القول بأن خبر التطبيع بين الإمارات وإسرائيل أمرٌ متوقع وليس بالمفاجئ بحد ذاته دلالة على أن التحضير النفسي الجمعي لكل المنطقة لمثل هذه الأخبار سار بشكل جيّد.
سنوات من لعبة سيكولوجية واضحة وفجّة تمارسها الإمارات ودول على شاكلتها لتمرير أخبار التطبيع على أنها تطور طبيعي للوضع الراهن وليست بالأمر الخارج أو الذي يستدعي الخجل أو التجميل.
أمران اثنان يبدو أنهما نجحا بشكل جيد على وجه الخصوص، الأول هو المسّ بنبل قضية فلسطين. عمل هائل قامت به الماكينات الإعلامية وذبابها من أجل شيطنة الفلسطيني وجعل قضية فلسطين تبدو أمرًا مكلفًا ووليس على درجته السابقة من النبل. في نهاية الأمر من السهل أن تدير الظهر إذا أقنعت نفسك أن ما تحارب من أجله لا يستحق، أليس كذلك؟
والأمر الثاني هو الإغراق بالمآساة واستغلالها، حساسية المرأ للأحداث الصادمة في حياته تقل إذا واجه كثيرًا منها وخصوصا في فترة زمنية قصيرة. وإذا نال كلٌ نصيبه من المآساة سينشغل بها وتقل حساسيته لما دونها. دولٌ بأسرها وعواصم وشعوب من المنطقة أغرقت بالمآساة في فترة زمنية وجيزة جعلت كل شيء مشابهٍ يبدو طبيعيا. لكن الأدهى والأكثر فجاجة من أن تستغل كلّ هذا (فضلًا عن المساهمة به) لتمرر خبرًا سريعا مثل التطبيع هو أن تخبر الفلسطيني أننا بفعلتنا هذه جنبناكم مآساتكم القادمة والمجدوَلة (ضم الضِفة). أي وقاحة؟
لكن المشكلة ليست في الآخرين، المشكلة في الفلسطيني ونخبه السياسية التي جعلت واحدة من أنبل قضايا العصر الحديث إلى مطية سياسية لمن أراد. نخبٌ جعلت 'حيط الفلسطيني واطي' وخذلته لتصبح إهانته أمرًا عاديا. ويبدو أننا في قادم الزمن لن نضرب المثل فقط بخيانة البعض لنقول مثلا "أخون من الإمارات" لأن الحبل على الجرّار طبعا بل سنضربه بخيبة الفلسطيني وخذلانه لنفسه لنقول "أوطى من حيط الفلسطيني".