تحميل خطبة مكتوبة عن نصرة النبي في ذكرى المولد النبوي الشريف 2020

الأربعاء 28 أكتوبر 2020 12:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
تحميل خطبة مكتوبة عن نصرة النبي في ذكرى المولد النبوي الشريف 2020



الرباط / سما

نشرت صفحة خطب الجمعة في المملكة المغربية، خطبة عن نصرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف الذي يصادف الخميس 28 أكتوبر 2020 – 1442 هجري في الدول الإسلامية والعربية والعالم.

وذكرت الصفحة المغربية على موقع فيسبوك أن الخطبة المرفقة بعنوان (الاقتداء بالرحمة المهداة للعالمين في مواجهة التحديات)؛ بمناسبة ذكرى مولد النبي محمد، للخطيب الفاضل سيدي عبدالله بن الطاهر "أطال الله في عمره ونفع بعلمه".

1. خطبة ذكرى المولد النبوي:

الحمد لله الذي أكرمنا بالمصطفىﷺ رحمة مهداة للأنام، وجعل من سيرته مثالا يحتذى في التوحيد والأخوة وصلة الأرحام، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا محمدا أرسل الله في زمن عم فيه الظلم والظلام، وطغت فيه على النفوس العصبية والإجرام، وعلى المعاملات الفسوق والآثام، فكانﷺ رحمة تطهر العقول والأرواح والأجسام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان مادامت الأيام والأعوام.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

لقد أرسل الله تعالى المصطفى الكريمﷺ رحمة للعالمين، فقالﷺ عن نفسه: «إنما أنا رحمةٌ مُهداةٌ» بضم الميم، أي: هدية من الله تعالى للعالمين، مصداقا لقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقوله سبحانه: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}، وفي رواية قالﷺ: «إنما أنا رحمةٌ مِهداةٌ» بكسر الميم، أي: هادية تهدي العالمين إلى الصراط المستقيم، مصداقا لقوله عز وجل: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}؛ والرحمة المِهداة بكسر الميم تتجلى في المعاملات حينما تتحلى القلوب بالرحمة المُهداة بضم الميم.

ونحن في ذكرى مولدهﷺ يجب أن نتعلم أن الاقتداء بهﷺ أمر واجب ولازم فنتراحم ونتعاطف، حتى نقدم الحجة والبرهان على أننا قد قبلنا من الرحمن هذه الهدية الهادية، فحينما نتذكرهﷺ ونقرأ سيرته يجب أن نعيش مشاهد حياته التي نقرأها كأننا نسمعها ونراها، وكأننا جزء منها، نحزن لحزنهﷺ ونفرح لفرحهﷺ؛ لأن سيرتهﷺ كانت منهجاً عمليا يقتدى به، فهي رحمة مهداة لكل العصور والأجيال، والله تعالى يقول: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، ويقول سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}.

والرحمة والإيمان متلازمان؛ بقدر ما يتقرب العبد من ربه يكون رحيما، وبقدر ما يبتعد عنه يكون قاسيا؛ فمؤشرهما يتحرك بتناسق ارتفاعا وانخفاضا، زيادة ونقصانا، ما رحم الإنسان غيره إلا مع زيادة الإيمان، وما قسى إلا بنقصان الإيمان؛ قالﷺ: «الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَن في الأرض، يرحمْـكم من في السماءِ».

ومن اقتدى بهﷺ يكون رحيما بنفسه بحيث لا يحملها ما لا تطيق.

رحيما بوالديه، وقد قالﷺ للرجل الذي استأذنه في الجهاد وله أبوان كبيران: «فارجع إلى وَالِدَيكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُما»، «ففيهما فجاهده».

رحيما بأطفاله فقد كانﷺ حين يسمع بكاء الصبي يخفف في الصلاة خوف من أن تكون أمه معه في الصلاة.

رحيما بأهله وقد قالﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

رحيما بجيرانه وقد قالﷺ: «ما زال جبريل يُوصيِني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُوَّرِّثُه».

وقد قالﷺ: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى»،

رحيما باليتامى والأرامل والمساكين وقد قالﷺ: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله».

وهوﷺ رحمة في العبادات؛ قد شرع لنا في الصلاة التيمم للمريض وفاقد الماء، وشرع في الصيام الأكل للمريض والمسافر، وأعفى الفقراء من دفع الزكوات، وشرع في الحج النيابة لمن فقد الاستطاعة.

وهوﷺ رحمة في المعاملات؛ قد حرم الاختلاس والغلول والسرقة والربا لما فيها من استغلال حاجات الضعفاء رحمة بالأموال، وحرم الزنا والقذف رحمة بالأنساب والأعراض، وحرم الظلم والاعتداء والقتل رحمة بالأجساد والأنفس، وحرم الخمور والمخدرات رحمة بالعقول والألباب.

وهوﷺ هو رحمة في حربه كما هو رحمة في سلمه؛ فليست الحرب عنده للتدمير وقتل البشر، بل إنها لمواجهة من يحمل السلاح ضد الأمة، روى أبو دود أن النبيﷺ قدم وصية لجنوده تحمل آداب الجهاد وقوانين الحرب في الإسلام، تلك الآداب التي تجعل الحرب رحمة، تلك القوانين التي لم يعرفها العالم المتحضر اليوم، قالﷺ: «انطلقوا باسم الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة»، وفي رواية أنهﷺ قال: «اغزوا بسم الله، في سبيل الله، من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تُغيروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء».

