معاريف - بقلم: ألون بن دافيد "اكتشفنا هذا الأسبوع أن حماس تواصل استعدادها للحرب مع إسرائيل من تحت الأرض، وبشكل سري فوق الأرض أيضاً، تنضج المساعي لتأطير العلاقات بين إسرائيل وقطر. ودون التقليل من أهمية العلاقات التي تنسج مع السودان، فإن الاختراق مع قطر سيبشر بتغيير ذي مغزى في موازين القوى في المنطقة وبفرص التسوية المستقرة في غزة أيضاً. وكل ذلك تبعاً لنتائج الانتخابات الأمريكية.
لقد اهتمت التقارير التي تحدثت عن اكتشاف النفق في غزة هذا الأسبوع، بنجاح العائق التحت أرضي، ولكنه نجاح لكل النهج. فمن خلف العائق منظومة استخبارية وعلمية أثبتت هذا الأسبوع بأنها تعرف كيف تجمع كل الأحرف وتترجمها إلى استنتاج واضح يشير بدقة عالية جدا إلى وجود نفق. في محاولة الحفر الثانية أصاب المقداح النفق الذي يبلغ عرضه 70 سنتيمتراً، وذلك قبل أن يستكمل التركيب لكل التكنولوجيا التي يفترض أن تكون جزءاً من العائق.
لقد حفر هذا النفق بشكل واضح في محاولة لتحدي العائق الجديد وكجزء من استعدادات حماس لمواجهة مستقبلية. وهو استثنائي في عمقه (عشرات الأمتار) ويحتمل أن تكون هنا محاولة من حماس للنزول إلى ما تحت العائق. طوله نحو 1.5 كيلومتر ويرتبط بمنظومة الأنفاق الدفاعية لحماس داخل خانيونس. لقد حفر هذا النفق على مدى أشهر طويلة واستثمر فيه أكثر من مليون دولار ومئات ساعات العمل الإنساني. وبعد نحو شهر، سيستكمل العائق التحت أرض كله، حينئذ سيكون ممكناً القول بأن أزيل تهديد الأنفاق المتسللة من غزة.
إن مواصلة حماس الاستعداد للحرب معنا ليست مفاجئة، فلا أحد يتوقف عن التسلح في منطقتنا. ولكن رجال حماس شاهدوا بعيون تعبة كيف تسحب منهم إسرائيل ذخراً باهظ القيمة، وهي إشارة واضحة على أن حماس لا تزال معنية بالتسوية وليس بالمواجهة. يمكن الافتراض بأن الصور التي يلتقطها الجيش الإسرائيلي الآن داخل النفق ستعرض على الوسطاء المصريين والقطريين مع طلب إسرائيلي لا لبس فيه: لن تكون هناك تسوية طالما يحفرون الأنفاق.
وهنا تدخل قطر إلى الصورة. فالقطريون –الذين يعتبرون مع الأتراك أسياد كل حركات الإخوان المسلمين في المنطقة، بما في ذلك حماس- قطعوا شوطاً طويلاً. فالدولة التي درجت على نقل المال من تحت الطاولة مباشرة إلى الذراع العسكرية لحماس تساعد غزة في السنتين الأخيرتين بشكل علني من فوق الطاولة. ونجحت الاتصالات التي جرت مؤخراً مع قطر في ضمان استمرار مساعدة قطرية مستقرة للقطاع، حتى نهاية السنة والسنة المقبلة.
تتركز الجهود في هذه اللحظة على إقناع القطريين على الانتقال من توزيع السمك على سكان غزة إلى توزيع الصنارات، واستبدال مصروف الجيب الذي يوزعونه على عشرات آلاف العائلات في غزة بمشاريع تساعد غزة على الوقوف على أقدامها. ثمة استعداد قطري للسير في هذا الاتجاه، وعلامات الاستفهام هي بالذات على الجانب الإسرائيلي، الذي يشترط كل تقدم مع غزة إعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين.
ثمة ثمن لصفقة أسرى مع حماس التي لن تتلقى فيها كل ما تريد، ولكن إسرائيل لم تحصل أيضاً على صفقة دون أن تدفع ثمناً. قيادة حماس تفهم هذا، أما القيادة في إسرائيل فلم تقرر بعد إذا كانت مستعدة في هذه اللحظة لدفع الثمن كي تعيد قتيلين إسرائيليين والمواطنين اللذين في غزة.
إن مفتاح تأطير العلاقات مع حماس يكمن في قدرات الولايات المتحدة وإسرائيل للتوسط بين قطر وجيرانها في الخليج. سيكون من الصعب الجسر على الكراهية الشاسعة بين قطر ومصر، ولكن تصريحات وزير الخزينة الأمريكي المتفائلة الذي زار قطر هذا الأسبوع تشير إلى إمكانية إعادة ربط قطر مع الإمارات والسعودية والبحرين.
للمملكة القطرية الصغيرة الثرية تطلعات لنفوذ إقليمي، فقبل 24 سنة أقامت شبكة “الجزيرة” التلفزيونية التي أصبحت الشبكة الأكثر نفوذاً في المنطقة وأحد العوامل التي سرعت “الربيع العربي”. كما أن قطر لم تتردد في التدخل الفظ في الشؤون الداخلية لدول أخرى، سواء بالمساعدة العلنية للإخوان المسلمين في مصر أم بدعم الثوار في ليبيا وسوريا. ومع ذلك حرصت مملكة الغاز الصغيرة دوماً على البقاء على الجدار: أن تكون حليفة قريبة من الصين، وأن تحافظ على علاقات طيبة مع إيران، وتستضيف على أراضيها في الوقت نفسه قاعدة كبرى لسلاح الجو الأمريكي. في التسعينيات أقامت علاقات تجارية علنية مع إسرائيل، وكانت شبكة “الجزيرة” من الأوائل في العالم العربي التي أعطت منصة للمتحدثين الإسرائيليين، رغم خط مناهض لإسرائيل في بثها. والآن، بعد ست سنوات من مقاطعة جيرانها لها، تريد العودة إلى حضن العالم السُني وتؤمن بأن إسرائيل قد تشق لها الطريق.
في الأيام القريبة المقبلة سيحتفل هنا بتأطير العلاقات مع العروس الإفريقية الجديدة، السودان، التي تبدو وكأنها اغتصبت على الدخول مع إسرائيل إلى تحت مظلة عقد القران. ولكن بعد السودانيين تلوح قطر كالاختراق التالي لإسرائيل في المنطقة، وإذا ما تحقق، فلن يكون هذا أقل من ثورة.