لماذا يموت الشباب بقلوبهم؟ سما حسن

الخميس 24 سبتمبر 2020 12:23 م / بتوقيت القدس +2GMT



يبدو السؤال دقيقاً ومرتباً، وهو أن تقف وتضم قبضتك بحيث تكون أطراف أصابعك مضمومة جيداً وتركزها أمام وجه الآخر وأنت تسأل السؤال: لماذا يموت الشباب بقلوبهم بالتحديد؟ فكل خبر تقرأه وأنت تفرك عينيك أن هذا الشاب الذي لا يزال في ريعان عمره قد مات بسبب أزمة قلبية، وفي بعض الأحيان يكون التعبير أكثر دقة وهو جلطة في القلب؟ وكل يوم تقرأ هذا الخبر الذي يصمم أن يكون له حضوره لينغص عليك ما تبقى من بقايا فيك، ان الشباب يموتون بقلوبهم، يموتون بسبب قلوبهم.
لا أذكر في حياتي الماضية وعندما كنت طفلة أو مراهقة أنني سمعت عن حادثة وفاة شاب، وربما سمعت عن حوادث غرق الشباب في البحر وكانت قليلة ومتباعدة، وكان جدي لأمي حازماً في تعليقه ومحذراً : البحر غدار.... وفي حادثة اخرى سمعت عن موت شاب بحادثة سيارة.
واليوم يا رفاق نسمع كثيراً، ونقرأ كثيراً ويكثر النعي عن موت الشباب بسبب قلوبهم، وانت تستغرب فمعظم من يموتون بالسكتات القلبية وأزماتها يموتون في الغربة بعيداً عن بلادهم وأهليهم، وقد جاهدوا كثيراً للخروج واعتقدوا ان في الغربة نجاة ولم يكونوا يعرفون أن الغربة موجعة، وان البعد عن صدر الأم وذراع الأب ألم لا يعادله ألم.
تخيل ان تعود في المساء من عملك إلى سكن صغير وضيق، وتفكر بلقمة ساخنة تسد رمقك، ولكن أمك بعيدة، وأختك المشاكسة بعيدة، ولا يمكن ان تسد رمقك ما لم تقف منهكاً في مساحة أضيق من ان تصلح لتكون مطبخاً وتبدأ بإعداد طبق من الطعام كيفما اتفق، المهم ان تسكت جوعك.
وفي الأيام التي تقرر ان تتفنن وتدعو بعض أصحابك وتعد «مقلوبة» وهي أكلة معتادة في بلدك تكتشف أنها تحتوي نفس المكونات ولكن طعمها ينقصه شيء، لا تشبه تلك الطنجرة العملاقة التي تعدها الأم وتقلبها بأناة رغم انها لا تمتلك «طنجرة تيفال» ولا أي طنجرة من الماركات الشهيرة التي لا يلتصق بها الطعام أبداً، الأم يا رفاق تمتلك طنجرة معدنية منبعجة الأطراف، وقد كسرت إحدى يديها ولكنها تحملها من حافتها العلوية بتؤدة وحرص ببشكير المطبخ الذي كان يوماً مخصصاً للأب يجفف فيه عرقه حتى أصابه البلى فتحول إلى المطبخ، وهكذا تقلب المقلوبة ولا تتبقى حبة أرز واحدة في القاع، وتفوح الرائحة التي تملأ روحك، إنها لا تملأ أنفك، أنت متأكد من ذلك هي تملأ روحك، روحك التي ضاق بها الوطن والذي لم يحقق لك أي حلم حلمته، ولم يفسح لك موقع قدم، ورغم ذلك فقد أعطاك هذه الأسرة الدافئة الصغيرة وعلى رأسها أمك وعلى جبينها يضيء ثغر أبيك اللاهث لك بالدعاء دوماً وإن خالط الدعاء قلة الحيلة ولكنه دعاء مشفوع بالرجاء.
مات الشباب في الغربة ومازالوا يموتون، لأنهم بين نار ونار، والنار التي أكلتهم حتى اصبحوا موتى على أقدام هي نار الغربة، والنار التي يعيشونها هي نار فقدان الأمل بكل المسميات التي تعلموها في المدرسة ونالوا لأجلها أعلى الدرجات، لا عدالة يا شباب، لا أمل ولا حظ لكل مجتهد، وهناك دائماً الكبار الذين يدوسون على الصغار، ان البلاد التي يفقد فيها الصغار أحلامهم تبقى في قلوبهم وتؤلمهم قلوبهم حتى تشيخ، لا احد كتب في شهادة وفاة احد الشباب أنه قد مات بسبب شيخوخة في القلب، اكتبوا ذلك لكي تتحروا الدقة، كونوا صادقين لو مرة في حياتكم.