يتواصل الجدل في إسرائيل حول تأثير انتخاب جو بايدن على إسرائيل بين مطمئنٍ بأن السياسات الخارجية الأمريكية لن تتغير حتى لو تغيرت معاملة رئيس حكومتها نتنياهو شخصيا، وبين من يبدي قلقه من رغبة الحزب الديموقراطي بتغيير الموقف جوهريا، وسط ترجيحات بتشكيل تحالف إسرائيلي خليجي جمهوري ضد إدارة بايدن.
ويقول الأستاذ الأكاديمي الإسرائيلي المحاضر في جامعة حيفا بروفيسور دان شيفطان، إنه من السابق لأوانه تقدير تأثير سياسة بايدن على مكانة إسرائيل، وإن تعيين وظائف وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ستوضح الصورة ولو قليلاً. ويرى شيفطان في مقال نشرته صحيفة “هارتس” الأربعاء، أن درجة النجاح في الحفاظ على الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ستؤثر على حرية عمل الرئيس.
ويتابع: “يصعب تقدير درجة تصميم الإدارة الجديدة على التركيز على المسائل الملحة للشعب الأمريكي في محاربة الأزمة الصحية والاقتصادية والمنافسة العالمية مع الصين”.
وبرأيه بات واضحا الآن بأن هذه الإدارة ستؤيد الاحتياجات الاستراتيجية لإسرائيل بشكل أقل من سابقتها. وبخلاف بعض المراقبين المحليين، قال إن المتحدثين باسم اليسار العميق والمخفف في إسرائيل، الذين يميلون إلى “التقدميين” في الولايات المتحدة، يطرحون تقاطباً بين احتياجات إسرائيل وأخطاء نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، لافتا لدعم دونالد ترامب غير المحدود لإسرائيل.
وعن ذلك يقول إن ترامب أضعف إيران وتسبب بتآكل عميق في قدرة الإحباط لدى الفلسطينيين، وعمل على تحييد أضرار أوروبا، وقوّض فعالية نزع الشرعية عن المنظمات الدولية، والأهم من ذلك، عزز التحالف العربي – الإسرائيلي ضد إيران وتركيا.
في المقابل يقول إن خطأه الإقليمي البارز؛ أي تسليمه بسياسة أردوغان، يتقزم أمام كل هذه الإنجازات، وجميعها في قلب الاتفاق الإسرائيلي العام وليست شأناً يمينياً.
كما يعتقد شيفطان ذو التوجهات اليمينية، أن بايدن ومقربيه أقل سذاجة واستحواذاً من أوباما وكيري في زمنهما، ولكن الديمقراطيين ملتزمون بمجالات مهمة للسياسة التي يضر معناها الفعلي بإسرائيل، لافتا إلى أن الحديث يدور بالأساس عن عودة ربما بصيغة مخففة للسياسة التصالحية تجاه إيران، والتركيز غير المجدي وغير العقلاني من ناحية استراتيجية، التي تتمثل بإرضاء الفلسطينيين، بتشجيع رفضهم، كما تظهر أيضاً في إدارة الظهر لحلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، بمسهم بحقوق الإنسان وبشرعنة منظمات دولية تشوه قيم الديمقراطية وتركز على ملاحقة إسرائيل.
ويضيف: “هذه السياسة متحفظة من الحكم الصارم للسيسي في مصر، وتسعى لمعاقبة ولي العهد السعودي على قتل خاشقجي في إسطنبول، مع التنكر للبدائل الواقعية لأنظمتهم. ففي مصر يدور الحديث عن سيطرة الجهة الأكثر خطورة في المنطقة (الإخوان المسلمين) التي سبق وحصلت على شرعنة وتشجيع من أوباما”.
ويتوقع شيفطان أن يؤيد التيار المركزي للديمقراطيين- بايدن وشومر وبلوسي، على سبيل المثال- هذه التوجهات رغم تعاطفه مع إسرائيل، ولكن في الجناح “التقدمي” هناك كثيرون الذين تبدو مقاربتهم معادية. انتخب بايدن كمرشح لهزيمة ترامب، لكن ثقل الراديكاليين في معسكره كبير ويتعاظم”.
ويرجح شيفطان أنه حتى لو كانت أضرار هذه التوجهات ستخفف وتؤجل، فالتوقعات أن الإدارة الجديدة ستشجع “التطرف العنيف والسياسي بين أعداء إسرائيل الفعالين”. ويرى أن لإيران سببا جيدا للافتراض بأن عودة مصالحة أوباما ستنقذها من الأزمة الاقتصادية من خلال تجاهل واقعي لسعيها إلى الهيمنة في المنطقة وتهديدها لإسرائيل وتحسين كبير على قدراتها البالستية.
