هآرتس - بقلم: جدعون ليفي وأليكس ليبك "مرة واحدة فقط كان الأمر ملحاً بالنسبة لأجهزة إنفاذ القانون في المناطق، وبمعجزة انتهى تحقيقهم بسرعة قياسية وتمت محاكمة المشبوهين بجرائم خطيرة، كان هذا الاستثناء الذي يدل على القاعدة. يدور الحديث عن خمسة من جنود حرس الحدود الذين قاموا في تموز الماضي بالتنكيل بعمال فلسطينيين في 14 حادثة مختلفة، قرب جدار الفصل في “ميتار”؛ ضُربوا حتى النزف ثم سرقت أموالهم. قدمت ضد هؤلاء لائحة اتهام خلال شهر تقريباً، منذ ارتكاب جرائمهم، حسب ما كتب. يجب الانتظار ورؤية ما ستحكم به المحكمة المركزية في بئر السبع التي يحاكمون أمامها، ولكن لوائح الاتهام خطيرة والسرعة التي قدمت بها لا تصدق".
الأعمال التي اتهم بها جنود حرس الحدود مخيفة، لكن الخمسة لم يقتلوا أحداً. الجهاز الذي حقق معهم بسرعة هو قسم التحقيقات مع الشرطة، وهو القسم نفسه الذي يتباطأ بصورة غير محتملة منذ أربعة أشهر في التحقيق في قتل إياد الحلاق، الشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أطلق عليه النار وقتل بدون ذنب، على أيدي جنديين من حرس الحدود، وهو مستلق على الأرض في غرفة قمامة في البلدة القديمة في القدس. هذا التحقيق كان يجب أن يكون من أسرع وأسهل التحقيقات التي تم تحويلها إلى قسم التحقيقات مع الشرطة: كانت هناك كاميرات حماية (التي قامت يد مجهولة بإخفائها) وهناك شاهدة عيان واحدة على الأقل، وهناك حقائق ثابتة. هوية الشرطيين اللذين شاركا في القتل معروفة، وما زالا حرّين. انتهاء التحقيق لا يلوح في الأفق، وحتى إذا انتهى فهناك شك إذا كان أحد سيحاكم عن عملية القتل هذه لشخص عاجز.
سارع قسم التحقيقات إلى التحقيق مع الشرطة في أحداث التنكيل التي قام بها خمسة جنود من حرس الحدود في “ميتار”، لأنهم سرقوا ضحاياهم، الأمر الذي لا تحبه أجهزة الاحتلال. قتل متعمد، إطلاق نار عبثي وتنكيل تم التعامل معها دائماً بمزيد من التفهم وغض النظر من قبل أجهزة إنفاذ القانون في الجيش الإسرائيلي وفي الشرطة، وهذه أعمال أكبر من السرقة. عملية “الرصاص المصبوب” في 2006 التي قتل فيها حوالي 1400 فلسطيني، من بينهم مئات النساء والأطفال، انتهت بدون معاقبة أحد ممن أطلقوا القذائف ومن قصفوا. ثلاث لوائح اتهام فقط وإدانات. مثلاً، قام جندي من “جفعاتي” بسرقة بطاقة اعتماد وأموال نقدية من فلسطيني. إن انتزاع ممتلكات هو أخطر من انتزاع الحياة. هذه هي أخلاق الجيش الإسرائيلي.
هذا الأسبوع فحصنا ما حدث في التحقيقات في عدة حالات قتل وإصابات بالغة تمت على أيدي جنود الجيش الإسرائيلي الذين استعرضناهم في الأشهر الأخيرة. ولم يتم الانتهاء من أي تحقيق، حتى الأسهل من بينها، ولا حتى الحالات التي حدثت قبل أشهر طويلة. الجنود الذين أطلقوا النار ما زالوا أحراراً، وعدد منهم ربما تسرحوا من الجيش. تنضم إلى حزن العائلات الفلسطينية الثكلى أيضاً مشاعر الظلم الفظيع لأن قتلة أعزائهم لا يحاكمون، وأصلاً لن تتم معاقبتهم. يصعب معارضة الشعور بالظلم الذي يلازم كل عائلة فلسطينية ثكلى، وتسعى على الأقل إلى درجة من العدالة المتأخرة بسبب ما فقدته. اسألوا رنا وخيري الحلاق، والدي إياد، اللذين قدما التماساً للمحكمة العليا بسبب إطالة التحقيق في قضية قتل ابنهما. أيضاً يعرفان أن تقديم قتلة ابنهما لمحاكمة جنائية يبدو خياراً ضعيفاً جداً.
لقد قدمنا للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في هذا الأسبوع قائمة بالعديد من حالات قتل وإصابة بجروح خطيرة لفلسطينيين من الأشهر الأخيرة التي ظهرت فيها جميعاً هناك شبهة بأنها كانت زائدة وإجرامية، وطلبنا معرفة ماذا حدث لمصير التحقيق بشأنها. النتيجة متوقعة ومحزنة. وفي السنة الهادئة نسبياً، مثل السنة التي مرت، لم ينته أي تحقيق. جميعها على الأغلب ستنتهي بالإغلاق وستدفن في غياهب النسيان وتراكم الغبار عليها في الجارور بلا شيء.
في 14 تشرين الثاني الماضي، تقريباً قبل سنة، وفي إطار العملية التي سميت “الحزام الأسود” قصف سلاح الجو بيت نور السواركة في دير البلح، تلك الطفلة ابنة 11 سنة، التي كانت حينها طالبة في الصف السادس. قتل سلاح الجو والديها، يسرى ومحمد، وأخوتها معاذ ووسيم، وكذلك عمها رسمي وزوجته وأولاده الثلاثة قتلوا في القصف، في نومهم. كانت نور مستيقظة، فقد استيقظت على صوت الطائرات الذي سبق قصف بيتها. تسعة أشخاص أبرياء قتلوا أثناء النوم.
