رئيس وفد بالصدفة..غسان زقطان

الإثنين 16 نوفمبر 2020 12:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
رئيس وفد بالصدفة..غسان زقطان



لقائي الأول بـ «إميل حبيبي» كان في موسكو، حيث أصبحت بالمصادفة البحتة رئيساً لوفد منظمة التحرير لمؤتمر مثقفي آسيا، في مدينة «عشق آباد» عاصمة الجمهورية السوفياتية تركمانيا عام 1989، بعد أن اعتذر محمود درويش الذي لم أكن قد التقيت به بعد، ثم سفير المنظمة في باريس إبراهيم الصوص، كنت الوحيد المتبقي من الوفد، وهكذا أصبحت رئيس الوفد الذي ألحق به أحد موظفي السفارة الفلسطينية ليبدو وفداً.
اللقاء الأول كان في صالة الفندق بموسكو قبل توجه الوفود إلى عشق آباد على الحدود الأفغانية، وهو لقاء لم يبد فيه إميل سعيداً، بسبب صغر سني ولأنه كان يفضل أن يلتقي بمحمود درويش بدل أن يلتقي بفتى شعره طويل، كما أخبرني فيما بعد. كان الاتحاد السوفياتي يتداعى وآلاف المتظاهرين الروس يجوبون شوارع موسكو، ويتجمعون في الساحة الحمراء قبالة ضريح لينين المحنط وراء الزجاج، وكانت صور ستالين تتحطم على الأرصفة، ولكن «عشق آباد» كانت هادئة كما لو أنها تعيش خارج كل شيء.
ستتعمق علاقتي بصاحب «المتشائل» خلال المؤتمر، ولكنه سيواصل حذره عبر أسئلة كثيرة، وسيعرض علي بعد أربع سنوات تولي إدارة تحرير مجلة مشارف التي أسسها ورأس تحريرها حتى رحيله.
إميل حبيبي أحد أجمل الرواة الذين يمكن بضربة حظ أن تستمع لهم، كان منجماً صافياً من الحكايات، كان كريماً في حكاياته وبسيطاً وساخراً.
من تلك الحكايات كنت أفضل حادثة عودته إلى بيته خلال معارك حيفا عام 48، كان ضمن مجموعات من الشباب العرب واليهود التي نظمها الحزب الشيوعي لحماية بيوت العرب من النهب والسرقة والمصادرة، وهي الحكاية التي رواها في الفيلم الوثائقي «عائد إلى حيفا».
يقول: عدت منهكاً تماماً، كانت أحياء حيفا تسقط تباعاً، وكانت هناك موجة من النهب والسرقة تتبع سقوط كل حي، كانوا يحتلون البيوت المتروكة أو التي قتل أصحابها، وكانت مهمتنا إقناع العرب بالبقاء وحماية البيوت من النهب، ومن استيلاء المهاجرين اليهود عليها، كان بيتي مضاء واستطعت أن أتبين شبحاً يتجول بين الغرف، كان مهاجراً يهودياً في الثلاثينيات، قرر الاستيلاء على البيت، وكان قد وضع حقيبته على مقعد في الصالة، ويتأمل صور العائلة المعلقة على الجدار، جلس قرب حقيبته وجلست قبالته تماماً، كنت أحدق في عينيه، لم نتبادل الحديث، واصلت التحديق بعينيه حتى منتصف الليل عندما نهض وغادر.
تذكرت هذا الوفد الغريب بمؤتمر غريب في مدينة غريبة، وحذر إميل وخيبة أمله التي تحولت إلى صداقة عميقة فيما بعد، وحكاية المستوطن اليهودي الذي جاء ليسرق بيته، وأنا أتابع ردود الفعل على كتاب المؤرخ الإسرائيلي «آدم راز» الذي يوثق نهب البيوت العربية خلال عام النكبة. أستطيع أن أتخيل إميل حبيبي الشاب وهو يواصل التحديق في عينَي المستوطن/اللص والضوء الخفيف في الصالة والحقيبة على المقعد.
تبدو هذه حادثة خاصة بإميل حبيبي الذي أنقذ بيته، كانت «أم الحكايات» التي واصل سردها كشاهد على «سرقة القرن»، ولكن «راز» خرج بالكاميرا من الصالة نحو المدينة ووثق عشرات آلاف الحكايات عن البيوت التي نهبت وجرى الاستيلاء عليها في حيفا تلك الليلة.