اين الشراكة ووحدة الهدف؟.. مصطفى ابراهيم

الإثنين 26 أكتوبر 2020 08:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
اين الشراكة ووحدة الهدف؟.. مصطفى ابراهيم



غزة / سما /

الحال التي وصل إليه الفلسطينيون، بسبب الأخطاء القاتلة قبل الانقسام وبعده، لا تزال آثارها ونتائجها الخطيرةماثلة أمامنا.  وتمارس الخطايا من قبل السياسيين، ودورهم في تعميق الانقسام والاصطفاف كلٌ خلف الايدولوجياأو الحزب السياسي الذي ينتمي إليه أو من ينطلق منهم من مصلحة شخصية. وهل الحرب الدائرة بين هؤلاءبالرغم من اللقاءات والاجتماعات بين بيروت ورام الله واسطنبول، والتصريحات الحالمة بالوحدة، هي العجز عنتقديم التضحيات من أجل ردم الهوة والعودة عن حال الانقسام إلى الشراكة والوحدة؟

فالحرب التي شنها الفلسطينيون خلال السنوات الماضية، هي حرب أكثر ضراوة من حربهم ضد الاحتلالومشاريعه وأشخاصه ومؤسساته، والدفاع عن القضية الوطنية وممارسات الاحتلال، أو حربهم ضد الانقسام. ماذاحدث؟

لم تثن الأخطار الكبيرة بعد أن ترك الفلسطينيون وحدهم في مواجهة إسرائيل، وما يحاك من مشاريع تصفيةالقضية الفلسطينية، بدءا من خطة صفقة القرن الى سياسات اسرائيل العنصرية المستمرة بالضم ومصادرةالاراضي ومشاريع الاستيطان والحصار، والتحالفات التي عقدتها الإمارات والبحرين والسودان وغيرها من الدولالعربية التي باتت بين قوسين أو أدنى باللحق بقطار التطبيع.

تتطلب الشجاعة أن نعترف أن سنوات الانقسام لوثت غالبية كبيرة من الفلسطينيين وشوهت نضالهم وتضحياتهمواعاقت تحقيق اهدافهم الوطنية بالحرية والاستقلال. فالخطوة الأولى لكي نتجاوز الحال المرضية التي تدفعالجميع لتلويث الجميع، وهي حال موضوعية لها أسباب ذاتية، تخص الفرقاء، وأسباب موضوعية تتعلق بالتطوراتالتي حدثت وتحدث في الوطن وبين صفوف الشعب الفلسطيني وثقافته وأخلاقه، وتأثيراتها الجانبية، والاقصاء.

وما كان لكل ذلك ولهذه الأسباب الذاتية أن تأخذ هذا الحجم أو تفرض هذه الحال من التيه وعدم سماع الآخر، لولاالأسباب الأكثر أهمية، وأهمها: حال الإحباط القومي العربي، والإحباط الوطني العام التي ولدتها الانكساراتوالهزائم الوطنية والشخصية خاصة اتفاق أوسلو وما نعيشه الأن، وما تلاه من تفكك للنسيج الوطني والسياسي،والاجتماعي والثقافي، والاصطفافات من بعض الفصائل والنخب حسب المصالح الذاتية على حساب مصلحةالقضية الوطنية. وحال الميوعة التي سادت في أعقاب أوسلو وأنهت الاستقطاب في الحياة السياسية والاجتماعيةوالثقافية، مرورا بالانتفاضة الثانية وعدم استخلاص العبر منه برغم التضحيات الجسام التي قدمها الفلسطينيون،إلى أن اجريت الانتخابات لمؤسسات السلطة الفلسطينية في العام 2006 ومشاركة حركة حماس فيها وفوزهابأغلبية في المجلس التشريعي ودخولها كفاعل رئيسي منافس في الساحة السياسية الفلسطينية، ولم تخف رؤيتهاونواياها في الاستحواذ على السلطة الفلسطينية والمنظمة، وما رافق ذلك من عملية تنظير وتعبئة سياسية، والدافععن القضية الوطنية من خلال التربية الحزبية والمشروع السياسي للحزب.

وما وقع بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة بالقوة، وقبلها، جدد حالة الاستقطاب والفرز، وعمق حال الانقسامالسياسي والاجتماعي والجغرافي، وساهم في تفكك النسيج الاجتماعي. تلك جميعها عوامل مست الضميرالجمعي للفلسطينيين وانتماءاتهم واصطفافاتهم، فأصبحوا جميعاً أفراداً يتآكلون!