كذلك يتوقع أن يتجدد “الإرهاب العربي” ضد السكان المدنيين، لأنه استهدف من البداية أن يبنى على رد إسرائيلي، وسيتسبب بهزة أمريكية. أما حزب الله فسيفترض أن أي رد إسرائيلي على مشروع تحسين دقة صواريخه أمر أقل توقعاً بسبب الخوف من المس بالمواطنين الذين يعيش في أوساطهم، وقد يزداد استفزازه لإسرائيل على افتراض أن الولايات المتحدة ستكبح، حتى في حرب واسعة، أي رد إسرائيلي يؤدي إلى خراب لبنان. أما حماس برأيه فقد تتوقع سياسة أمريكية أكثر ضرراً مما كان في أيام “الجرف الصامد”، وستأخذ في الحسبان أخطار تصعيد أكبر فيما ستتعزز في الضفة الغربية الدافعية لـ”إرهاب شعبي”؛ لأن الأفلام القصيرة المفبركة ستضعضع الإدارة الجديدة”.
ويزعم شيفطان أن “جميع الراديكاليين سيحاولون أن يفرضوا على الإدارة الأمريكية بالدم وبتقارير إعلامية مشوهة، وضع الشرق الأوسط على رأس سلم الأولويات، على حساب ما هو مهم: الصحة، والاقتصاد، والصين” لافتا إلى أن “ترامب قام بمعاقبتهم على التخريب والعنف، وهم يفترضون أن بايدن سيقوم بتعويضهم فعلياً”.
ويخلص شيفطان للتحذير: “بايدن ومقربوه أقل سذاجة وأقل استحواذاً من أوباما وكيري. ولكن الديمقراطيين ملتزمون بسياسة جوهرها الفعلي التصالح مع إيران وتشجيع الرفض الفلسطيني”.
قرة باغ
وفي سياق متصل، تساءل السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن زلمان شوفال: “هل ينتقل سيناريو إقليم قره باغ إلى قطاع غزة؟”. منوها إلى أن قره باغ هو جيب مع أغلبية أرمينية في داخل أرض هي من ناحية تاريخية وحسب القانون الدولي تعود لأذربيجان المجاورة، واحتلتها أرمينيا في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، مع تفكك الاتحاد السوفياتي.
ويقول في مقال نشرته “معاريف” الأربعاء: “ناغورني قره باغ ليست هنا، ولكن قطاع غزة هنا، ومثلما سعى الأرمن في الجيب إياه لكي يتّحدوا مع أصولهم، هكذا أيضاً غزة… فلن ترغب في أن تكون منقطعة عن العالم أو عن الأغلبية الفلسطينية”. منبها أن كل الحلول التي طرحت في هذا السياق ليست عملية أو ممكنة في ظروف مختلفة، ولما كانت الأفكار عن طريق علوي أو تحت أرضي (بما في ذلك حسب خطة ترامب)، تعدّ إشكالية من ناحية هندسية ومالية، ولكن المستقبل -من ناحية أمنية- ينطوي في أفضل الأحوال على حكم ذاتي منفصل ومجرد، ومحدود من ناحية سياسية، ولكنه مرمم اقتصادياً.
وبرأيه فإنه في أسوأ الأحوال ستتواصل المواجهات الأمنية غير المتوقفة، وأنه على إسرائيل أن تعمل على ألا ينتقل سيناريو مثل ذلك الذي في ناغورني قره باغ إلى ساحتها أيضاً.
أبرتهايد ضد الفلسطينيين
وتساءلت مراسلة الشؤون الفلسطينية في صحيفة “هآرتس” عميرة هاس: “متى توقفون مخططات الأبرتهايد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين؟”. مؤكدة أنه ليست مستوطنة “جفعات همتوس” فقط، فإسرائيل تخطط وتنفذ باستمرار نشاطات إنشاء بنى تحتية وبناء في شرقي القدس والضفة الغربية على نطاق واسع، التي استهدفت إعاقة إمكانية قيام دولة فلسطينية. ولكن من دواعي سرورنا أن تحدث هذه المناقصة (بناء وحدات سكنية في احتياطي أراضي بيت صفافا وبيت لحم) القليل من الضجة، لأنه يفسر كعملية اختطاف قبل دخول البيت الأبيض.
وتابعت في تساؤلاتها: “إذا لم تتخذ هذه الدول التي تؤيد مسار أوسلو، خطوات حقيقية ضد التنمر المنهجي الإسرائيلي – فلماذا تقلق؟”.
يشار إلى أن مجموعة من المحللين الإسرائيليين سبق وأشارت إلى احتمال تشكيل تحالف إسرائيلي خليجي جمهوري ضد إدارة بايدن.