صحيفة اسرائيلية تتساءل: ما الذي تنتظره تل أبيب حيال تهديد “حزب الله” وصواريخه الدقيقة؟

الجمعة 15 يناير 2021 05:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة اسرائيلية تتساءل: ما الذي تنتظره تل أبيب حيال تهديد “حزب الله” وصواريخه الدقيقة؟



القدس المحتلة /سما/

 معاريف - بقلم: ألون بن دافيد   "تستغل إسرائيل أيام ترامب وبومبيو الأخيرة كي توجه ضرباتها للإيرانيين في سوريا، وذلك حسب التقارير من هناك. وإلى جانب القلق المفهوم الذي توقظه نية الرئيس بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ثمة من يرى في هذا أيضاً فرصة لإخلاء الإيرانيين من سوريا في صفقة رزمة شاملة. ولكن التهديد الاستراتيجي الأهم علينا ليس في سوريا بل في لبنان، وإسرائيل حتى الآن تمتنع عن معالجته.

لقد نجحت الهجمات المتواترة المنسوبة لإسرائيل في سوريا في تشويش محور التوريد البري والجوي الإيراني لحزب الله، ولكنها لم توقف مساعي حزب الله لتأسيس قدرة مستقلة لإنتاج وتركيب صواريخ دقيقة على الأراضي اللبنانية. في صيف 2019 هاجمت حوامات انتحارية عنصراً معداً لإنتاج وقود الصواريخ في بيروت. ومنذئذ كشف رئيس الوزراء مرتين من على منصة الأمم المتحدة المواقع التي يحاول فيها حزب الله إنتاج الصواريخ. في السنة الماضية نشب حريق خفي في موقع آخر للتنظيم، ولكنه لم يردع حزب الله.

ثمة تقدير بأن التنظيم نجح حتى اليوم في جمع بضع مئات من الصواريخ الدقيقة لمسافات متوسطة وطويلة. يبدو أن ليس لديه بعد قدرة إنتاج كاملة من الألف إلى الياء، لمثل هذه الصواريخ، ولكنه يواصل جهوده لتحويل الصواريخ “الغبية” إلى صواريخ دقيقة من خلال عناصر من إنتاج إيراني توضع على رأس الصاروخ وتكسبه قدرات قيادة وتوجيه. يمكن تهريب هذه العناصر في حقيبة، وهناك تقدير بوجود بضعة مواقع تركب فيها صواريخ دقيقة في لبنان في هذه اللحظة.

 مفهوم امتناع إسرائيل عن العمل بشكل علني ضد هذه المواقع؛ فمنذ 2012 وهي تثبتت معادلة ردع، وبموجبها يرد حزب الله بالنار على كل هجوم إسرائيلي على الأراضي اللبنانية. ويمكن لتبادل هذه الضربات أن يؤدي إلى مواجهة شاملة، حتى وإن كان الطرفان غير معنيين بها.

هل نعرض مدننا لهجمة من عشرات آلاف الصواريخ غير الدقيقة تزرع فيها دماراً شديداً ومصابين، من أجل إحباط بضع مئات من الصواريخ الدقيقة؟ الجواب السهل والمريح هو أن التهديد ليس فظيعاً بعد، ويمكن تحسين وسائلنا الدفاعية في مواجهة كمية كهذه من الصواريخ. لا يروق لأحد أن يعيش حرب لبنان الثالثة. ولكن السؤال هو إلى متى، حين يصبح في لبنان 1000 صاروخ دقيق؟ 2000؟ 10.0000؟

وصف الجيش الإسرائيلي تهديد الصواريخ الدقيقة من لبنان في الماضي كتهديد استراتيجي على إسرائيل. حين يكون بوسع حزب الله أن يمطر وابلاً من الصواريخ في منطقة الكريا في تل أبيب وفي مكان ما بين شارعي كبلان وشاؤول الملك، بالضبط على مبنى هيئة الأركان في قاعدة الكريا – فإنها تصبح قدرة قد تعطل منظومات استراتيجية لإسرائيل. ولكن هذا التعريف لم يترجم حتى الآن لخطة عملياتية توقف مشروع دقة صواريخ حزب الله.

