هل ربما أن الرئيس الذي لم يعتبر في نظر أبناء تلك الفترة كـ”جيد لإسرائيل” قد عمل وحسّن وضع إسرائيل ودفع قدما بمصالحها الاستراتيجية؟
ويمضي بينكاس في رؤيته عبر المزيد من الأسئلة: إذا أخذنا 100 إسرائيلي بصورة عشوائية وسألناهم سؤالا أساسيا ومباشرا: هل كان ترامب جيدا لإسرائيل؟ وماذا عن أوباما، هل كان جيدا لإسرائيل؟ وماذا بالنسبة لبيل كلينتون؟ من يتذكر ريتشارد نيكسون أو جيمي كارتر؟ وماذا بشأنهم؟ ما رأيكم، هل كانوا جيدين لإسرائيل؟
وبالنسبة له الإجابات التي من المرجح العثور عليها متوقعة وسطحية وعاطفية، وهي لا ترتكز على معرفة، معلومات أو سياق ومنظور بل هي إجابات لـ100 شخص بصورة عشوائية هي وليدة مشاعر الحدس، كتلة حاسمة من التغطية الإعلامية، ذاكرة آخذة في التلاشي لعلاقات رئيس حكومة إسرائيل في ذلك الحين مع ذاك الرئيس للولايات المتحدة.
ويرى بينكاس أن السؤال والإجابة يستندان على مخاوف، رغبات، أحاسيس داخلية، تعاطف وكراهية اساسيان، الرغبة المفجعة في أن الرئيس “يحبنا”. ويضيف “في حين أن السؤال هو حقا مشروع ويعكس الوعي للاهمية الكبيرة لعلاقات اسرائيل بالرئيس الأمريكي، يمكن ومن الضروري انكار الفرضية القائلة بوجود إجابة جدية على الإطلاق.
ناحوم برنياع – سيداتي سادتي، تحول
وهذا ما يراه المحلل السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” نحوم برنياع الذي قال في مقال بعنوان “سيداتي سادتي – انقلاب”: “لنضع جانبا العناق الذي تلقته إسرائيل من إدارة ترامب – موضوع هامشي بمقياس أمريكي – ولنلقي نظرة إلى إرثه. لقد أخرج إلى النور نوازع دفينة، عدوانية، هذيانات عنصرية وتنظيمات تآمرية، إرهابية، لليمين المتطرف. خطاباته التحريضية القت بظل ثقيل على الأمن الداخلي الأمريكي، على استقرار نظامها وعلى مكانتها في العالم”.
ويعلل تسميته انتخاب بايدن بالانقلاب بقوله “جو بايدن، العم جو، السياسي العجوز، المعانق المنتظم، غير الضار على نحو ظاهر، فعل هذا. بعد أربع سنوات من بيت أبيض مجنون، فوضوي، يسعى لان يجلب إلى بلاده وللعالم بعضا من الحالة الطبيعية. عندما انتخب براك أوباما رئيسا قبل 12 سنة، سمع ناخبوه أجراس الخلاص. أما بايدن فيكتفي بأقل. منتجو المشروب الغازي سفن أب نشروا ذات مرة مشروبهم تحت شعار “نحن اللاكولا”. بادين هو اللاترامب”.
وعلى غرار بينكاس قلل برنياع من أهمية ترامب رغم اعترافه بسيادة الاحتلال على القدس وهضبة الجولان ويقول إن خطاباته التحريضية القت بظل ثقيل على الامن الداخلي الأمريكي، على استقرار نظامها وعلى مكانتها في العالم. ويضيف “الحقيقة الواقعة كانت إحدى الضحايا: أكثر من 30 ألف كذبة، هذا هو الإحصاء الرسمي، تفوه بها في أربع سنوات ولايته. إنه يترك وراءه أمريكا جريحة، مرضوضة، منقسمة، ضعيفة. هذا ليس جيدا لإسرائيل أيضا”.
وتتوقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن يدعم بايدن اتفاقيات التحالف وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبينن الإمارات والبحرين، لكنه لن يوافق على إمداد دول الخليج بالسلاح، مثلما فعل الرئيس السابق، دونالد ترامب. وأضافت الصحيفة أن إسرائيل ستطلب من إدارة بايدن ألا تفاجئها في الموضوعين الإيراني والفلسطيني منوهة إلى أن هذا ليس مضمونا.
ونقلت القناة الإسرائيلية “أي 24″ عن مصادر داخل الحزب الديمقراطي قولها إن جو بايدن استقبل بترحيب كبير قرار المغرب إعادة علاقاته مع إسرائيل وكذا الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وأن إدارة الرئيس الجديد تعتبر المملكة حليفا أساسيا يمكن الاعتماد عليه كمحاور رئيسي بمنطقة شمال إفريقيا، مستبعدة بذلك أي نية لدى الإدارة الجديدة للتراجع عن قرار الإدارة السابقة”.