لماذا تواصل بايدن مع قادة إسرائيل والهند وليس حلفاء ترامب العرب؟ هكذا سيكون الشرق الأوسط بالعهد الديمقراطي

الأربعاء 18 نوفمبر 2020 07:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا تواصل بايدن مع قادة إسرائيل والهند وليس حلفاء ترامب العرب؟ هكذا سيكون الشرق الأوسط بالعهد الديمقراطي



وكالات/سما/

كان لافتاً أنه من بين قادة كل الدول الأجنبية الأصدقاء لترامب فإن الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، اتصل فقط بزعيمين هما: رئيسا وزراء إسرائيل والهند، في مؤشر على التغيير المتوقع للسياسة الخارجية الأمريكية بالعهد الديمقراطي.

فقد أجرى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الثلاثاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أول محادثة هاتفية له منذ فوزه، مع كلٍ من رئيسي الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والهندي ناريندرا مودي، حليفي الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي لم يعترف حتى الساعة بهزيمته في الانتخابات التي جرت قبل أسبوعين.

أمن إسرائيل لن يمس
وقال الرئيس المنتخب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إنه مصمم على "ضمان تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وعلى أن تحظى بدعم قوي من كلا الحزبين" الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة.

وأضاف فريق الرئيس المنتخب، في بيان، أن بايدن "كرر دعمه الثابت لأمن إسرائيل ومستقبلها كدولة يهودية وديموقراطية".

من جهته قال مكتب نتنياهو، إن رئيس الوزراء أجرى محادثة "دافئة" مع الرئيس المنتخب.



وكان نتنياهو معارضاً شرساً للسياسة التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ونائبه بايدن بين العامين 2009 و2017 بشأن ملفي إيران والقضية الفلسطينية.

كما تحادث بايدن هاتفياً مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي يُعتبر منصبه في الدولة العبرية شرفياً إلى حد كبير.

وكتب ريفلين في تغريدة على تويتر: "قلت له إنه بوصفه صديقاً قديماً لإسرائيل، يعلم أن صداقتنا قائمة على قيم تتجاوز السياسات الحزبية".

الهند تحظى بدعم الحزبين الرئيسيين
كما ساد التفاؤل أجواء المحادثة الهاتفية الأولى بين بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي حضر مع ترامب تجمعين شعبيين ضخمين؛ الأول في تكساس بجنوب الولايات المتحدة، والثاني في غوجارات بغرب الهند.

وتحظى الهند بدعم الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، لكن المشرعين الديمقراطيين يبدون قلقاً متزايداً بشأن قضايا حقوق الإنسان في ظل حكم الحزب القومي الهندوسي بزعامة مودي، لا سيما قانون الجنسية المثير للجدل والذي يتخوف منه المسلمون الهنود، وإلغاء نيودلهي في أغسطس/آب 2019، الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به كشمير.

وفي بيان وزعه فريق الرئيس المنتخب، قال بايدن إنه يأمل التعاون مع مودي لمواجهة التحديات المشتركة، وضمنها ملفات جائحة كوفيد-19 والأمن الإقليمي وأزمة المناخ.

وفي انتقاء متأنٍّ جداً لكلماته، أوضح بايدن أنه يريد "تعزيز الديمقراطية في الداخل والخارج".

من ناحيتها قالت وزارة الخارجية الهندية، إن مودي دعا إلى التعاون لتمكين الحصول على اللقاحات المضادة لكوفيد-19 بأسعار معقولة، وقدَّم تهانيه لنائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس المولودة لأُم هندية.

وباستثناء روسيا والمكسيك والبرازيل وكوريا الشمالية وسلوفينيا، فقد هنأ قادة دول العالم أجمع بايدن، على فوزه بمفاتيح البيت الأبيض.

السعودية تحذِّر
في المقابل، فإن الأمير تركي الفيصل، أحد كبار أفراد العائلة المالكة السعودية، حذَّر من عودة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران، وقال إن ذلك من شأنه أن "يهدد استقرار المنطقة".

