إسرائيل اليوم - بقلم: يوسي بيلين "تجدني ملزماً بالاعتراف بأن أحد النجاحات الأكبر لليمين هو إسقاط الانسحاب من غزة الذي جرى من طرف واحد، على “اليسار”. ففي لقاء عن بعد في برنامج “زوم” مع مجموعة من الشبان، سألني أحدهم كيف لا يفهم اليسار بأن كل أرض تنسحب منها إسرائيل يحولها “العرب” خشبة قفز للمسّ بنا.
أي أرض تقصد بالضبط؟ سألته، فأجاب بلا تردد: “غزة، بالطبع”. “ولأي يسار ينتمي رئيس الوزراء أرئيل شارون؟”، سألته بعجب. “كديما، بالطبع، حزب اليساريين مع بيرس ولفني وأولمرت”.
تذكرت مسرحية لريفكا ميخائيلي عن الطفل أودي المشوش بين الأعياد، وحاولت أن أرتب التاريخ لهذا الشاب المؤدب المتحمس.
قلت له إن شارون يعد لكثيرين “أب المستوطنات” وإن لم يكن هو من أوجدها. وعندما كان وزيراً للخارجية في حكومة نتنياهو، في 1998، لدى عودته من التوقيع على “اتفاق واي” دعا المستوطنين إلى الاستيطان في كل تلة. وعندما انتصر في الانتخابات عام 2003 واقترح على من كان في حينه رئيس العمل، عمرام متسناع، الارتباط به، لم يوافق على طلبه الانسحاب من مستوطنة “نتساريم”، في قلب القطاع، وقال إن “حكم نتساريم كحكم تل أبيب”. وبعد سنتين من ذلك، أعلن عن انسحاب من طرف واحد من كل القطاع.
لم يتخذ شارون القرار ولم ينفذ الخطة بصفته رئيس “كديما” بل بصفته زعيم الليكود. ومثلما ولّد حجيجه الاستفزازي إلى الحرم مع أعضاء كتلة الليكود وألف شخص آخرين، الانتفاضة الثانية، هكذا أيضاً كان قراره غير المرتقب وغير المفهوم للخروج من غزة دون أي اتفاق، اتخذ بعناده في ظل تجاهل نتائج استفتاء أعضاء الليكود الذي بادر هو نفسه إليه.
يحاول الناس فهم ما مر عليه، ولماذا اتخذ قراراً مفاجئاً بهذا القدر. إذ لا يدور الحديث هنا عن وعد انتخابي، كذاك الذين حمله معهم رابين (الاتفاق مع الفلسطينيين في غضون ستة حتى تسعة أشهر) أو باراك (الانسحاب من لبنان في غضون سنة من إقامة حكومته). لقد كان المعارضون، يميناً ويساراً، على قناعة بأنه فعل ذلك كي يزيح الانتباه عن التحقيقات الجنائية ضده (“عمق الانسحاب كعمق التحقيق”). لقد أجري لقاء صحافي مع دوبي فايسغلاس في حينه، وعزا الانسحاب للمقابلات الصحافية التي أجريت مع رؤساء المخابرات السابقين تنديداً للمجهود السياسي، بينما شرح شارون نفسه في مقابلة مع “نيويورك تايمز” بأنه قرر ذلك كي لا يتم تبني الأفكار التي طرحت في إطار “اتفاق جنيف” غير الرسمي الذي حظي بتأييد جماهيري مفاجئ في 2003 فلا تضر بإسرائيل.
لم تولد فكرة الانسحاب من غزة لدى اليسار، وليس هو من تبناها. فقد رأى غير قليل في معسكر السلام أن ذلك يعد مساً باتفاق أوسلو. حاولنا إقناع شارون بالانسحاب ليكون جزءاً من التسوية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن شارون أصر ألا يفعل ذلك. أما نحن، في “ميرتس”، فمنحناه، من الخارج، الأغلبية في الكنيست التي كان يحتاجها، ولكننا حذرناه بأن خطوته تلك دون مسيرة سلام ستكون إنجازاً كبيراً لحماس وستشجع العنف.
إن الانسحاب من غزة ونتائجه لا يثبت بأن “لا يمكن الاعتماد على العرب” أو أنه لا يوجد شريك، بل يثبت بأن هذه الفكرة تمت بارتجال، من معمل الليكود، دون أي تخطيط جدي مسبق، وانطلاقاً من فكر تبسيطي لانعدام الفرق بين المعسكر الفلسطيني البراغماتي وذاك المتزمت. من هذه النواحي، لا يمكن ألا تذكّر تلك بخطوة أحادية الجانب أخرى، وهي ضم ثلث الضفة “حتى الأول من تموز”. هذا ضم، وذاك انسحاب، ولكن انعدام المسؤولية مشابه.