إسرائيل اليوم - بقلم: أيال زيسر "وصل الربيع هذه السنة إلى أنقرة في وقت مبكر أكثر مما كان متوقعاً. نغمات جديدة ولطيفة على الأذن الإسرائيلية، تنطلق في الأسابيع الأخيرة من العاصمة التركية، ويبدو أن تحسناً في العلاقات المجمدة بل والمعادية التي سادت بين الدولتين في العقد الأخير يطل من تحت السطح، ولا سيما من تحت الرادار الإعلامي.
اتفاق السلام بين إسرائيل والمغرب استقبلته تركيا بالترحاب، وعلى الأقل لم تسارع إلى شجبه مثلما فعلت قبل نحو ثلاثة أشهر عندما قررت إسرائيل والإمارات تطبيع العلاقات بينهما. فقد أعادت تركيا سفيرها من أبو ظبي في حينه احتجاجاً، أما الآن فتعتزم بالإجمال تعيين سفير تركي جديد في إسرائيل، فترفع بذلك مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الذي كانت خفضته قبل سنتين، في أيار 2018، في أعقاب الاضطرابات قرب الجدار الحدودي مع قطاع غزة. في حينه، كتب أردوغان في حسابه على “تويتر” أن “على يدي إسرائيل دماً فلسطينياً”، وأوصاها بأن تتعلم درساً في الإنسانية من الوصايا العشرة.
في الشهر الماضي بعث أردوغان بمقربه، رئيس أجهزة المخابرات التركية، هكان فيدان، بزيارة سرية إلى إسرائيل. وبالتوازي تبدي شركة كبرى تركية اهتماماً في العطاء لخصخصة ميناء حيفا، وفي الإعلام التركي تطلق نداءات للدولتين للدفع إلى الأمام باتفاق مشترك يضمن لهما الملكية على مياه البحر المتوسط ولا سيما على حقول الغاز فيها. وكما يذكر، فحصت إسرائيل في حينه إمكانية ضخ الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا، ولكن الأتراك أحبطوا الخطوة عندما أعلنوا بأن “دم الفلسطينيين غالٍ عليهم أكثر من الدولارات التي يمكن الحصول عليها من مثل هذه الصفقة”.
لقد تغيرت النغمات في تركيا، وواضح للجميع أن هذا ما كان ليحصل لولا مصادقة بل ومباركة أردوغان. لقد سبق أن قيل عن الرئيس التركي إنه لا يعرف كيف يحفظ فمه، وإن كان يجدر الاعتراف بأن ثمة منطقاً في الجنون. فتصريحاته الاستفزازية –تارة ضد إسرائيل وأخرى ضد أوروبا وتارة ضد الولايات المتحدة– تستهدف خدمة مصالحه السياسية الداخلية. ولكن في كل ما يتعلق بالأفعال، حرص أردوغان دوماً على أقصى الحذر. والدليل هو أنه حرص على ألا يؤدي إلى قطيعة تامة في العلاقات بين الدولتين. وبشكل غير مفاجئ، زاد حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل، وازدهرت علاقات الطيران والسياحة.
والآن، يبدو أن أردوغان قرر رفع السرعة. والخلفية هي بالطبع الضائقة السياسية والاقتصادية التي علقت فيها تركيا مع كل جيرانها؛ فلم يعد العالم العربي مستعداً لسماع شيء عن تركيا. أما مع أوروبا فقد وصلت أنقرة إلى شفا المواجهة العسكرية في مياه البحر المتوسط.
ويحوم من فوق ظل الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، الذي لا يخفي انتقاداً ضد أردوغان.
أما إسرائيل، من جهتها، فلا تحتاج لأن تتجاهل يد تركيا الممدودة. فبعد كل شيء، تقوم العلاقات في الشرق الأوسط على المصالح، ومن الأفضل الحديث بل والتعاون على المواجهة والعداء. فضلاً عن ذلك، لا تعد تركيا عدواً لإسرائيل، بل في منافسة معها. بين الدولتين خصومة وتوتر، ولكن ليست بالضرورة أن تتطور إلى مواجهة جبهوية مباشرة. وفي الوقت نفسه، ينبغي الحذر من حالة النشوى؛ فبعد كل شيء، هذا حلف مصالح. الحب الكبير ليس قائماً ولن يكون بيننا وبين أردوغان.