هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "يواصل صدى الانفجار في ميناء بيروت إسقاط الضحايا، حتى في الساحة السياسية. فقد أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، حسان دياب، أول أمس، استقالة حكومته، ولكن هل سينهي بذلك تداعيات الكارثة الضخمة. يبدو أن الاحتجاج الشعبي الآخذ في الاتساع يعكس تطلع لبنانيين كثيرين إلى تغيير قواعد اللعب المتبعة في الدولة. وهذا يرتكز إلى إدراك أن الكارثة هي في جزء منها نتيجة غير مباشرة للشلل السياسي والأزمة الاقتصادية الشديدة التي تغرق فيها الدولة في الفترة الأخيرة".
تؤثر الاضطرابات في لبنان بالتدريج أيضاً على مقاربة إسرائيل، التي تقلل مستوى الاستعداد على الحدود الشمالية رويداً رويداً وبحذر. منذ موت ناشط حزب الله في القصف الذي نسب لسلاح الجو الإسرائيلي في مطار دمشق في 21 تموز الماضي، اتبع الجيش الإسرائيلي درجة استعداد عالية على طول الحدود، إزاء تقديرات استخبارية بشأن رد محتمل لحزب الله. ولكن كارثة الميناء غيرت الأجندة الداخلية في لبنان بشكل كامل. وسيصعب على الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الآن، تبرير عملية رد ضد إسرائيل، التي قد تزيد تعقيد الوضع في الدولة.
كانت هذه هي خلفية قرار هيئة الأركان العامة أول أمس، بتخفيف جزء من القوات على الحدود مع لبنان، وإرسال جنود إلى إجازات، والسماح مجدداً بحركة السيارات العسكرية على الشوارع قرب الجدار الأمني. محاولتا الهجوم اللتان سبقتا الكارثة، من قبل خلية لحزب الله في مزارع شبعا ومن قبل خلية أرسلها حرس الثورة الإيراني على الحدود السورية في هضبة الجولان، تم إحباطهما بنجاح. يأخذ الجيش مخاطرة محسوبة، لكنه لم يعد حتى الآن إلى الوضع الذي كان سائداً على الحدود قبل 21 تموز.
في الخطاب الذي ألقاه نصر الله نهاية الأسبوع الماضي، قلل من تطرقه لإسرائيل، باستثناء ادعاء مشكوك فيه بدرجة ما حين قال إن منظمته تعرف أكثر عما يحدث في ميناء حيفا مما تعرفه عما يحدث في ميناء بيروت. في الحقيقة، كان حزب الله ناشطاً وله دور في أحداث كثيرة في ميناء بيروت، مثلما له دور من خلف الكواليس في مطار بيروت.
مع ذلك، من الأفضل أن نقرأ الآن وبحذر جزءاً من الادعاءات التي نُشرت في إسرائيل حول علاقة المنظمة الشيعية بانفجار المخزون الكبير لنترات الأمونيا في الميناء. تشير الكارثة إلى فساد الحكومة اللبنانية وشللها وإهمالها. ترتبط هذه ظواهر بعلاقة وطيدة مع الأزمة المتواصلة في الدولة التي يعدّ حزب الله أحد المسؤولين الرئيسيين عنها. هذه لائحة اتهام كافية ضد المنظمة التي تتعرض لانتقاد شديد من الرأي العام في بيروت. ولربط حزب الله مباشرة بالانفجار نفسه، مطلوب أدلة، وهي لم تقدم حتى الآن.
ورغم الشرخ بين الليكود و”أزرق أبيض”، الذي قد يؤدي قريباً إلى انتخابات جديدة، إلا أن قسمي الحكومة في إسرائيل ما زالا متفقين فيما بينهما حول السياسة المتبعة في المنطقة الشمالية. تحدث رئيس الحكومة نتنياهو أمس، هاتفياً مع الرئيس الفرنسي ماكرون. استغل نتنياهو الانفجار للمطالبة بإبعاد المواد المتفجرة وصواريخ حزب الله عن التجمعات السكانية المدنية في لبنان، وحذر حزب الله أيضاً برسالة أرسلها عبر ماكرون من محاولة تصعيد الجبهة مع إسرائيل بهدف التملص من الأزمة الداخلية.
