أعراس "كورونا"..سما حسن

الخميس 19 نوفمبر 2020 09:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 قالت لي من خلال مكالمة هاتفية: ليتني استطيع إتمام زواج ابني خلال أيام كورونا هذه، تبدو عبارتها أو أمنيتها غير مرتبة مثل أن تقصد انها تريد أن تركب موجة هذه الأيام من اقتصار الأعراس وحفلات الزفاف على مراسم مختصرة وقليلة التكاليف، ولذلك فهي تريد أن تتم مراسم زواج ابنها خوفاً من ان يعاد فتح صالات الأفراح، وتعاد سهرات الشباب التي تقام في الشوارع، وتعاد ولائم الغداء التي يدعى لها الكثيرون وتكلف المال الكثير، وتشهد إهداراً للطعام والشراب.
قالت لي إنها تتمنى أن يسرع ابنها في تدبير المال، وأن يعاونه والد الفتاة التي اختارها لكي يتم الزفاف خلال هذه الفترة على اعتقاد منها أن الإجراءات تتغير وتتبدل، ويقصد بالإجراءات ما يتم اتباعه من سياسة فتح وإغلاق للمنشآت التي يعتقد أنها مصدر للعدوى.
قالت لي أمنيتها وهي تعتقد أن حفل الزواج في البيت قد يكون أقل كلفة، ولا تعرف ان البنات هذه الأيام يصممن على نقل طراز قاعة الأفراح الفخمة إلى البيت، وان هناك مصممين مختصين لتصميم البيوت لتصبح مثل أفخم الفنادق والتكلفة تكاد تكون واحدة، كما أن العروس لا تتخلى عن حفلة الحناء قبل يوم الزفاف بيوم واحد، وتدعو قريباتها اللواتي تريد ان تغيظهن وتكيدهن لظفرها بعريس «لقطة» ومهما حاولت اقتصار العدد فالاختلاط يحدث، ومهما كانت البيوت متسعة، فتخيلوا ان المساحة لا تتناسب مع العدد، والنتيجة ان هناك اكتظاظاً على العكس من القاعات التي تكون واسعة لو وضعنا فيها عدداً قليلاً ومحدوداً، وظلت العروس على موقفها بأنها تريد دعوة من ترغب بإغاظتهن فقط.
لو تخيلنا مساحة قاعة الأفراح وعدد المدعوين المحدودين، فسوف يكون الاحتكاك أقل بكثير من حفل زفاف يقام في البيت، كما أن حفل الزفاف في البيت يجب أن تتم فيه كل الطقوس، وخاصة فقرة دخول الرجال على النساء مهما كان الوقت قصيراً والمكان ضيقاً، فيجب ان تدخل العزوة ويجب ان تحصل العروس على النقوط، النقوط الذي سوف يسدد به العريس بعض الديون في اليوم التالي للزفاف.
الغريب أن ظروف الوباء لم تغير قناعات الناس حول طقوس حفلات الزفاف التي زادت بنسبة ملحوظة، وتؤكد ذلك إحصائيات وأرقام المحاكم الشرعية، والحالات تزداد كذلك بسبب الإصرار على مبدأ «رح نتجوز على السكت» وكأنهم يخدعون الفيروس، والحقيقة أن لا مصاريف تقل ولا اكتظاظ
 يتضاءل، ولا حتى تعب العروسين وانهاكهما، بل كل ما يحدث أننا ننقل صورة مصغرة لحفل زفاف كبير، ليصبح حفل زفاف صغيراً، والنتيجة ان المدعوين القلة سوف ينتشرون في بقاع الأرض لينشروا العدوى لو كانوا حاملين للفيروس.
كان من الممكن ان تكون هذه الفترة العصيبة وسيلة وفرصة لتغيير جذري في طقوس وعادات الزواج وحيث يخرج المسؤولون كل يوم ليؤكدوا أن حفلات الزواج وبيوت العزاء هي مراكز انتشار الوباء، وكان من الممكن التوفير لو كان الزواج يقتصر على عقد القران وعائلة العروسين بقرابة من الدرجة الأولى مثل الأبوين والأخوة والأخوات فقط، وفي حدود ضيقة جداً، ودون طقوس بعد وقبل يوم الزواج مثل سهرة الحناء والصباحية والفاردة وغيرها من العادات المكلفة والمتوارثة دون أي نتيجة سوى المزيد من التعب واهدار المال.
إن ما يحدث من تحايل بخصوص الأعراس وبأنها «على الضيق» ما هي إلا وسيلة للضحك على الدقون، والإسراع في الخطبة واختيار شريك الحياة بحجة ان الزواج قد اصبح أسهل وأرخص، وللأسف فأنا أرى من حولي حالات زواج لفتيات صغيرات، وشبان في مقتبل العمر، لا يملكون أي مؤهلات ليصبحوا أزواجا وزوجات سوى انهم يستغلون الوضع للزواج بقصد التيسير، ثم يفيقون على واقع مؤلم وهو أنهم قد وقعوا في مصيدة الزواج دون أي استعداد نفسي ولا اجتماعي ولا اقتصادي، وكل هذا قد حدث لأن الأهل مقتنعون أنهم سوف يوفرون بعض المال باختصار الطقوس، فيهرع الأب لخطبة بنت فلان لابنه، قبل أن ينتهي الوباء وتعود الأسعار لما كانت عليه، وهناك كثيرون ينتهزون هذه الطريقة في التفكير بتخفيضات وهمية في ظاهرها التسهيل ولكن في باطنها فهي مصيدة وتجر الخسائر التي لا يمكن تداركها، فقد فات أوانها، واصبح الصغار آباء وأمهات.