فحال الانقسام لم تقتصر على كل تلك العوامل، بل تم تعميق الانقسام بسلطتين قمعيتين مارستا انتهاك ابسطحقوق الانسان الفلسطيني، بدل من دعمه وتعزيز صموده، والذي زادت من غربته في الداخل وابعدت الفلسطينيالذي يعيش في الشتات عن أحلامه وعمقت من غربته اكبر، وزجوا أنفسهم في تحالفات وأجندات ومفاوضات لانهاية لها ومقاومة لم تحقق ما يصبون إليه، وحال الانقسام يتم تعميقها وتعزيزها بشكل يومي. والأوضاع العامتزداد قتامه ومأساوية، ابتزاز أمريكي، حصار شامل وظالم، وتفكك اجتماعي وأخلاقي وقيمي.

كل ذلك مستمر، ويعزي الفلسطيني نفسه بعدالة قضيته وبقاؤه وصموده على أرضه، برغم معاناته اليومية مناحتلال وفقر وبطالة وهجرة وغربة وضياع الاحلام والآمال، وغياب الطريقة التي يتم فيها مواجهة تحدي كل هذهالاخطار والأضرار التي لحقت بالقضية الفلسطينية والنسيج الاجتماعي بسبب السياسات الفاشلة. كشفتالتحالفات العربية الاسرائيلية عن عورة النظام السياسي الفلسطيني وإخفاقات خطيرة ومنهجية في سلوكالقيادة الفلسطينية التي تتحكم بالقرارات والرؤى في ادارة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والشأن العامالفلسطيني.

عكست هذه الإخفاقات الفشل في عملية اتخاذ القرارات نتيجة الرؤى السياسية للقيادة الفلسطينية من جهةوحركة حماس من جهة أخرى، لاعتبارات او قناعة غريبة مستمرة منذ سنوات بتمسك كل طرف برؤيته والافتراقأكثر، وعدم وجود إرادة حقيقية لإنهاء الانقسام، واستمرار سياسة الاقصاء والتفرد باتخاذ القرارات، في غيابالخطط والأهداف، وعدم القدرة على التنازل من أجل المصلحة الفلسطينية، وحال الارتباك والتيه والاحباط والحيرةفي تحديد أولويات الفلسطينيين وقضيتهم وتحالفاتهم السياسة، واجنداتهم الوطنية بعيدا عن التحالفات الاقليميةوالوثوق بالولايات المتحدة الامريكية بامتلاكها أوارق الحل.

القصة الحقيقية الغائبة عن القيادة والفصائل، هي الناس، حاضنة المشروع الوطني وعدم القدرة على تعبئتهمبإزالة الحواجز بينهم وبين القيادة والفصائل والوثوق بقدرتهم على المقاومة والصمود في الحرب التي تشنهاإسرائيل ضدهم، وعدم قدرة القيادة على استعادة الثقة بينها وبين الفلسطينيين في الداخل برغم معاناتهماستبعدوا وظلوا يشعرون بالوحدة والريبة من قيادة منظمة التحرير، والفلسطينيين في الشتات اللذين يمتلكونالطاقات والقدرات الهائلة وعلى استعداد لتقديم الخدمة في جميع المجالات من أجل القضية الفلسطينية.

الفلسطينيون في الداخل والفلسطينيون في الشتات منسيون ويعيشون الحزن والألم والاحباط على مصيرهم،ويتساءلون أين روح الوحدة والشراكة والاستعداد لتحمل العبء الذي كان سمة الفلسطينيين والذين عرفواالتضامن مع ذواتهم بما يسمى بـ “الفزعة” والتي جردت من معناها في ظل حالهم المأساوي الذين اوصلتهم إليهالقيادة والفصائل.

تبخرت هذه الروح خلال سنوات الانقسام ووهم السلطة، والأزمة الوطنية توضح ذلك، خلال السنوات الماضيةتعمقت أزمة الثقة من قبل الفلسطينيين بصناع القرار، وسأم الفلسطينيين كل ما يشاع من تصريحات حولالوحدة.

الفلسطينيون محبطون من طريقة اتخاذ القرارات وحالة الانتظار التي تمارسها القيادة بناءً على اعتباراتسياسية ضيقة وغير مفهومة حتى الأن، وغياب النموذج الوطني الشخصي للمسؤولين المنفصلين عن الناسومعاناتهم، ومستمرون في تعميق الانقسام السياسي.

إننا لم نكن بحاجة في أي وقت إلى إحياء ضميرنا الجمعي كفلسطينيين، قدر حاجتنا، وحاجة الوطن إلى ذلكالآن، لا توجد طريقة للخلاص من الأزمة إذا لم ينظم الفلسطينيين أنفسهم لمصلحتهم الوطنية، والتخلي عنالمصالح الشخصية، وبناء جماعة مرجعية هو الخطوة الأولى لذلك، واستخلاص الدروس والعبر والمعاني الحقيقيةحول كيفية التوصل لأسس الشراكة والوحدة، هي الخطوة الأولى للخروج من حال الانتظار والاسراع في اعادةبناء مؤسساتهم الوطنية لمواجهة أعداء فلسطين والقضية.