هآرتس - بقلم: عميره هاس “منذ الطفولة عملت في سوق الكرمل”، قال عصام بركة في مكالمة هاتفية، وتخيلته ولداً يجر الصناديق، ويقوم بتقشير الذرة، ويأخذ من الكوم حبات البندورة الناضجة وينظف الدكان في المساء، وأثناء ذلك يلتقط اللغة العبرية. في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت إسرائيل ما تزال تحترم حق الفلسطينيين في حرية الحركة، باستثناء عدة حالات شاذة وأثناء حظر التجول، وكان يمكنهم السفر بين غزة والضفة الغربية وإلى داخل إسرائيل وبالعكس. بالنسبة لإسرائيل، كانت دوافعها الاقتصادية والسياسية تدعوها للسماح بحرية الحركة. وبهذا كان الكثير من أولاد وفتيان قطاع غزة، مثل بركة الذي عمره الآن 56 سنة، يستغلون العطلة المدرسية لمساعدة العائلة. عائلات إسرائيلية كثيرة مدينة لهم باستقرارها الاقتصادي وحتى ثرائها، بسبب الأجور المنخفضة التي كانت تدفعها لهم.
تزوج بركة من مواطنة إسرائيلية ويعيش منذ العام 1991 في يافا. مع مرور الوقت، حصل على الجنسية الإسرائيلية. وهو يعمل لكسب الرزق كبائع في محل للخضار. في 1 كانون الأول الحالي توفيت والدته (89 سنة) في بيتها ببلدة بني سهيلة في جنوب قطاع غزة، على بعد 85 كم عن بيته، وهو لم يرها منذ 13 سنة. “قبل وفاة والدتي، كتبت منشوراً عن احتضان أمي ومدى شوقي إليها”، وأضاف: “عندما تزوجت لم أتخيل أن يكون الانفصال عن عائلتي هو الثمن”.
إدارة التنسيق والارتباط، الخاضعة لوحدة منسق أعمال الحكومة في المناطق التابعة لوزارة الدفاع، لم تسمح له بالمشاركة في الجنازة. جمعية “غيشاه” خاضت نضالاً حازماً ضد المنع كي يستطيع بركة المشاركة في العزاء مع أخوته وأخواته. عندما توفي والده قبل أربع سنوات تقريباً كان قد منع من هذا المشاركة أيضاً. استمر النضال ثلاثة أسابيع، وكان يتضمن المكالمات والرسائل الإلكترونية لإدارة التنسيق والارتباط، بالالتماس للمحكمة العليا، وظهور أمام القضاة ،وإرسال رسائل إليهم. في النهاية، ألزمت المحكمة العليا الدولة بالسماح لبركة بالذهاب إلى القطاع. ولكنه لم يتمكن حتى الآن من زيارة عائلته وزيارة قبر والديه.
الممتع في هذه القصة المألوفة هو كم من الوقت البيروقراطي والحماسة وانغلاق القلب استثمر مبعوثو الحكومة، من الجنود العاديين والضباط ومحامية الادعاء العام (ايلانيت بيتاو)، لمنع بركة من مشاركة الألم والعزاء مع أبناء عائلته المقربين الذين لم يلتقهم منذ أكثر من عقد. لعب مبعوثو الدولة بكرتين لشرح قرارهم، هما: كورونا، وسياسة إسرائيل لمنع حركة شخص إلى قطاع غزة – باستثناء حالات إنسانية استثنائية جداً.
المشاركة في حفل زفاف قريب من الدرجة الأولى، والمشاركة في عزائه، تعتبران “حالة انسانية شاذة”، تسمحان بدخول غزة أو الخروج منها حسب المعايير المتشددة لإدارة التنسيق والارتباط في المناطق. ولكن منذ آذار، قدمت كورونا للسلطات الإسرائيلية فرصة للعودة إلى زيادة تشديد قيود الحصار على غزة، وتجاهل حالات السماح النادرة التي أعطيت في الماضي. في إسرائيل نفسها تغيرت تعليمات كورونا عدة مرات، انطلاقاً من نقاش عام. ولكن زيادة التشدد في إغلاق معسكر الاعتقال في غزة بأيدي حراس وزارة الدفاع تم بدون مراقبة وبدون نقاش.
التماسات “غيشاه” و”موكيد” للدفاع عن الفرد في قضية “عائلات مقسمة” (مواطنون إسرائيليون من سكان القطاع ويوزعون حياتهم بين القطاع وإسرائيل)، نجحت في خرق شيء ما في السور الحديدي. المواطنون الإسرائيليون الذين وجدوا أنفسهم “عالقين” في إسرائيل، سمح لهم بالعودة والسفر إلى بيوتهم في القطاع. وأعلنت الدولة أيضاً أنها ستمكن مواطني غزة من الذهاب إلى إسرائيل في حالات العزاء، ويسمح لمن يسكن الضفة بالدخول إلى القطاع. فلماذا يمنع مواطن إسرائيلي من مواليد القطاع من السفر إلى عائلته؟
حسب محضر المداولات في المحكمة العليا في 9 كانون الأول، فإن القضاة: دفنة براك – ايرز، وعنات بارون، وعوفر غروسكوفف، وجدوا صعوبة في فهم تبريرات المدعية بيتاو. “الموضوع هو صحة الجمهور؟ سألت براك – ايرز، وأجابت بيتاو: نعم. إذا كان هناك استعداد للعزل (أن يدخل بركة إلى العزل عند عودته) فما المشكلة، وزادت القاضية الضغط، وقالت: “يجب أن تكون علاقة منطقية بين الوسيلة والغاية”. وأوضحت بيتاو بأنك لا تستطيع أن تشرف على درجة الحفاظ على تعليمات كورونا حتى في القطاع إسرائيل. وواصلت القاضية التساؤل: هذا يسري على كل مواطن إسرائيلي في كل العالم. ماذا عن مواطن يسافر إلى دبي؟ انتقد القضاة انعدام الشفافية الذي تتبعه السلطات عندما تلغي أو تغير التعليمات بخصوص الخروج من القطاع والدخول إليه.
رغم ملاحظات القضاة، أعلنت بيتاو في 10 كانون الأول بأن الدولة لم تتراجع عن الرفض. عندها، اضطرت بيتاو في أعقاب أمر مشروط للمحكمة في 20 كانون الأول، إلى الاعلان عن السماح لبركة بدخول القطاع. الثلاثاء، 22 كانون الأول، أُبلغ بركة بأنه تصريح دخول للقطاع لمدة ثلاثة أيام ينتظره في حاجز “إيرز”. سافر بركة إلى الحاجز بانفعال، واكتشف بأن هناك أمراً ضده بـ “منع الخروج من البلاد” بسبب دين يقوم بتسديده على دفعات حتى الآن.