الانتخابات الفلسطينية: الضرورة وإمكانية النجاح..أشرف العجرمي

الأربعاء 20 يناير 2021 11:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الانتخابات الفلسطينية: الضرورة وإمكانية النجاح..أشرف العجرمي



لا شك أن المرسوم الرئاسي بشأن إجراء الانتخابات بشكل متتالٍ، وفي فترة قياسية عملياً، هو تطور مهم للغاية طال انتظاره. وعلى الرغم من تأخر العملية الديمقراطية لسنوات طويلة، إلا أن توقيتها في هذه الفترة يحتل أهمية بالغة لأسباب عديدة سنحاول التطرق لها. ولكن السؤال الذي يقلق المواطنين منذ وقت طويل هو: هل ستُجرى الانتخابات فعلاً، أم أن الاتفاق هذه المرة بما في ذلك المرسوم الرئاسي سيمر دون التنفيذ الفعلي بناء على تجربة الاتفاقات السابقة المُرّة، أي دون النجاح في إجراء العملية الانتخابية؟
يبدو أننا في هذه المرحلة على أعتاب تغيّر جوهري في العمل السياسي الفلسطيني فرضته الظروف أكثر مما فرضته القناعات الداخلية. وعليه فالاحتمال الغالب هو أن تُجرى الانتخابات في موعدها؛ لأن السلطة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير، وعلى رأسهم الرئيس أبو مازن، يحتاجون الانتخابات لتجديد شرعية المؤسسات التمثيلية، خاصة في ظل غياب الانتخابات بعد انقلاب «حماس» وحلّ المجلس التشريعي في أواخر العام 2018، وعدم وجود الجهاز الرقابي الأهم الذي يتابع عمل السلطة التنفيذية من كل جوانبه، وبعد مطالبات دولية جادة بضرورة إجراء الانتخابات للمؤسسات الفلسطينية. ويبدو أن فوز الرئيس الأميركي جو بايدن من أهم المحفزات لإجراء الانتخابات في هذه الفترة، تمهيداً لدخول العلاقات الفلسطينية - الأميركية في طور جديد قد يفضي إلى استئناف العملية السياسية، التي ستكون بحاجة لتوحيد الضفة وغزة وتوحيد المؤسسة القيادية الشرعية التي تمثل الشعب الفلسطيني، وهذا لا يلغي أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد والمعترف به للشعب الفلسطيني. ولكن في ظل الانقسام الجغرافي والسياسي، كان السؤال الذي يُطرح من مؤسسات دولية كثيرة: ما هو وضع غزة في القرار الفلسطيني وإمكانية تنفيذ أي اتفاق على مستوى الوطن؟ ويظهر أن هناك رسائل وصلت القيادة الفلسطينية من محيط الرئيس بايدن بضرورة إجراء الانتخابات، وإحداث إصلاحات في المؤسسة الفلسطينية.
أما «حماس» فيبدو أنها وصلت لقناعة، وبضغط من عواصم إقليمية، بأنها لا يمكن أن تحصل على شرعية حتى في عهد الرئيس بايدن الديمقراطي من دون مظلة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الشرعية، وأن التفكير بعودة بايدن إلى سياسة الرئيس السابق باراك أوباما بدمج «الإخوان المسلمين» في الأنظمة السياسية في العالم العربي غير مجد لسببين، الأول أن ثورات الربيع العربي صارت من خلفنا، وقد فشل «الإخوان» في تشكيل بديل فعلي لسلطة الأنظمة التي كانت حولها إشكاليات، حتى في الدول التي نجح فيها «الإخوان» بالوصول إلى السلطة، مثل: مصر وتونس، لم يستطيعوا خلق نظام أفضل من الأنظمة الدكتاتورية. والسبب الآخر هو عدم الاعتراف بـ»حماس» كتنظيم شرعي لأنه لا يوافق على شروط «الرباعية الدولية»، ولا يمكن للأنظمة الغربية أن تتعامل مع «حماس» لجهة شرعية لوحدها حتى لو فازت في الانتخابات لوحدها كما في العام 2006، أو لو بقيت السلطة المسيطرة على غزة لسنوات قادمة، وأن فرصتها في الحصول على الشرعية من دون غطاء السلطة والمنظمة غير ممكنة. وبالتالي للاستفادة من فرصة التغيير في الإدارة الأميركية كان لا بد أن تقبل «حماس» الانضمام للسلطة والمنظمة. بالإضافة لأسباب أخرى مثل الفشل في إدارة غزة وتغيير الواقع هناك والاتفاق مع إسرائيل على المدى الطويل، فالثمن الذي تطلبه الأخيرة باهظ وقد لا يلبي طموحات «حماس»، عدا كونه مؤقتاً بمقاييس المصلحة الإسرائيلية.
إذاً، فالطرفان لديهما مصلحة في إجراء الانتخابات ونجاحها على الأقل في فرز مجلس تشريعي جديد، وفي إعادة تركيب منظمة التحرير والمؤسسات الفلسطينية. وهذا في حد ذاته ربما يشكل ضمانة لتنفيذ العملية الانتخابية، ولكنه ليس بالضرورة ضمانة لحصول وحدة وطنية حقيقية تنهي الانقسام من كل جوانبه. فهناك قضايا بحاجة لمعالجة وهي كثيرة وشائكة، مثل: السلاح في غزة، وقدرة الحكومة القادمة على ممارسة سلطاتها، والانقسامات في كل المؤسسات، حيث عملت «حماس» على إنشاء مؤسسات موازية لمؤسسات الحكومة، فلديها قضاء وسلطة أراضٍ منفصلين وهذا ينطبق على مختلف القطاعات، ولديها جيش من الموظفين المدنيين والعسكريين غير المسجلين رسمياً كموظفي سلطة، بالإضافة إلى بنود تفصيلية أخرى.
وقد لا يجري الاتفاق على مجمل هذه الأمور في الحوارات القادمة بالقاهرة، التي من المتوقع أن تُجرى خلال الأيام القادمة، ولكن لو حسنت النوايا يمكن أن يحصل الاتفاق، مع العلم أن لكل اتفاق تكاليف مادية كبيرة وقد يحتاج تنفيذه إلى وقت طويل. ومع ذلك، هذا يمثل ضرورة قصوى لضمان استمرار العملية وإنجاز الوحدة الحقيقية. ومن المفيد في هذا السياق أن تتم الاستعانة بالرباعية الجديدة التي تمثل كلاً من: مصر والأردن وفرنسا وألمانيا، في تذليل العقبات في طريق الانتخابات، وحتى في الحصول على دعم دولي لعملية المصالحة والوحدة. وفي نهاية المطاف، تمثل العملية الديمقراطية حاجة للتأسيس لدولة فلسطينية حقيقية تقوم على أساس نظام الفصل بين السلطات وتداول السلطة، ودمج الأجيال في عملية صنع القرار، وفي النهوض بالمسؤوليات الوطنية الكبرى في الحصول على الحرية والاستقلال وبناء الدولة المنشودة.