جاء ذلك خلال خطابه أمام "المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية"، وهي جماعة ضغط (لوبي) مقرها واشنطن، إذ حذَّر الأمير تركي من أن عودة الولايات المتحدة إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) بين إيران والدول الكبرى "تضر باستقرار المنطقة".

كما هاجم الأمير السعودي، وفق ما ذكره موقع Middle East Eye البريطاني، الثلاثاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، منتقدي المملكة الأمريكيين، مشيراً إلى أن الأَولى بهم القلق بشأن قضايا حقوق الإنسان في بلادهم.

الضغط السعودي لمنع العودة للاتفاق النووي: بحسب الموقع البريطاني فإن تركي الفيصل بدا كأنه يضغط استباقياً على سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن المتوقعة.

علاقات أبرد
ويُتوقع أن تكون العلاقات مع المملكة السعودية أبرد كثيراً في ظل رئاسة بايدن، إذا تمسَّك بايدن بخطاب حملته الانتخابية، فقد تعهَّد بإنهاء مبيعات السلاح الأمريكية للمملكة، وأخبَرَ مجلس العلاقات الخارجية، العام الماضي، بأنه سوف "يأمر بتقييمٍ للعلاقات مع المملكة السعودية"، مستشهداً بحربها في اليمن، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في العام 2018.

ويبدو خطاب بايدن مختلفاً وحاداً تجاه السعودية، فقد أصدر بياناً الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعرب فيه عن دعمه للمعارضين السعوديين، وأكد توفير آليات لحمايتهم من استهداف المملكة.

وأشار بايدن في بيانه، إلى أن جريمة الصحفي جمال خاشقجي "التي دفع حياته ثمناً لها"، حسبما قال، كانت انتقاد سياسات حكومته، مؤكداً انضمامه إلى أصوات العديد من النساء والرجال السعوديين والناشطين والصحفيين الشجعان في الحداد على وفاة خاشقجي و"ترديد دعوته للناس في كل مكان بممارسة حقوقهم بحرية".

كما قال بايدن خلال حملته الانتخابية، إن أمريكا في ظل إدارته ستعيد تقييم علاقتها بالمملكة، وتنهي الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، وستحرص على ألا تتجاهل واشنطن قِيَمها لتستفيد من بيع الأسلحة أو شراء النفط.

ولكن الولايات المتحدة ستلتزم بمواصلة تسليح المملكة، مدركةّ أنَّ صناعة الدفاع توفر فرص عمل في الوقت الذي يقترب فيه الاقتصاد العالمي من ركود كبير بعد أزمة "كوفيد-19″، حسبما يقول جان فرانسوا سيزنيك، خبير في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ بكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن.

هل تكون الهند وإسرائيل استثناء من المراجعة؟
ولكن تركيز بايدن على الاتصال بنتنياهو ومودي يشير إلى أن هناك حدوداً لعملية مراجعة سياسات ترامب وعلاقته الخاصة ببعض القادة.

ولأسباب كثيرة فإن إسرائيل والهند يبدو أن طبيعة العلاقات الأمريكية معهما ستكون أقل تأثراً بالتغييرات المتوقعة في السياسة الأمريكية.

فالهند تمثل أهمية بالغة للسياسات الأمريكية تجاه الصين، وتسعى واشنطن للتعاون مع نيودلي للتصدي للنفوذ الصيني بآسيا في ظل التوتر المتصاعد بين الهند والصين، وهو ما ظهر في عدم دخول الهند منظمة التجارة الإقليمية التي تشمل دول الشرق الأقصى وجنوب شرقي آسيا وأستراليا والتي تمثل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، وتعتبر الصين فعلياً قائدتها.