ودعا وزير الخارجية، غابي أشكنازي، الذي تجول أمس مع سفراء أجانب على الحدود مع لبنان، الدول كي تعلن “حزب الله” منظمة إرهابية. وأضاف في رسالة أخرى قبل النقاش السنوي في الأمم المتحدة تجديد تفويض قوة اليونفيل، لأنها غير قادرة على تطبيق تفويضها في جنوب لبنان. وقد كرر ادعاء إسرائيل الذي يتجاهله المجتمع الدولي منذ العام 2006 ولذي يقول بأن قوة اليونفيل تخشى من القيام بتفتيشات بحثاً عن السلاح في قرى جنوب لبنان بسبب تهديدات حزب الله.
وقال دكتور شمعون شبيرا، المختص في شؤون حزب الله، للصحيفة، بأن ثمة مسألة أخرى يجب على إسرائيل أن تصر عليها، تتعلق بالمساعدات الدولية التي ستصل إلى لبنان في أعقاب الكارثة. وحسب أقوال شبيرا، العميد في الاحتياط الذي تولى وظائف رفيعة في قسم الاستخبارات في الجيش: “جزء كبير من الأموال التي يحصل عليها لبنان من الخارج يصل في نهاية المطاف إلى أيدي حزب الله. على الأمريكيين إدراك ذلك والتأكد من أن حزب الله بعيد عن معالجة إعادة الإعمار، وإلا سيكون هذا تكراراً لإعادة إعمار جنوب لبنان بعد حرب لبنان الثانية، التي استغلت إيران فيها الوضع لتعميق نفوذها وتقوية حزب الله”.
رسالة حماس المزدوجة
مثلما يحدث دائماً، ففي اللحظة التي خفت فيها التوترات في لبنان حدث تسخين في الجنوب. بعد هدنة طويلة، عاد الفلسطينيون إلى إطلاق البالونات الحارقة من قطاع غزة على حقول مستوطنات الغلاف. أمس تم إحصاء عشرات البالونات التي أشعلت حرائق على طول الحدود. وينسب جهاز الأمن تجديد هذا النشاط إلى رسالة حماس المزدوجة، نحو هدفين مختلفين.
الرسالة الأولى موجهة لقطر، التي سينتهي في الشهر المقبل تعهدها بإرسال رزمة شهرية بـ 30 مليون دولار إلى القطاع. والرسالة الثانية موجهة لإسرائيل، التي أبطأت معالجة المشاريع في مجال البنى التحتية المتفق عليها في اتصالات غير مباشرة بين الطرفين في بداية السنة. هذا الإبطاء مرتبط بالطريق المسدود في مسألة المواطنين الإسرائيليين وجثامين الجنديين الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وهاجم الجيش الإسرائيلي موقع مراقبة فارغاً لحماس على طول الحدود، وأغلق أمس المعبر التجاري في كرم أبو سالم؛ لتحذير حماس من طفح الكيل. وهدد نتنياهو، أمس، حماس والجهاد الإسلامي بـ “نتائج قاسية وثمن باهظ جداً”، إذا استمرت هذه المصائب. وأعطي تحذيره ذلك في الوقت الذي كانت فيه طائرات اف16 تجثم في قاعدة سلاح الجو بـ”حتسور” التي زارها، التي جسدت علاقة القوى بين الطرفين… طائرات قتالية من جهة وبالونات من جهة أخرى. وبهذا، أخذت أقوال رئيس الحكومة بعداً هزلاًي غير مقصود.
إذا كان المطلوب دليلاً آخر على أن المناطق تتصرف طبقاً لمنظومة قوانين غريبة وغير منطقية، فقد جاء بيان الجيش أمس، بشأن إرسال كتيبة لتعزيز خط التماس المخترق مع الضفة الغربية. لم يقدم البيان تبريراً لهذا التعزيز الاستثنائي، لكن يكمن في ما نشر هذا الأسبوع عن غض نظر متعمد للجيش لدخول آلاف الفلسطينيين من الضفة عبر الحواجز بهدف الاستجمام على شواطئ البحر في إسرائيل.
سمح الجيش الإسرائيلي بذلك لتخفيف التوتر في الضفة. ولكن يبدو أن القرار تسبب بحرج أمام المستوى السياسي المشغول بأن يظهر قوياً أمام الفلسطينيين. والنتيجة هي تعزيز قوات استعراضي لن يساعد كثيراً من الناحية الأمنية (إغلاق حقيقي لخط التماس مطلوب قوات أكبر)، وبالتأكيد سيعود ويخفف قليلاً عندما لا يتنبه أحد لذلك.