كالمثال عن الضفدع التي تنضج ببطء في وعاء من الماء، نقول لأنفسنا بأنه رغم سخونة الماء لكنها لا تزال مناسبة ولا حاجة للخروج منها. يتباهى الجيش الإسرائيلي بالغطاء الاستخباري الممتاز الذي يملكه عن لبنان بحيث يمكن التقدير بأنه يعرف بالضبط ما هي درجة حرارة الماء في كل لحظة. اليوم، عندما نكون على مسافة غير بعيدة عن نقطة الغليان، نجدنا ملزمين بأن نعرف ونقرر بصراحة ما هي درجة الحرارة التي لا يعود بوسعنا أن نحتملها.

لا توجد هنا نية للتقليل من تعقيد هذه المعضلة أو لتخفيف حدتها. فإسرائيل، تقليدياً، لم تخرج إلى الحروب كي تمنع تعاظم قوة العدو أو كما وصف ذلك مئير داغان الراحل: “لا يخرج المرء للحرب إلا والسيف على الرقبة يحز اللحم الحي”. والأمور صحيحة عند الحديث عن حرب في الجبهة الشمالية، فيها إمكانية كامنة لجعل المجتمع الإسرائيلي يعيش تجربة أليمة لم يعشها منذ حرب الاستقلال، ولكن هناك لحظات لا يطاق فيها التهديد.

في سنوات ما بعد الانسحاب من لبنان، شاهد الجيش الإسرائيلي بعيون تعبة التسلح المتسارع لحزب الله وقال لنفسه إن “الصواريخ ستصدأ في مخازنها”. ولكن في 2006 هبطت علينا الصواريخ غير الصدئة بالآلاف وبمفاجأة. في حينه كان لدى حزب الله نحو 14 ألف صاروخ. أما اليوم فنحو 70 ألف صاروخ ومقذوفة صاروخية (ولسبب ما ثبتت في الوعي أعداد مغلوطة مثل 120 ألف صاروخ أو 150 ألفاً. لكنه ليس الحال).

إن الميل الإنساني لأصحاب القرار هو ركل مثل هذه المعضلة الصعبة ودحرجتها أسفل الشارع على أمل أن يضطر أحد ما آخر للانحناء فيرفعها. ولكن هناك حاجة لزعامة مسؤولة، سياسية وعسكرية أمام ما ينشأ في لبنان، لكي تعرف منذ هذه السنة ما هو الخط الأحمر الذي يلزمها بالعمل.

اللبنة السورية

ستمر أشهر طويلة أخرى إلى أن تتفرغ الإدارة الأمريكية الجديدة للانشغال بمشاكل الشرق الأوسط. ولكن إسرائيل تقدر بأن رجال بايدن بدأوا يؤسسون لقنوات حوار مع إيران. فإلى جانب القلق المبرر من نية العودة إلى الاتفاق النووي السيئ الذي وقعه الرئيس أوباما مع إيران، على إسرائيل أن تلاحظ الفرص التي في مثل هذه الخطوة. ولكن يمكن ومتاح اقتياد إيران إلى اتفاق نووي محسن في العمل مع الإدارة الجديدة، وليس ضدها.

ليس لإيران بديل غير اتفاق جديد، خصوصاً بعد أن أصبحت محطمة اقتصادياً واجتماعياً وصحياً. لا حاجة للتأثر بالخطوات الاستفزازية الإيرانية، التي تخصب اليورانيوم الآن إلى مستوى أعلى، وتقيم مصنعاً لإنتاج معدن اليورانيوم (عنصر حرج لإنتاج القنبلة) – ليس لهم قدرة مساومة ذات مغزى، إذا ما واجهوا إدارة أمريكية مصممة. وعلى إسرائيل أن تؤكد هذا الاعتراف والتصميم في أوساط رجال بايدن وألا تعمل بطريقة كدية تجعلهم مغتربين.

إن اتفاقاً نووياً محسناً لن يرضي كل تطلعاتنا، ولكن يمكنه إبعاد إيران سنوات طويلة عن القنبلة، وله أيضاً إمكانية كامنة لاستغلال التغيير الإقليمي الذي تصدره ترامب وإخراج سوريا أيضاً من العناق الشيعي. مع وعد من أصدقائنا الجدد في الخليج في المساهمة في إعادة سوريا الخربة، سيكون ممكناً إقناع الروس والأسد لتوجيه الإيرانيين للخروج ولإعادة سوريا إلى مكانها الطبيعي في حضن العالم السُني.

إذا كان ممكناً إخراج اللبنة السورية من الهلال الشيعي وحرمان حزب الله من مسارات التوريد وجبهته اللوجستية الخلفية، سيبدو التهديد من لبنان مختلفاً تماماً.