كما تقدم الهند نفسها ليس كمنافس سياسي وعسكري كبير للصين فقط، ولكن أيضاً كأرض للفرص الاستثمارية للغرب في محاولته لإيجاد بديل للصين كمصدر لسلاسل التوريد، بفضل رخص الأيدي العاملة لديها وسوقها الكبير، وانتشار اللغة الإنجليرية، وميزاتها في مجال البرمجيات، إضافة إلى نظامها الرأسمالي الذي اكتسب زخماً من سياسات مودي، رغم استمرار مشكلات البيروقراطية والفساد لديها.

ولهذه الأسباب، فإن الديمقراطيين في الأغلب سيتغاضون عن سياسات مودي العنصرية تجاه المسلمين، وإلغائه الحكم الذاتي لكشمير، وممارساته التي تهدد الديمقراطية، أو على الأقل سيكتفون بانتقادها.

أما إسرائيل، فالأمر لا يرتبط بأهميتها الإستراتيجية لواشنطن بقدر ما يرتبط بمكانتها والدلال الذي تحظى به في النظام السياسي الأمريكي، الأمر الذي يجعل من الصعب على أي رئيس أن ينتقدها أو أن يقلل الدعم الأمني والعسكري لها.

كما أن ترامب منح إسرائيل فعلياً أغلب ما تريد، من صفقة القرن التي تعني انتهاء فكرة الدولة الفلسطينية، إلى نقل السفارة الأمريكية للقدس، وسحب التمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وإغلاق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في أمريكا.

وما تريده إسرائيل هو عدم إلغاء هذه المكاسب.

وفي الأغلب فإن بايدن لن يحاول إعادة السفارة إلى موضعها، وقد يعيد التواصل مع السلطة الفلسطينية دون تعويضها عن الخسائر التي ألحقها ترامب بالقضية الفلسطينية.

قد تكون القضية الوحيدة التي تغضب إسرائيل، هي احتمال إحياء بايدن للمشاركة الأمريكية في الاتفاق النووي الذي يعتبر إرث إدارة أوباما التي كان فيها بايدن نائباً للرئيس.

وفي مقابل إصرار بايدن البادي على العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، فسوف يكون الرئيس الديمقراطي في حاجة لمزيد من التواصل مع نتنياهو، والأهم في الأغلب تقديم مزيد من المكاسب لإسرائيل سوف تكون على الأرجح في المجال العسكري، (مثلما فعلت إدارة أوباما التي أخذت موقفاً قوياً ضد الاستيطان، ولكن كانت سخية في دعم إسرائيل عسكرياً).

ولا يُعرف هل يصل سخاء بايدن لمنح إسرائيل طائرات "إف"22" المحظور تصديرها إلى خارج أمريكا، أم يكتفي بمطلب قادة الدولة العبرية الأقل بإتاحة إمكانية شراء إسرائيل أسلحة من صنع شركاتها عبر دولارات المعونة الأمريكية.

مقدار التغيير المتوقع للسياسة الخارجية الأمريكية بالعهد الديمقراطي
لا يعني ذلك أن بايدن سوف يعكس بالكامل سياسات واشنطن تجاه الحلفاء المفضلين لترامب، مثل قادة السعودية والإمارات ومصر، بل في الأغلب ستكون هناك مجرد مراجعة لهذه السياسات، وإطفاء الأضواء الخضراء التي مُنحت لهم في الملفات الإقليمية.

وحتى بالنسبة لتركيا التي احتفظ رئيسها رجب طيب أردوغان بعلاقة شخصية مع ترامب في ظل علاقة متوترة مع أعضاء إدارته والكونغرس، فستظل الولايات المتحدة في عهد بايدن بحاجة لأنقرة، إذا أرادت التصدي للنفوذ الروسي في شرق أوروبا والشرق الأوسط والقوقاز.

قد يكون انتهى وقت الدعم غير المشروط الذي وفره ترامب لحلفائه العرب، ولكن هذا لا يعني أن بايدن سوف يحاسبهم عما جنت أيديهم في حروب المنطقة وملف انتهاكات حقوق الإنسان.