فورين أفيرز: لماذا فشلت كل محاولات أمريكا لتغيير الأنظمة بالشرق الأوسط؟

الخميس 08 أكتوبر 2020 09:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
فورين أفيرز: لماذا فشلت كل محاولات أمريكا لتغيير الأنظمة بالشرق الأوسط؟



واشنطن /سما/

 لماذا ظلت الولايات المتحدة تفشل في محاولات تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط؟ يجيب فيليب غوردون من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بمقال له بموقع مجلة “فورين أفيرز” أن الولايات المتحدة ومنذ خمسينات القرن الماضي حاولت الإطاحة بحكومة في منطقة الشرق الأوسط مرة في كل عقد. وفعلت هذا في إيران وأفغانستان (مرتين) والعراق ومصر وليبيا وسوريا، وهي قائمة تشمل على كل المحاولات التي عملت فيها السياسة الأمريكية بواشنطن وبدأب على تغيير قادة البلد وتحويل النظام السياسي فيه.
وكانت الدوافع وراء كل هذه المحاولات متعددة وكذلك الأساليب التي حاولت استخدامها: في بعض الحالات دعم انقلاب وأخرى الغزو العسكري واحتلال البلد. وفي أخرى استخدام الدبلوماسية والتهديد والعقوبات. وتشترك كل هذه المحاولات بأمر واحد وهو الفشل.

وفي كل حالة بالغ صناع السياسة في تقدير التهديد على الولايات المتحدة وأساءوا تقدير التحديات بعد تغيير النظام وتبنوا التأكيدات المتفائلة من المنفيين واللاعبين المحليين الذي لا قوة لديهم. وفي كل الحالات باستثناء سوريا التي تمسك النظام فيها بالسلطة أعلنت الولايات المتحدة متعجلة عن الانتصار بعدما فشلت في تقدير الفوضى التي اندلعت بعد سقوط النظام ووجدت نفسها أمام أعباء مالية وخسائر بشرية ورطتها لعقود.

وتساءل الكاتب عن صعوبة تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط واستمرار صناع السياسة الأمريكية التفكير بأنهم قادرين على النجاح. ومن الصعب الإجابة على هذا السؤال لكن في كل حالة من الحالات كان البديل عن النظام القائم غير جذاب. إلا أن صناع السياسة الأمريكيين وهم يفكرون بالتحديات الصعبة النابعة من التعامل مع المنطقة عليهم النظر في فكرة الوهم الذاتي وسوء التقدير التي جعلت من تغيير النظام جذابا وفي النهاية كارثيا. وأشار الكاتب إلى مناقشة المسؤولين الأمريكيين عام 2011 التدخل في ليبيا ضد معمر القذافي حيث ذكر وزير الدفاع روبرت غيتس، أكثر المسؤولين خبرة في إدارة باراك أوباما، بأنك “عندما تبدأ حربا لا تعرف متى ستنهيها”. وكان كلامه في الحقيقة تقليل من الواقع لأن كل عملية تغيير نظام في الشرق الأوسط مهما كان التخطيط لها دقيقة أنتجت تداعيات ونتائج غير محتملة.

وأكثر الأمثلة قوة هو غزو العراق في 2003. فقد أنهت واشنطن حكم صدام حسين لكنها قوت إيران بطريقة لم تقصدها. وأدت بالضرورة لتغذية الجماعات الجهادية وأعطت الديكتاتوريين حول العالم أهمية الحصول على السلاح النووي وأثارت الشكوك حول القوة الأمريكية ومنافعها، كما وأدت إلى تخويف الرأي العام الامريكي من فكرة التدخل العسكري في الخارج.

ولم يكن العراق استثناء، ففي عام 1953 أطاحت امريكا بحكومة محمد مصدق على أمل تحول الشاه محمد رضا بهلوي إلى حليف موثوق ويبتعد عن المعسكر السوفييتي. لكن فساد الشاه وقمعه الذي ساعدت عليه أمريكا قاد إلى الثورة عام 1979 وانتجت نظاما معاديا للولايات المتحدة وأصبح داعما للإرهاب ومصدر زعزعة للاستقرار بالمنطقة. وفي أفغانستان ساعدت أمريكا المجاهدين على هزيمة السوفييت ولكنها أسهمت في الحرب الأهلية التي تبعت خروج السوفييت وظهور نظام طالبان. وعادت وغزت البلاد بعد هجمات 9/11 التي خطط تنظيم القاعدة لها من أفغانستان.

وبعد الثورة الشعبية في مصر عام 2011 استخدمت أمريكا نفوذها الدبلوماسي لإجبار حسني مبارك على التنحي عن السلطة ليظهر بعده عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بحكومة إسلامية وليثبت أنه أكثر قمعا من مبارك. وبنفس السياق أدى التدخل الامريكي في ليبيا للإطاحة بنظام القذافي وأدى إلى حرب أهلية وانتشار للسلاح في الدول القريبة مثل تشاد ومالي. وكان يؤمل أن يعطي درس الإطاحة بالقذافي تحذيرا للطغاة بأن عليهم التنحي أو ملاقاة مصيره. وكان العكس هو الصحيح، فقد راقب بشار الاسد القذافي وهو يعذب ويقتل بوحشية وقرر قمع المتظاهرين وفتح بابا للجهاديين.

وكشفت محاولات الولايات المتحدة وغيرها لمساعدة المعارضة للنظام عن كارثة أخرى، حيث استطاع الأسد التمسك بالسلطة بدعم من إيران وروسيا بطريقة أدت إلى كارثة إنسانية وغذت الحرب الأهلية وخلقت أزمة لاجئين لأوروبا وصعودا للجماعات الجهادية.

ويمكن فهم الرغبة بالتخلص من بشار الأسد ولكن نتائج المحاولة والفشل جاءت لأن الذين حاولوا هزيمته لم تكن لديهم الرغبة بتكرار درس العراق الكارثي. وفي قلب الوضع هو أن كل محاولة تغيير نظام او إضعافه كما في حالة الاسد كان فراغ السلطة والأمن يشعر فيه أن البديل عن النظام هو العمل العسكري المنظم الذي تشرف عليه العشائر والقبائل والطوائف التي تدق على نغم الطائفية والخلافات الداخلية والمطالب الإنفصالية. وفي كل حالة تقوم جماعات لا رابط بينها بتشكيل تحالفات ضد النظام لترتد على نفسها بعد انهياره. وعادة ما تنتصر الجماعات الأكثر تشددا وعنفا وقسوة. أما القوى المعتدلة فتختفي وتتلاشى. وتقوم الجماعات التي نحيت عن السلطة بالعمل على تقويض السلطة الجديدة. وعندما حاولت الولايات المتحدة ملء الفراغ، كما في العراق وأفغانستان، وجدت نفسها هدفا للجماعات المحلية والدول الجارة التي تعارض التدخل الأجنبي وغالبا بثمن باهظ من المال والأرواح. ولا يؤدي سقوط النظام إلى صراع على السلطة داخل البلد بل ويدعو لتنافس إقليمي حيث تتسابق الدول بالدعم المالي والسلاح وإنشاء جماعاتها الوكيلة وتحويل البلد إلى منطقة تأثير لها.

وكررت كوندوليزا رايس وقت الحرب في العراق أن تركيز اشنطن على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط حساب الديمقراطية لم يؤد إلى أي شيء. والعكس صحيح فالتركيز على الديمقراطية وعلى حساب الاستقرار لم يؤد إلى ذلك. وعادة ما ينظر الأمريكيون إلى تدخلهم العسكري نظرة إيجابية وأنه نافع ولطيف، مع أنه ليس كذلك. ففي كل محاولة لتغيير النظام في الشرق الأوسط واجهت أمريكا مقاومة. فتغيير النظام في إيران عام 1953 قاد إلى عداء لأمريكا استمر حتى اليوم. وكذلك الأمر في أفغانستان حيث لم يستطع حامد كرازي التخلص من فكرة أن الغرب نصبه بعد عام 2001 كرئيس. واليوم أصبحت نقطة الحشد لدى طالبان هي إخراج القوات الامريكية من أفغانستان. وفي العراق ثبت خطأ تكهن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني أن العراقيين سيقابلون الأمريكيين بالترحاب وكمحررين، فقد قاد الغزو الأمريكي إلى سنوات دموية ومقاومة. وحتى القادة الذين تعتقد الولايات المتحدة أنهم من الموالين لهم إلا أن لديهم مصالح محلية وعادة ما يتخذون مواقف معادية من الولايات المتحدة لتقوية مواقعهم. وبدلا من مساعدة أمريكا لتحقيق أهدافها فإن القادة الإقليميين يبحثون عن مصالحهم ويعملون ضد المصالح الأمريكية. فباكستان ظلت ولعقود تعمل على إحباط الجهود الأمريكية لتحقيق الاستقرار في أفغانستان. فيما ظلت إيران تخرب على الولايات المتحدة في العراق. وعملت مع روسيا على التشويش عليها في سوريا. وعادة ما ينجح هؤلاء المخربون الإقليميون نظرا لتأثيرهم على الجماعات المحلية. وكلما حاولت أمريكا التدخل في الشرق الأوسط واستبدال الأنظمة الديكتاتورية بديمقراطية فإن محاولاتها لم تؤد إلى فتح الطريق أمام موجة من الأنظمة الديمقراطية حتى لو استطاعت محاولاتها تجنب عيوب التدخلات الأخرى من فراغ السلطة والتمرد والحروب الأهلية.

