بين الحين والآخر تؤكد الكويت مواقفها المبدئية العروبية الإسلامية الصادقة حيال مختلف القضايا العربية وبالأخص القضية الفلسطينية. لا تتعجل الكويت مواقفها السياسية، ولا تتصرف بانفعالات وهوجائية. وإنما تتريث وتفكر وتحلل وتتفحص ثم تتكلم. وهذا يؤكد أن العائلة الكويتية الحاكمة قد تعمقت تربويا بالتفكير العلمي المتزن المبني على هدوء الأعصاب والتروي ووزن المعطيات المتوفرة والحجج والأدلة ووجهات النظر.
وقفت الكويت بشجاعة وقوة مع البلدان العربية المهزومة عام 1967 لتعيد بناء جيوشها لمواجهة الصهاينة على الرغم من الضغوط الأمريكية والبريطانية. ووقفت مع مصر وسوريا إبان حرب تشرين/1973 وتوسطت بين المغرب والجزائر، وعملت على حل مشكلة الصحراء الغربية. ولم تتلكأ في دعم الفلسطينيين ماليا وديبلوماسيا وسياسيا.
فتحت الكويت أبوابها للفلسطينيين وقدمت لهم مختلف التسهيلات للتجمع وحشد الطاقات وإقامة النشاطات التي تخدم قضيتهم. الكويت دولة ما زالت تقبض على الجمر، أي ما زالت عند موقفها من الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني نظريا وميدانيا . لقد دعمت الكويت الفلسطينيين منذ عقود، وسهلت لمنظمة التحرير عملها في البلاد، ووافقت على إقامة الجمعيات الفلسطينية والمدارس الفلسطينية، وأفسحت المجال الواسع لكي يعمل الفلسطينيون فيها ما يرونه مناسبا لقضيتهم. ولم تتأخر الكويت في تقديم الدعم المالي للفلسطينيين، وإتاحة المجال لجمع التبرعات، الخ. وكان لمندوبها السيد مرزوق الغانم في مؤتمر اتحاد البرلمانات العالمية موقف تاريخي فريد من نواعه يسجل له وللكويت أثلج به قلوب الفلسطينيين وصدور كل المؤيدين للحقوق الفلسطينية. وقف السيد مرزوق الغانم موقفا رجوليا عربيا أصيلا عندما وبخ مندوب الصهاينة وأجبره على مغادرة القاعة. ووقفت الكويت موقفا صلبا وشجاعا في مواجهة المشروع الأمريكي القاضي بتحميل حماس مسؤولية ما يجري في غزة على اعتبار أن الحركة، وفق التصنيف الأمريكي، حركة إرهابية بينما الاحتلال قوة سلام ومحبة. لقد أفسدت الكويت على أمريكا مشروعها ما دعا الرئيس الأمريكي إلى القول إن الكويت دولة خارجة عن الإجماع العربي. لم تهتز الكويت من هذا التصريح وبقيت ثابتة.
حاول بعضهم الترويج في الآونة الأخيرة أن الكويت ستسير على خطى الإمارات والبحرين والسعودية في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتناقلت بعض وسائل الإعلام إلى الترويج لهذا القول غير البريء، لكن قيادة الكويت لم تتلكأ في نفي صحة الترويج، والتأكيد على موقفها التاريخي وهو إعادة الحقوق لأصحابها الفلسطينيين أولا. الكويت، وفق قادتها بريئة من الاستهتار بحقوق شعب شقيق مسلم، ومن الاستهتار بمقدسات إسلامية ومسيحية تشكل أمانة في رقاب كل العرب والمسلمين.
وقد تابعنا عبر وسائل الإعلام اهتمام الكويت بالأزمة الخليجية والحرب في اليمن. الكويت ليست طرفا في الحرب على اليمن، ورفضت منذ اليوم الأول أن تذهب إلى حل حربي في اليمن، وركزت دائما على الحوار والحل بالأسلوب الديبلوماسي. لم يستمع التحالف السعودي لرأي الكويت وكانت النتيجة دمارا وخرابا في اليمن واستنزافا للسعودية ومن تحالف معها.
ولم تهدأ الديبلوماسية الكويتية حيال الأزمة الخليجية واستمرت بهدوئها عساها تقنع مختلف الأطراف بضرورة التفاهم على الطاولة بدل عبر الحصار. ويبدو أنها نجحت في النهاية.
لم نشعر أن السياسة الكويتية تتغير بتغير الأمراء. لم يختلف الشيخ صباح الأحمد رحمه الله عن سلفه في إدارة الديبلوماسية الكويتية، وواضح أن الأمير الجديد نواف الصباح يسير على ذات الخطى. هو مستمر في جهود إنهاء الحصار على قطر، وإعادة الحياة لمجلس التعاون الخليجي.
فضلا عن أن الكويت ليست معنية بمحاربة إيران و مقاطعتها، وهي تتمسك بمقولة بسيطة جدا وهي أن إيران دولة جارة للعرب عموما ولدول الخليج خصوصا، وهي باقية بالجو ار ولن ترحل من هنا، والأسلم أن تبقى العلاقات بين الجيران حسنة وقائمة على التعاون وتبادل المصالح.
كاتب واكاديمي فلسطيني