انظروا رعاكم الله كيف كانﷺ رحمة حتى في حربه، وقارنوا بين الحرب في الإسلام، والحروب التي أدارها اليوم دعاة الحضارة وحقوق الإنسان، إنهم لم يراعوا في حروبهم الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ ولا رجال الدين عندهم، إنهم هدموا المستشفيات على مرضاها، وأحرقوا المحاصيل الفلاحية وحيواناتها...

على سبيل المثال لقد أسفرت الحرب العالمية الأولى عن ضحايا تقدر بتسعة عشر مليون قتيلا أكثر من نصفهم مدنيون، وأسفرت الحرب العالمية الثانية عن ضحايا تقدر بخمسة وستين مليون قتيل.

بينما تتبع العلماء غزوات الرسول الرحمةﷺ كلَّها على مدى عشر سنوات، فوجدوا أنها لم تسفر إلا عن 1018 قتيلا من كلا الفريقين: من الكفار والمسلمين معا، كلهم عسكريون ليس فيهم مدنيون ولا نساء ولا أطفال، ورغم ذلك أقامﷺ دولة، وأحيا أمة، وأثبت العقيدة، وأصلح المجتمع.

قارنوا يا عباد الله بين هذا وذاك؛ لتدركوا كيف كان النبيﷺ رحمة مهداة في حربه وسلمه، ولتدركوا بحق معنى قول الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.

اقرأ/ي أيضا.. ما هو حكم التهنئة وأكل الحلوى في عيد المولد النبوي الشريف ؟

2. خطبة عن نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين...

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ لقد ظهر في هذا العصر ڤيروس تعددت في أصله الأنظار، وضلت في كنهه الآراء؛ هل هو من الإنسان؟ أو انتقل إليه من الحيوان؟ من أي نوع من الحيوان توالد فتكاثر وتناثر؟ هل هو ابن الخفّاش أو ابن الخَشَاش والخشخاش؟ هل هو ڤيروس عادي طور نفسه بنفسه؟ أم طوره الإنسان ليقتل به أخاه الإنسان؟ أو طوره لأغراض معينة فخرج عن السيطرة لينشر الأمراض ويهتك الأعراض؟ هل هو مؤامرة؟ هل هو مقامرة؟ هل هو مغامرة؟ تعددت الآراء والڤيروس واحد؛ يهدد بالموت أو يؤدي إلى الموت، لا يفرق بين بني البشر؛ أصاب الزعماء والضعفاء، الأغنياء والفقراء، المرضي والأطباء، الكبار والصغار، لا ينتقي ولا يختار، ولا يبقي ولا يذر، بل يصيب كل من صادف وظهر، فيتركه ينهار أو يحتار؛ فظهرت بسبب ذلك قوة الواحد القهار.

اقرأ/ي أيضا.. هل يجوز الاحتفال بعيد المولد النبوي ؟

وفي الاقتداء بالرحمة المهداةﷺ نجده يواجه مثل هذا الوباء بأمرين:

الأول: العلاج والتداوي؛ يدل عليه قولهﷺ فيما روى أبو داود: «إن الله أنْزَلَ الدَّاءَ والدَّوَاءَ، وجعل لكلِّ داء دواء، فَتَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بحرام»؛ فلا يجوز التهوين بعدم عرض الحالة الصحية عند الشك على الأطباء، ولا يجوز إهمال العلاج والتداوي بعد التأكد من المرض؛ فخطورة هذا المرض تكمن في كون الإنسان قد يكون حاملا لفيروسه من غير أن يظهر عليه أثره لقوة مناعته، ولكنه يحمله ليقتل به الضعفاء من أهله وعائلته، فكم من واحد حمله لأحد من ضعفاء أهله مثل أبيه أو جده فمات به.

الثاني: الحجر الصحي؛ يدل عليه أحاديث كثيرة منها: ما روى البخاري وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول اللهﷺ عن الطاعون، فأخبرني: «أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين؛ فليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا؛ يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد». وما روى الشيخان عن أسامة رضي الله عنه أن النبيﷺ قال: «إذا سمعتم بالطَّاعُون بأرضِ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرضِ وأنتم بها، فلا تخرجوا منها». و- ما روى الإمام مسلم عن عمرِو بن الشريد عن أبيه، قال: «كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبيﷺ: إنا قد بايعناك فارجع». وما روى الإمام مسلم أنهﷺ قال: «لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ».

أَلّا فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبادَ اللَّهِ وكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .هذا و لنجعل مسك الختام، وتمام الكلام، صلاة وسلاما على المبعوث رحمة للأنام سيدنا محمد عليه السلام، اللهم صل عليه وعلى ءاله الكرام، وصحابته الأعلام، صلاة دائمة بدوامك، باقية ببقائك، لا منتهى لها دون علمك، ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين، وارض اللهم عن آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار، خصوصاً منهم الخلفاء الأربعة الراشدين، وباقي العشرة المبشرين، وزوجات رسول الله أمهات المومنين، وكل الصحابة من الأنصار والمهاجرين. اللهم انفعنا بمحبتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم واحشرنا في زمرتهم.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين