ما بعد ترامب..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 02:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما بعد ترامب..مهند عبد الحميد



سقوط ترامب في انتخابات تشرين الثاني 2020 يطرح مصير الترامبية في الولايات المتحدة وعلى صعيد كوني. ترامب لم يكن نبتاً شاذاً في بيئة مناقضة للظاهرة التي سُميت باسمه كرمز أول لها. الترامبية ظاهرة سياسية اجتماعية تعبر عن التوحش الاقتصادي والسياسي للنظام النيو ليبرالي في سياق الأزمات الاقتصادية التي بدأت في العام 2008. وكان من تجليات الترامبية نمو شعبوية قومية عنصرية معادية للسود وللأجانب والمهاجرين والأقليات والإعلام، وقد اعتمدت هذه الظاهرة على دعم فاحشي الثراء وقطاع الشركات المتسامحين مع سياسات ترامب الهوجاء، لقاء الامتيازات التي توفرها لهم إدارته، سيما التهرب الضريبي. وتستند الترامبية في الخارج الى تحالف دولي يضم الدول الرجعية المطلقة وأحزاباً عنصرية وفاشية وقومية متطرفة.
الترامبية كظاهرة تعيدنا الى «المكارثية» التي عاشتها الولايات المتحدة على مدى عشر سنوات – 1947- 1957، والمنسوبة الى عضو مجلس الشيوخ الأميركي جوزيف مكارثي. المشترك بين الترامبية والمكارثية هو اتهام المعارضين لسياساتهما، بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة، الآن يتهم ترامب الحزب الديمقراطي بسرقة فوزه، ويتهم الذين لم ينتخبوه بالخيانة، ويعاقب منتقديه شر عقاب، المكارثية عاقبت البرت اينشتاين وآرثر ميللر وشارلي شابلن وغيرهم، وفصلت أكثر من 10 آلاف شخص من عملهم. ترامب عاقب منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان واروبا والصين وايران والشعب الفلسطيني، عاقب 264 من مشاهير هوليود، عاقب مسؤولين أمنيين.. والقائمة تطول.
الترامبية لها قاعدة اقتصادية اجتماعية وثقافية، تعتمد على مؤسسات رسمية كمجلس الشيوخ والمحكمة العليا ولها حضور في الكونغرس ووسائل إعلام، ويبدو أن هزيمتها في انتخابات الرئاسة وسقوط رمزها الأول دونالد ترامب لا يعني أنها هزمت كظاهرة، بدليل حيازة ترامب على 70 مليون صوت انتخابي، واستمرار مؤيديه بالاحتجاج على فوز جو بايدن، بل ويرفضون الاعتراف بفوزه. منذ الإعلان غير الرسمي عن فوز بايدن سارع الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا وعشرات الدول بالاحتفال. كان ذلك يعني الاحتفال بسقوط ترامب، والتصديق على نتائج الانتخابات. لا شك في أن الترامبيين عالمياً خسروا ترامب كحليف وسند ورمز، لكنهم لم يهزموا ما لم تخض شعوبهم معركة إسقاطهم كما فعل الشعب الأميركي. اخص بالذكر نتنياهو الحليف الأهم لترامب وأحد رموز انقضاض الأقوياء على الضعفاء ومحاولة هزمهم وإخضاعهم. ولكن، هل سيبقى نتنياهو على حاله ما بعد ترامب؟ ام انه سيكون من الخاسرين؟ لا سيما وان الحراك الإسرائيلي المناهض له ما زال متواصلاً وهو مرشح للتصاعد بعد سقوط ترامب. أما حلفاء ترامب من أنظمة مستبدة ورجعية، والتي تعاملت مع الترامبية كحاضنة وتكيفت معها واستجابت لشروطها وبخاصة لجهة تمرير صفقة القرن. هؤلاء الحلفاء سيحاولون الآن التكيف مع إدارة بايدن من خلال الاستقواء بإسرائيل، ومن خلال الإبقاء على ثمار الترامبية المسمومة كاتفاقات التتبيع سيئة الذكر والسمعة.
بعد ذلك، وفي عهد بايدن، يتبادر الى الذهن سؤال ما هي مكانة القضية الفلسطينية التي كانت من اكبر ضحايا ترامب والترامبية في أجندة بايدن والديمقراطيين؟ للإجابة دعونا نتوقف عند وجهين للسياسة الأميركية، الأول الحل العدمي الذي قدمه ترامب وكان نسخةً عن مشروع عتاة اليمين القومي الديني الإسرائيلي. وهنا لا يوجد أسوأ ولا أخطر من صفقة ترامب، التي عملت على خنق الشعب الفلسطيني بوقاحة منقطعة النظير. ولا يوجد أكثر عدائيةً ورفضاً للحقوق الفلسطينية من السفير الأميركي الترامبي السيد فريدمان. الوجه الثاني والذي سيأتي بصيغة سؤال، ما هو موقف إدارة بايدن من بقاء الاحتلال والاستيطان والهيمنة على الموارد الفلسطينية بالمستوى المتناقض مع القانون الدولي. هل سيبقى الاحتلال والوقائع الاستيطانية الإسرائيلية محمية من قبل إدارة بايدن شأنها في ذلك شأن الإدارات السابقة؟ إن تأييد حل الدولتين بمعزل عن التنفيذ، والعودة الى سياسة إدارة الأزمة سواء عبر الرباعية الدولية التي جردت نفسها من صلاحية إلزام الدولة المحتلة بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وحتى اذا ما جرى الاتفاق على مؤتمر دولي بدون صلاحية الزام الدولة المحتلة بالانسحاب، فإن هذه الصيغة تندرج ايضاً في إطار إدارة الازمة التي تترك الوضع الفلسطيني برمته في حالة انتظار المجهول. وإذا أعاد بايدن فتح القنصلية في القدس الشرقية، وأبقى على القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، فإن ذلك يعني تمرير ما ورد في صفقة ترامب. دعونا نوضح، بأن سقف بايدن في القضية الفلسطينية، هو سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي سرعان ما انتقل من وعد معالجة خطر الاستيطان، الى إدارة الصراع واللا حل.
لطالما بقي الحل معلقاً ومرهوناً بموافقة إسرائيلية طوعية، فلا إدارة بايدن ولا الاتحاد الأوروبي ولا الرباعية الدولية والمؤتمر الدولي يستطيعون فرادى او جموعاً وضع نهاية للاحتلال. ومن المفترض ان لا تعود فلسطين الى المربع الأول وتجرب المجرب والمكرر. ما العمل؟ هو السؤال الفلسطيني الأصعب، ما العمل في ظل نظام دولي ما قبل ترامب وما بعده يعمل بلغة المصالح، ولا مكان للغة المبادئ الإنسانية ولا للعدالة والقانون والحقوق والتحرر وتقرير المصير، علماً أن ترامب شطب حتى مجرد استخدام تلك المبادئ من خطابه الإعلامي والسياسي. لا تستطيع فلسطين ان تذهب إلى عالم مصالح الكبار ولا يوجد في جعبتها ما تقدمه، في الوقت الذي تستطيع فيه الذهاب الى ساندرز وحركة السود ومجموعات «البي دي أس» وجماعات حقوق الإنسان والبيئة والنقابات وكل القوى والحركات الاجتماعية والمطلبية التي تنشد العدالة والحقوق المشروعة في المساواة داخل الولايات المتحدة وأوروبا والعالم والعالم العربي. من هنا يبدأ الضغط على المصالح. مصالح الشعوب تضغط على مصالح الكبار.
لا يمكن التعويل على نظام دولي لم يستجب للحقوق والمبادئ منذ العام 1948 وأقله منذ 53 سنة وحتى يومنا هذا. ولكن كي تذهب فلسطين الى عالم الشعوب والقوى التي تلتزم بالعدالة والمساواة والحقوق، من المفترض ان تحدث المواءمة المطلوبة، وما يستدعيه ذلك من إعادة بناء الواقع الفلسطيني ( الخطاب السياسي والإعلامي والبنية المؤسساتية ومنظومة القوانين والديمقراطية والمساءلة). إنها أُم المعارك التي سيترتب عليها تجاوز حقيقي للمأزق المزمن.
Mohanned_t@yahoo.com