تحت عنوان “ترامب لا يزال في معركة إرادات مع إيران” كتب المعلق الشهير ديفيد إغناطيوس مقالا بصحيفة “واشنطن بوست” قال فيه: “مع غروب الشمس على رئاسة دونالد ترامب، هناك بند غير مكتمل ويحمل معه مخاطر محتملة، وهو البرنامج النووي الإيراني. وهنا منطقة يجب أن ينتصر فيها صوت العقل في الشهرين المقبلين لتجنب قرار كارثة الساعة الاخيرة”.
وأشار إلى أن كلا من الولايات المتحدة وإيران أرسلتا في الأيام الأخيرة رسائل فيها عزم وتصميم. وفي رسالة مرّت بدون أن ينتبه إليها أحد، وهي إرسال سلاح الجو الأمريكي مقاتلة بي-52 من قاعدتها في مينوت، بولاية نورث داكوتا إلى الشرق الأوسط من أجل “ردع عدوان وتطمين الشركاء والحلفاء”، كما جاء في بيان القيادة المركزية بالشرق الأوسط.
وفي هذا الأسبوع قال ثلاثة مسؤولين إن البحرية ستبدأ بتحريك حاملات الطائرات باتجاه الخليج كوقاية من أحداث غير متوقعة.
ويأتي استعراض القوة في وقت تخفض إدارة دونالد ترامب عدد القوات في ثلاث محاور حرب تابعة للقيادة المركزية وهي الصومال وأفغانستان والعراق. وتبدو رسالة البنتاغون لإيران تحذيرية بعدم استغلال الوضع وليس تهديدا. لكن المواجهة بشأن الملف النووي الإيراني تلوح من الخلف.
وأرسلت إيران أيضا رسائل تصميم إلى جانب استعدادها لإحياء الدبلوماسية مع الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب جوزيف بايدن. وتأكد التهديد الإيراني هذا الشهر من تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول زيادة إيران معدلات تخصيب اليورانيوم المخفف، والتي وصلت 12 مرة أعلى مما سمحت به الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015 وخرج منها ترامب في 2018. وأشار تقرير الوكالة إلى أن إيران زادت من أجهزة الطرد المركزي لتسريع عمليات التخصيب.
وكانت إيران تأمل بعبور مرحلة رئاسة ترامب، وهو ما أكدته تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي، والتي قال فيها إن إيران ستعود للمعدلات المسموحة بالاتفاقية لو عادت إدارة بايدن إليها، مبيّنا: “هذا لا يحتاج لمفاوضات ولا شروط”.
ويرى الصقور المعادون لإيران في الولايات المتحدة وإسرائيل، أن نافذة الفرص تُغلق أمام ضربة وقائية محتملة ضد المشروع النووي الإيراني. ويعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الداعمين لهذه الضربة بالإضافة لبعض المتشددين حول ترامب.
وطالما قال نتنياهو إن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديدا وجوديا على إسرائيل، وفرصة توجيه الضربة القاضية ستنتهي في 20 كانون الثاني/يناير. وقال هذا الأسبوع لجمهور إسرائيلي: “يجب عدم العودة للاتفاقية النووية السابقة وعلينا التمسك بسياسة لا هوادة فيها والتأكد من عدم تطوير إيران السلاح النووي”.
وفكّر ترامب بتوجيه ضربة ضد إيران هذا الشهر بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وطلب في 12 تشرين الثاني/ يناير خيارات للضربة، إلا أن رئيس هيئة الأركان مارك ميلي، ووزير الخارجية مايك بومبيو وعددا آخر من المسؤولين أقنعوه بالتراجع.
ورأى ترامب أنه ليس من الحكمة بدء حرب غير معروفة العواقب في الشهرين الأخيرين من رئاسته، لكن القصة لم تنته، ويظل الخيار مفتوحا كما قال مسؤول: “لم نخرج من العاصفة بعد”.
ويخشى المتشككون في المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة وإسرائيل سلسلة من الترددات التي تجعل الطرفين في وضع سيئ. وحذر مسؤول دفاعي سابق من أن فكرة “غارة جراحية نظيفة ومحدودة” ضد البرنامج النووي الإيراني هي حماقة، لأن الحرب لا تعمل بهذه الطريقة.
وحذرت المخابرات من ضربة عسكرية رغم ما ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتظل إيران بعيدة أشهرا عن تطوير قنبلتها النووية. وقال مطلعون إن ترامب غير راغب بنزاع جديد في الشرق الأوسط يقوض إرثه ومحاولة وقف “الحروب الدائمة”.
لكن الضغط على البرنامج النووي الإيراني كان من الموضوعات الرئيسية، وهو راغب بزيادة الضغط عليه قبل مغادرته البيت الأبيض. وأكد إليوت أبرامز، مبعوث ترامب للملف الإيراني على الخيارات غير العسكرية: “مع أن شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير سيشهدان عقوبات متعلقة بالتسلح وأسلحة الدمار الشامل وحقوق الإنسان وسنواصل هذا حتى النهاية”.
ولكن المواجهة مع إيران تظل العامل غير المتوقع والمجهول في الامن القومي حتى يتم تنصيب جوزيف بايدن. وحتى ذلك الحين، فمخاطر الضربة الأمريكية أو الإيرانية تظل على الطاولة، وهي وإن كانت صغيرة لكنها محتملة.