خصوصية الاهتمام بإثيوبيا وما يجري بها بدأت مع بداية الدعوة الى الإسلام.
في ذلك الوقت حصلت اول هجرة لعدد من المعتنقين الأوائل للإسلام الى إثيوبيا منهم عثمان بن عفان الذي أصبح الخليفة الراشدي الثالث.
حينها استقبلهم حاكمها وحماهم وأحسن وفادتهم طوال فترة اقامتهم ودون ان يعتنق الإسلام.
خلال الأزمان استمر الاهتمام والتواصل سواء بعامل الجغرافيا الجامع بين إثيوبيا ودول عربية أهمها مصر بحكم الإطلال المشترك على البحر الأحمر وما يفرضه من علاقات، او بحكم وجود منابع النيل في اثيوبيا وجريان فروعه في الأراضي الإثيوبية، او بحكم اعتناق نسبة من سكانها وصلت الى حوالى الثلث للدين الإسلامي وتتحدّر نسبة عالية منهم من أقطار عربية، وانتماء غالبية مسيحييها الى نفس الكنيسة القبطية التي ينتمي اليها المسيحيون في مصر.
ومن تعبيرات العلاقة الخاصة ان الامبراطور الاثيوبي السابق هيلا سيلاسي عندما اضطر الى مغادرة بلاده بسبب الاحتلال الإيطالي (1936/1937) هو وعدد من اتباعه اختار القدس مكاناً لإقامته. ولا تزال نسبة من سلالة اتباعه يعيشون كمواطنين في القدس حتى الآن.
تميزت إثيوبيا عن معظم دول إفريقيا بالاستقرار وثبات الأرض والحدود وعدم خضوعها للاستعمار إلا لسنوات قليلة، من قبل إيطاليا. وتغير على حكمها أكثر من حكم حتى وصل في أواسط السبعينات (1974) عبر انقلاب عسكري الى حكم يتبنى علناً الفكر الماركسي وينحاز الى ما عرف بالمعسكر الاشتراكي والنفوذ السوفياتي، وقد تم اسقاطه في العام 1991.
وظل الحكم بعدها أقرب الى ائتلاف بين مكونات المجتمع الاثيوبي بأعراقه المختلفة، واستقر رئيس الوزراء السابق "زيناوي" في موقع رئاسة الوزارة لأطول فترة.
خلال معظم السنوات بما فيها فترة الحكم اليساري شهدت اثيوبيا أكثر من حركة تمرد ومحاولة انفصال، أبرزها كانت في اريتريا التي استمرت لسنوات واخذت الطابع العسكري وبنت لنفسها تحالفات إقليمية ودولية.
التطور الاحدث والأهم في اثيوبيا هو الذي حصل في اوائل 2018 حين وصل الى رئاسة الحكم والحكومة "ابيي احمد".
ظهر بوضوح ان الحكم الجديد يمتلك رؤية مختلفة لوضع ومستقبل البلاد. وتقوم هذه الرؤية في المجال الداخلي على "بناء الوحدة الوطنية والحفاظ على التعددية" كما سمح بها الدستور المقر في 1995 وتصل الى حد منح الولايات حق تقرير المصير، وكانت اولى وأهم خطواته في هذا المجال إنهاء الحرب مع ارتيريا والموافقة على استقلالها. وقد نال عن ذلك جائزة نوبل.
مشكلة هذه الرؤية في المجال الداخلي انها لا تقدر بشكل دقيق حقيقة ان البلد ينطوي على العديد من الأعراق والقوميات، وعلى عشرات اللغات، وأنها تتعايش وتعيش مع هذه الحقيقة عبر مئات من السنين حتى انها قننتها مؤخراً في دستورها، كما تمت الإشارة.
وهذه الحقيقة، هي التي تقف الآن وراء اللجوء الى العنف والاشتباك المسلح بين الدولة المركزية وأجهزتها وبين قومية "التغراي" والولاية التي تسيطر عليها وتحكمها.
خصوصاً وان لهذه القومية وولايتها جبهتها السياسية الحاكمة المتماسكة وقواتها العسكرية.
ولا أحد يعرف او يستطيع التكهن بكيفية ومدايات وتطور القتال ونتائجه.
لكن التخوفات الحقيقية ان تتطور الاشتباكات الى حرب أهلية شاملة ترهق الجيش النظامي وتترك فراغات أمنية، وتستدعي تدخلات خارجية، وعلى تفاصيل أخرى كثيرة في بلد متعدد القوميات.
الشيء الوحيد المعروف والمشاهد بأم العين هو الدمار والقتلى والجرحى وعشرات آلاف الفارين من القتال الى الأراضي السودانية المجاورة، دون رؤية لا لفرج قريب، ولا لانتصار.
أما المشكلة في رؤية الحكم الجديد في المجال الخارجي، فلا تقل تعقيداً وخطراً.
فهي تقوم على طموح بناء البلاد وتقدمها ورفاه أهلها وزيادة قوتها، وان يصبح لها دور وثقل مميزين في القارة الافريقية.
وهذا بشكله الطبيعي والمنطقي طموح محمود ومقبول.
لكن ليس محموداً ولا مقبولاً ان يحصل ذلك على حساب دول مجاورة وعلى حساب مصالح ومنافع واحتياجات حياتية لها على درجة استثنائية من الحيوية والضرورة لحياة أهلها، ناهيك عن ضرورتها لتطورها وتقدمها.
وليس محموداً ولا مقبولاً ان تقوم اثيوبيا بذلك بالاعتماد على وتشجيع ودعم ومساندة قوى إقليمية لها أهدافها ومراميها الخاصة، وبمعارضة تصل حد التحدي لرؤى وطروحات قوى ودول قارية وعالمية.
نتحدث هنا بتخصيص، عن مشروع سد عملاق تقيمه اثيوبيا على مجرى النيل يؤثر بعمق على مجرى الحياة في مصر والسودان في أكثر من جانب حيوي جداً، سواء في المجال الحياتي الأهلي المباشر، او في المجال التنموي.
والمشكلة هنا تكمن في التجاهل لمصالح وضرورات البلدين المذكورين وعدم التشاور والتنسيق معهما لتجنب أي مخاطر ومشاكل.
وتكمن أيضاً في رفض وتفشيل أي وساطة قارية او دولية للتوصل الى اتفاق قاري او دولي ملزم يحقق التفاهم، ودرجة من المشاركة في آلية عملية ملء الخزان ثم تشغيله وإدارته.
مجالا المشكلة الداخلي والخارجي المذكوران يتداخلان ويتقاطعان ليزيداها تعقيداً وخطورة.
ويصب في صالح التعقيد ان الحل الوحيد الذي يقدمه الحكم هو القوة العسكرية في التعامل مع المجال الداخلي، والعناد والإصرار على نفس الموقف في التعامل مع المجال الخارجي