في كل لحظة تفتقد المواطنة علا اغبارية، نجلها الأسير عبد الله سعيد توفيق اغبارية، وتشعر بألم وحزن على فراقه، فلا يغيب ذكره عن لسانها وصوره عن مخيلتها ، فهو كما تصفه بـــ" الطيب والحنون"، المثابر والبار بوالديه، رغم صغر سنه تحمل المسؤولية مبكراً وترك دراسته ليشارك والده إعالة أسرتنا الكبيرة، وفي ظل استمرار تمديد توقيفه، تتمنى نهاية قريبة لرحلة المعاناة التي تعيشها يومياً والخلاص من الاحتلال وسجونه الظالمة.
قبل 18 عاماً، أبصر عبد الله النور في مدينة جنين، ليكون الثاني في عائلته المكونة من 10 أنفار، وتقول والدته الخمسينية أم محمد: " تربى وعاش على الأخلاق الحميدة، صاحب نخوة وشهامة ومعطاء لابعد حدود، تعلم بمدارس جنين حتى انهى المرحلة الابتدائية واضطر لترك دراسته لمساعدة والده في إعالة الأسرة "، وتضيف: " لم يعش حياته كباقي الأطفال والشباب، فقضى أيامه بين العمل والمنزل مكافحاً ومضحياً ومتحملاً كل المشاق، وهمه الأول والأخير أن نعيش حياة كريمة، ولا يشعر بالسعادة إلا عندما يلبي طلباتنا، وفي الفترة الأخيرة قبل اعتقاله استقر بالعمل في إحدى مخابز جنين".
تنهمر دموع الوالدة أم محمد لحظة استعادة ذكريات يوم اعتقاله، وتقول: " ابني لم يكن يتدخل بالسياسة، لا يوجد له انتماء لأي حزب أو تنظيم، لذلك شعرنا بصدمة كبيرة عندما فوجئنا بعشرات الجنود المقنعين والمدججين بالسلاح يقتحمون منزلنا حوالي الساعة الثالثة فجراً "، وتضيف: " لحظات مؤلمة وقاسية عشناها وهو يحولون منزلنا لثكنة عسكرية، احتجزونا حتى انتهت عملية تفتيش المنزل وفجأة انتزعوا عبد الله من بيننا بعدما قيدوا يده وعصبوا عينيه دون إبلاغنا سبب اعتقاله".
لم تصدق العائلة ما حدث مع ابنها، فسارعت للتوجه لمؤسسات حقوق الانسان لمعرفة مصيره، وتقول أم محمد: " حتى اليوم، لا أستوعب أن ابني معتقل، فطوال حياته لم يمارس أي نشاط، كان يتعب ويشقى لساعات طويلة، تمنيت أن يكون هناك خطأ ويعود لاحضاني سريعاً، ولكن بعد يومين علمنا من مركز الشكاوي في القدس بانه معتقل في قسم المعبار بسجن مجدو "، وتضيف: " الصدمة الثانية كانت عندما احضروه لمحكمة سالم العسكرية، منعنا الجنود من الاقتراب منه والحديث اإليه، وخلال دقائق قررت المحكمة تمديد توقيفه بناء على طلب النيابة لاعداد لائحة اتهام "، وتتابع: "وكلنا محامي طالب المحكمة في الجلسة الثانية بإطلاق سراحه لعدم وجود مصوغ قانوني لاعتقاله، لكن المحكمة رفضت، وحتى اليوم عرض على المحكمة 8 مرات، لكنه ما زال موقوفاً بذريعة وجود تُهم أمنية بحقه".
في سجن "جلبوع " يقبع الأسير عبد الله حالياً، وتقول والدته: " تغيرت وتأثرت حياتنا منذ اعتقاله، الحزن يلازمنا جميعاً بسبب ما يتعرض له من ظلم، فقد كان يعمل ويكافح مع والده يداً بيد من أجل العائلة، فزجه الاحتلال خلف القضبان وأصبح المنزل مظلماً وفيه فراغ كبير منذ غيابه ".
وتضيف: " كل يوم اتذكره بحضوره وجلساته وحنانه ومساعدته لنا ووقوفه ومساندته لنا دائماً، لم يتأخر يوماً عن المساعدة وتوفير احتياجاتنا "، وتتابع: " وجعي يكبر كلما رأيته خلف القضبان، ورغم ما نتعرض له من قيود وممارسات وعقوبات خلال رحلة المعاناة نحو السجن، فبمجرد رؤيته ننسى كل الوجع، ونشعر بقوة وعزيمة عندما نراه صامداً ويتمتع بمعنويات عالية ".
وتتابع: " رغم منغصات الادارة التي تفصل بيننا بالزجاج ولا تسمح لنا بمصافحة ابني، كنت أفرح لدى رويته بخير وصحة وعافية، لكن وجعنا كبير منذ إلغاء الزيارات بسبب فيروس كورونا "، مضيفةً "دعواتي لرب العالمين ليصبرني حتى أراه قريباً بين أحضاني ويعيد الأمل والنور لحياتنا ومنزلنا ...".