في ظل إنعدام الثقة وإنقطاع الأمل بنجاح حوارات المصالحة سواء على مستوى الرأي العام أو على مستوى الإعلاميين والمحللين والمراقبين أو حتى على مستوى الساسة والأحزاب والقائمين على هذا الملف أنفسهم , فلا بد أن نقيم ونحلل التطورات السياسية على المستوى النظري فقط , لأنه لا يوجد شيئ على أرض الواقع , فعلى المستوى النظري وفي هذا التوقيت بالذات سارت الأمور عكسية تماماً , وذلك عندما عادت السلطة الى التفاهمات البروتوكولية القديمة مع الجانب الإسرائيلي ومن ظمنها عودة التنسيق الأمني والمدني وعودة أموال المقاصة , وكل هذا حدث في يوم وليلة وبالتزامن مع حوارات المصالحة في القاهرة , وهذا يعني نظرياً أن حوارات المصالحة ستفشل تماماً لأنه أصبح هناك سببين رئيسيين لفشلها , السبب الأول والمعروف منذ 14 عام هو أنه عندما تتحدث الفصائل عن المصالحة وتحديداً فتح حماس , يختلط الحابل بالنابل بسبب فتح كل الملفات المتراكمه على طاولة الحوار في آن واحد , وعند الدخول في أدق التفاصيل وترجمتها على أرض الواقع , حينها يتوقف كل شيئ وكأن شيئ لم يكن .
أما السبب الثاني لفشل حوارات المصالحة يتعلق بالجزئية الأمنية , وهذا على إعتبار أن حوارات المصالحة ناجحة كما يقولون في وسائل الإعلام , فلو إفترضنا أن الحوارات الأخيرة ناجحة وستؤدي الى دمج المؤسسات الأمنية والعسكرية بين الضفة وغزة تحت مسمى حكومة واحدة , فهذا يعني أن الضفة وغزة ستعملان وفق منظومة أمنية واحدة تتناغم مع الأحداث اليومية وقرارات السلم والحرب , وستكون أدات لهذه القرارات المتوافق عليها بين الفصائل في سياق التعامل مع الإحتلال , فكيف سيكون الحال في ظل عودة التنسيق الأمني وقبل أن تتم صياغة منظومة أمنية جديدة متفق عليها بين الفصائل كافة بموجب إتفاق المصالحة , بالطبع سيكون هناك تضارب بين غزة والضفة في الآلية والتوقيت بما يخص قرارات السلم والحرب , فمثلاً في غزة تتعامل حماس مع الفصائل الصغيرة بنظام التوقيت , فعندما تكون الهدنة سارية بين حماس وإسرائيل وتقوم إحدى الفصائل بإطلاق الصواريخ على إسرائيل , حينها تعتقل حماس مطلقين الصواريخ , وعندما تضطر حماس في الدخول في مواجهة وتصعيد مع إسرائيل لأي سبب كان (...) حينها تطلق العنان للفصائل الصغيرة كي تشارك معها في المواجهة , هذه هي فلسفة المقاومة في غزة والمرتبطة بالمزاج الأمني لحماس , أما في الضفة ففلسفة المقاومة مرتبطة بمدى التفاهمات بين إسرائيل والسلطة والتي تخضع لمتطلبات الناس اليومية الملحة بأن يكون هناك تنسيق أمني ومدني يسهل هذه المتطلبات , ومن هنا فالواقع الأمني مختلف تماماً بين غزة والضفة , ويعتبر من أصعب الملفات الموجودة على طاولة المصالحة , وبحاجة الى دراسة دقيقة وتوافق كبير خاصة أنه مرتبط بسلوك الإحتلال , وبناء على صعوبة هذا الملف فإن عودة التنسيق الأمني والمدني بين السلطة وإسرائيل أثناء حوارات المصالحة سيكون سبب إضافي لفشل هذه الحوارات .
ملاحظة : قبل عودة التنسيق الأمني والمدني بدأت تظهر علامات فشل حوارات المصالحة , وعودة التنسيق ليس السبب المباشر لفشل هذه الحوارات , ولكن على المستوى النظري وعلى إعتبار أن المصالحة قائمة سيكون التنسيق الأمني والمدني مع الجانب الإسرائيلي موازي للتنسيق الأمني والعسكري المرتقب بين غزة والضفة , وهنا تكمن المشكلة .