عندما يدور الحديث عن قصف لسلاح الجو، ليست هناك حاجة إلى تحقيقات الشرطة العسكرية. الحديث يدور عن طيارين، يكفي التحقيق الذي يقوم به سلاح الجو لنفسه. في كانون الأول، نشرت استنتاجاته الحادة: “تم تشخيص الهدف كمنشأة عسكرية للجهاد الإسلامي”، كوخ بائس، جزء من جوانبه من النايلون، هدف عسكري يشكل تهديداً، يستحق القصف من السماء. كان هذا كافياً لعدم إجراء تحقيق وعدم التقديم للمحاكمة، وبالتأكيد عدم معاقبة أحد. الأفضل يذهبون إلى سلاح الجو. “خلقت العملية ظروفاً لتحسين الواقع في غزة”، نص التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي. ربما يتم إعطاء أوسمة للطيارين الذين قتلوا أبناء العائلة الثمانية. ثمانية أشخاص قتلى، عائلة تم محوها.
قبل ثلاثة أيام من ذلك، في 11 تشرين الثاني، خرج الشاب عمر بدوي من بيته في مخيم العروب للاجئين لإطفاء حريق اشتعل على الحائط الخارجي من بيته، بعد أن ألقى شباب زجاجة حارقة على جنود الجيش الإسرائيلي واصطدمت بالحائق. أمسك بدوي (22 سنة) منشفة بيديه، مثلما ظهر في فيلم وثق ما حدث، من أجل إطفاء النار الصغيرة التي اشتعلت في حائط البيت. وفي اللحظة التي خرج فيها من البيت أطلق الجنود النار عليه وقتلوه في منحدر الزقاق الضيق. ربما ظنوا المنشفة صاروخاً، أو قذيفة، هكذا قال لنا المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في حينه: “يجري التحقيق في الحدث، وفي النهاية ستحول استنتاجاته إلى الادعاء العسكري. لا يمكن إعطاء تفاصيل عن التحقيق الجاري”. وقد مرت أكثر من عشرة أشهر، وفي هذا الأسبوع قال لنا المتحدث بلسان الجيش بأن التحقيق لم ينته بعد. أين هو التعقيد الكبير في هذا التحقيق؟
مباشرة نحو الرأس. ولدان أطلقت النار على رأسيهما في كفر قدوم، تفصل بينهما عدة أشهر. في 12 تموز من السنة الماضية، أطلق جندي للجيش النار على رأس الطفل عبد الرحمن شتيوي الذي لم يكن في حينه قد أكمل العشر سنوات، وكان يبدو أصغر من عمره. وقف الطفل على مدخل بيت صديقه في القرية في الوقت الذي جرت فيه المظاهرة الأسبوعية في القرية بعيداً عن ذاك المكان. أطلق الجندي النار عليه من فوق التلة ومن مسافة بعيدة مباشرة نحو رأسه. البروفيسور غيدي فرات، مدير قسم العناية المكثفة في قسم الأطفال في مستشفى شيبا، حيث تم نقل الطفل، اعتقد أن هناك أملاً للطفل، لكنه أمل خاب.
بقي عبد الرحمن في موت سريري، ووضع في مؤسسة تأهيل في بيت جالا. هكذا قال المتحدث بلسان الجيش بعد إطلاق النار الحي على رأس الطفل ابن العشر سنوات: “… خلال الأحداث أصيب قاصر فلسطيني. يجري التحقيق في الحدث من قبل الضباط. مع انتهاء التحقيق، ستحول الاستنتاجات إلى النيابة العسكرية”. هذه المرة حتى لم تكن حاجة إلى تحقيق من قبل الشرطة العسكرية، كان يكفي “القيام بتحقيق من قبل الضباط”، الذي لا تشوبه أي شبهة. ولم ينته بعدُ التحقيق في إطلاق النار على رأس طفل قاصر. لقد مرت سنة وربع على ذلك.
في الختام، المغني الصاعد زياد قيسية (17 سنة) الذي حلم بأن يكون مطرباً مشهوراً، والآن هو يغني في شوارع مخيم الفوار بواسطة جهاز تكبير بسيط اشترته له والدته، في 13 يوماً اقتحمت قوة مستعربين، وهي وحدة النخبة، المخيم البعيد هذا للقيام بعملية أمنية وضرورية ليس لها مثيل، وهي اعتقال أيمن حليقاوي، الشاب الذي يعاني من مرض نفسي وعمره 18 سنة، كتب منشوراً متحدياً عبر “فيس بوك”. فشلت القوة الممتازة في مهمتها ولم يكن حليقاوي في البيت، وبدلاً من ذلك أطلق أحد الجنود المستعربين النار على الشاب زياد قيسية الذي كان يقف على سطح بيته مع شقيقه الصغير وابنة عمه الصغيرة لمشاهدة ما يحدث على الشارع. أطلق الجندي النار عليه من مسافة بعيدة باتجاه السطح ومن مسافة ليس بالإمكان أن ترشق منها حجارة على الجنود. أصابت الرصاصة وجه المغني الذي لن يغني بعد ذلك، وحطمته تماماً وقتلته فوراً. المتحدث بلسان الجيش قال: “بعد النشاط، تلقينا تقريراً عن فلسطيني قتيل، وتم فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية. وفي نهايته ستحول النتائج…”. وأنتم تعرفون ما سيأتي لاحقاً وتعرفون النهاية.