تلوم دول كثيرة - أجنبية أو عربية - الفلسطينيين لعدم اقتناص فرص السلام المعروضة عليهم. وللحق فإن جميع الفرص كانت منقوصة عن الحد الأدنى المقبول من الفلسطينيين والذين عرضوا القضية ضمن إطار قانوني – أي إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة قبل الخامس من حزيران 1967 وعودة اللاجئين حسب القرارات الدولية. وبالرغم من أن هذه الصيغة لم تكن مقبولة من بعض الأطراف والقوى الفلسطينية، إلا أنها كانت نتاج قرارات الإجماع الوطني في المجالس الوطنية الفلسطينية منذ مؤتمر الجزائر في عام 1988.
أما الفرص التي ضاعت بفعل الفلسطينيين أنفسهم، فهي الفرص المتعلقة بإنهاء حالة الانقسام الداخلي، فنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وصفقة القرن والاتفاق الأخير بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، كلها محفزات لإنهاء الانقسام، ومع ذلك لم تستفد القيادة الفلسطينية من الزخم الجماهيري، ومن الإشارات المتعددة التي تساعد في إنهاء الانقسام. ولا شك أن المبادرة الأخيرة للأخ جبريل الرجوب (القيادي في حركة فتح) وبيانه المشترك مع الأخ صالح العاروري (القيادي في حركة حماس) كانت مؤشراً قوياً نحو إنهاء الانقسام، ولكن يظهر أن هذه المبادرة لم تجد الزخم الكافي للبدء في عملية إنهاء الانقسام فعلياً.
نعم فرص إنهاء الانقسام تأتي ونحن لا نحرك ساكناً. ولكنني استبشرتُ خيراً عندما تشرفتُ بلقاء سيادة الرئيس أبو مازن قبل بضعة أيام، وأشرت خلال اللقاء إلى موضوع الانتخابات – التشريعية والرئاسية كمدخل لإنهاء الانقسام. وبدا لي، بوضوح، أن الرئيس ما زال مؤمناً، كما كان سابقاً، بموضوع الانتخابات.
وبطبيعة الحال، فأنا من المقتنعين بأن الانتخابات هي أحد المداخل لإنهاء الانقسام. وقبل جائحة "الكورونا" كنا قاب قوسين أو أدنى من إجرائها، لولا بعض العوائق وفي مقدمتها موضوع القدس. وتبعت جائحة الكورونا ذلك وباتت الانتخابات في طي النسيان إلى حد كبير.
فإن كانت مبادرة رجوب – عاروري تجابه بعض الصعوبات والإشكاليات، فدعونا نساندها ونقفز مرةً أُخرى للانتخابات، مستندين فيها إلى تلك المبادرة، وإلى ما ظهر في اللقاء الأول المتلفز من الجدية وحسن النوايا بين الطرفين.
قد يظن البعض أن إجراء الانتخابات هو مسألة صعبة خصوصاً ما بعد الجمود الانتخابي الذي دام سنوات طويلة، ولكنه أسهل مما قد يتصور البعض، فجميع الفصائل قد وافقت على مبادرة سيادة الرئيس المعلنة في 4 تشرين الثاني 2019 كأساس لإجراء الانتخابات. نعم، وافقت على ما ورد فيها دون لغط أو مواربة. وبالرغم من أن الردود من بعض الفصائل كانت مزدانةً بشعارات الفصائل ونهجها وفلسفتها في التحرر والتحرير، إلا أن جوهر الأجوبة كان متعلقاً بقبول الانتخابات استناداً إلى ما ورد في قانون الانتخابات ومبادرة الرئيس.
إنني أدرك أن الانتخابات تزعزع الوضع الراهن للقوى المتعددة على الساحة الفلسطينية، ولكن الوضع الراهن هو وضع سيئ وهش للغاية، ولا يمكن أن يدوم ما دامت الدول العربية نفسُها بدأت مرحلة التطبيع. وإنهاء الانقسام هو المخرج من الوضع الراهن، والانتخابات هي الأسلوب المتعارف عليه لإنهاء مثل هذه الإشكاليات. وعدا عن إنهاء الانقسام فهل يُعقل أن نسمي أنفسنا دولةً دون وجود مجلس تشريعي منتخب يكون الحلقة المشرعة الرئيسية في الوطن.
نعم هنالك حلقات ضرورية للانتخابات – ألا وهي تطويع جميع الأمور اللوجستية وتهيئة الأجواء لانتخابات حرة ونزيهة، وإذا وُجدت الإرادة فإن جميع المشاكل قابلة للحل بما في ذلك موضوع القدس، وهذا يحتاج إلى معركة، وأنا على ثقة أن أبناء فلسطين وأبناء القدس بشكل خاص وفصائل العمل الوطني قادرة على إيجاد حل مشرف للانتخابات في القدس. وهنالك طرق لإجراء الانتخابات بالرغم من وجود "الكورونا" مثل فتح مراكز متعددة أكثر والتمسك بالبروتوكولات الخاصة بوزارة الصحة.
لقد وقف سيادة الرئيس حصناً منيعاً أمام صفقة القرن، ولولا صمودُه في وجه الصفقة ووقفته القوية، لكانت الصفقة في مسار التنفيذ الآن. وبنفس القدر من العزيمة فقد يرى سيادة الرئيس أن الوقت أصبح مناسباً للإعلان عن موعد محدد للانتخابات التشريعية تتبعها انتخابات رئاسية، ليس فقط من أجل تفويت الفرصة على مسلسل التطبيع المقبل، ولكن أيضاً من أجلنا نحن كمواطنين في دولة تحتاج إلى جميع ركائزها حتى يستقيم فيها الوضع ونسمي أنفسنا دولةً بجميع مكوناتها.
* رئيس لجنة الانتخابات المركزية .