يقولون: "إن الطريقة الذكية لإبقاء الناس سلبيين ومطيعين هي تقييد نطاق الرأي المقبول تقييداَ صارماَ ، مع السماح بنقاش حيوي جداَ ، ضمن ذلك النطاق - بل حتى تشجيع الآراء الأشد نقدية ومعارضة . فذلك يمنح الناس الشعور بأن ثمة تفكيراَ حراَ يجري ، على حين يتم تعزيز الافتراضات المسبّقة ،طوال الوقت بالحدود الموضوعة على نطاق النقاش". ولكي لا نتحول لهذا النقاش بسبب ازمتنا الحالية - فأزمتنا نسخة مُزيّفة عن الأزمة؛ ومصطلح أزمة فضفاض جداً ولا يصلح في توصيف ما وصلنا إليه؛ والأزمة سمة المجتمعات، التي تملك مشاريع في بناء دولها فتخفق وتصبح لديها أزمة حقيقية - الأزمة مرافقة للبناء والإخفاق ، ومن ثم النهوض.
متى أطلقنا بعد مشروعاً حقيقياً للوحدة الوطنية والصمود ، وبناء الدولة ونهضتها ؟ فالحروب والثورات والأزمات الإجتماعية الكبرى قد تكون دافع قوى لمراجعة الذات وإصلاح الأخطاء والتقدم إلى الأمام ؛ وقد تدفع بالأمم والشعوب سنوات طويلة الى الخلف. فالعقل المراوغ يصطنع الأزمات ويفتعلها ليعيش عليها ولا يعنيه لا وطن ، ولا وحدة وطنية. فالوحدة الوطنية ليست مجرد مصطلحات أو كلمات نكررها دون أن يكون لها حضور قوي ومظاهر مؤثّرة ، يتجلّى الحدّ الأدنى منها في احترام وتنفيذ الاتفاقيات السابقة ، و احترام وتقديم إرادة الشعب وحق القضية الشريفة العادلة. مع السعي الحقيقي لنجاح تلك الجهود في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والاتفاق على رؤية شاملة وإستراتيجية جديدة وشراكة حقيقية، تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينى فى والوطن والشتات.
فهل قطار المصالحة والوحدة لايزال يمشي على سكته ؟ ام يعطل ويقف في اول محطة له ، وهى محطة الانتخابات او تشكيل حكومة وحدة وطنية او محطة المصالح و التجاذب الاقليمي، والتهرب للأمام باستدعاء الفرقة والشر؛ ونرواح في مكاننا ، وندفن انفسنا في مماحكات من اجل استمرار هذا الانقسام، وما زالت الحوارات بشأن تفاصيله غير واضحة، بينما يدفع الشعب الفلسطينى أفدح ثمن مع كل يوم وكل ساعة تطول فيها ..دون ان نجدد شيئا .بل نبدد ما راكمناه سابقا ، ومحلك سر، كما هو متبع، من اجل ماهو معلوم! ونندم حين لا ينفع الندم.
وللوصول في نهاية المطاف إلى الوحدة الوطنية الحقيقية التي تعبّر عن صورتنا أمام العالم، وتحرير الصورة النمطية المعروفة ، من جميع السلبيات ، التي أضحت جزءاً لا يتجزأ منهم أمام العالم ؛ فهؤلاء لا أمل فيهم .. أجرؤ على القول إنه لا يمكن شن حرب طويلة الأمد ضد إرادة الشعب . آن للشعب ان يستريح من اليأس - آن للناس أن يستريحوا من الإحباط. أتمنى أن نبدأ ولكن من خلال وجوه جديدة _ دماء جديدة وبرامج تناقش و شباب تشارك وتقاوم من أجل انتزاع حقوق شعبنا المظلوم ، ولها كلمتها و هيبتها و استقلالية اراءها وتوجهها. فكل قيم التحضر موجودة لديهم.
كثيرون جداً في هذا البلد، لا علاقة لهم بتلك بالتجاذبات ، ولا يعرفون لها طريقاً، ويرفضونها إذا اقتربت منهم لأنهم يريدون أن يخرجوا من الدنيا أطهاراً شرفاء غير ملوثين، هؤلاء الكثرة يخدمون الوطن والقضية الشريفة العادلة ، لوجه الله، ويقولون كلمة الحق لوجه الله والوطن، هم لا يقارنون بغيرهم ،ولا بكل أهل الحظوة والسطوة والسلطان والهيلمان لأنهم نموذج لنظافة اليد ونقاء السريرة وإخلاص الضمير وعفة اللسان وسمو القصد. وبهم وحدهم وبتضحياتهم السخية ستظل قضيتنا وشعبنا بخير.
أما الدعوات والجلسات والحوارات بنفس الطريقة القديمة ، فلا طائل منها ولا رجاء منها ؛ انهم في واد آخر سحيق ولا علاقة لهم بالواقع ولا بالشعب الذي سئم من الوضع الراهن ويتوق لتغييره. فهل ثمّة نورٌ جديد يُولَد من عتمة داكنة؟. أيُعقل أن يفقد الفلسطينيين القدرة على الحوار والتواصل مع بعضهم ؟! أيُعقل أن يصبح الشعب أفقر شعوب الأرض وابأس عيشاً ؟! أيُعقل أن يقبل الفلسطينيين ، ومازالت أرضهم محتلة و ساحة للمحرقة الصهيونية ، بعد ان تخلى عنهم القريب والبعيد، لتصبح الحروب بينهم بسبب مصالح الغرباء من كل الأصناف ؟! و أن يستريحوا من اليأس والخراب والعقم والعبث وهدر الزمن ؛ لا ادرى أي خطة اجرامية واي شيطان خبيث أوقعنا في هذا الانقسام النحس ، ولماذا يتربع هؤلاء على أكتافنا ؟ ان اكبر خدمة تقدم الان للبرنامج الوطني هي الاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع. ليقول كلمته..والذي أخفق من قبل لن يكون الترياق على يديه.