ويرى الكاتب أن أمريكا ليست مطالبة بالتخلي عن طموح بناء الديمقراطية في الشرق لكن اعتقادها أنها ستنجح هو مجرد تعلل بالأماني.

وفي الوقت الذي يمكن النظر فيه إلى رغبة الولايات المتحدة لحل مشاكل المنطقة نظرة تقدير لكنها لا تستطيع حل كل المشاكل وأحيانا تزيد من تعقيد بعضها لو حاولت التدخل. والمشكلة هي أن صناع السياسة في واشنطن يفتقدون الفهم العميق للدول المعنية مما يعرضهم للتلاعب من جماعات المصالح، كما في حالة المعارض العراقي أحمد جلبي الذي أقنع إدارة جورج دبليو بوش بأن صدام يملك أسلحة دمار شامل وأن العراقيين سيستقبلون الأمريكيين كمحررين. وبعد سنوات اعتقل الجلبي بتهم خدمة المصالح الإيرانية. وتم تكرار نفس السيناريوهات في سوريا وليبيا وأماكن أخرى، حيث أخبرت المعارضة المسؤولين الأمريكيين ما يريدون سماعه للحصول على دعم أقوى دولة في العالم. وفي كل حالة أدى إلى سوء حسابات عما سيحدث أعقاب التدخل ووسط موجة من التفاؤل.

وهناك مشكلة أخرى وهي أن الولايات المتحدة عادة ما تعول على الأمل أكثر من التجربة في محاولات حل مشاكل الشرق الأوسط والتخلص من الأنظمة التي تزعزع استقراره. إلا أن التجارب أظهرت مرة وبعد الأخرى أن العقوبات لا تدفع الأنظمة الديكتاتورية للتخلي عن السلطة لأنها لا تتأثر بالعقوبات أو حتى عندما يتم اللجوء للقوى العسكرية المتواضعة. والمشكلة هي أن الكثير من قادة المنطقة يرفضون التخلي عن السلطة حتى لو قتلوا. ومن هنا على أمريكا المضي أبعد من الحلول التي يقدمها دعاة تغيير الأنظمة مثل مناطق حظر الطيران والغارات الجوية وتقديم السلاح للمعارضة. وفي المستقبل قد تقتضي الحاجة للرد على هجوم إرهابي شامل أو إبادة، هجوم نووي وغير ذلك. وهذه في الواقع ليست موجودة ولو حدثت فهي بحاجة إلى تواضع وصدق وتقدير حقيقي للثمن. وسيظل تغيير الأنظمة فكرة مغرية لواشنطن طالما ظلت هناك دول تهدد أمريكا وتسيء معاملة شعوبها. وسيظل المعلقون والمخططون يطالبون باستخدام أمريكا قوتها العسكرية والإقتصادية والدبلوماسية للتخلص منها واستبدالها بأنظمة موالية. لكن تاريخ أمريكا الطويل المتنوع والتراجيدي بدعم تغيير الأنظمة بمنطقة الشرق الأوسط يقترح أن الإغراء هذا مثل بقية محاولات معالجة الأمور السياسية اليوم تجب مقاومته. وفي المرة المقبلة التي يفكر فيها القادة التدخل وتغيير نظام عليهم الوعي أنها ستكون عملية غير ناجحة ومكلفة ومحفوفة بتداعيات غير مقصودة اكثر مما يعرف الداعمين لها. وحتى الآن لم يثبت العكس.

"القدس العربي"